بات واضحاً أنّ تخبُّط السياسة الخارجية الروسية غير مقتصر فقط على المواقف الروسية الأخيرة من أحداث الشرق الأوسط، ابتداء من ليبيا وصولاً الى سورية، ففي عقر دار موسكو، في آسيا الوسطى، التي تعتبر حدائق روسيا الخلفية، تسير دوشانبيه على خطى طشقند، حيث تقوم طاجيكستان بمحاولة ابتزاز موسكو، وتعرض على روسيا تمديد الاتفاق القديم لتواجد القاعدة العسكرية الروسية لمدة سنتين، بدلاً من توقيع اتفاق جديد لمدة 49 عاماً، وهو ما سبق وأعلنه الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف. يأتي ذلك بعد الصفعة المؤلمة التي تلقتها موسكو من أوزبكستان، بانسحاب الاخيرة من «منظمة الأمن الجماعي»، المنظمة الروسية الولاء والتوجهات. وكانت دوشانبيه عرضت على موسكو عدم توقيع اتفاق جديد حول مستقبل القاعدة العسكرية الروسية في طاجيكستان حالياً، وتمديد الاتفاق القديم بشكل سنوي لمدة عامين حتى 2016، وبعد ذلك التاريخ ستكون طاجيكستان مستعدة لتوقيع اتفاق جديد يناسب الشروط الروسية، وفق معلومات نشرتها وكالة أنباء موسكو الروسية عن مصدر في القيادة الطاجيكية. ولا تزال موسكو ودوشانبيه غير قادرتين على إيجاد صيغة تفاهم حول هذه القضية، حيث تصر طاجيكستان على فرض رسوم إيجار على تواجد القاعدة العسكرية الروسية على أراضيها تزيد قيمتها على 250 مليون دولار في السنة، بينما يَعتبر الجانب الروسي هذا الشرط غير مقبول. 250 مليون دولار ووفق صحيفة «كومرسانت» الروسية، فإن دوشانبيه تريد الحصول على ما لا يقل عن 250 مليون دولار سنوياً من موسكو مقابل القاعدة العسكرية الروسية على الأراضي الطاجيكية، وأشارت الصحيفة الى أن الخبراء لا يستبعدون أن تضطر روسيا إلى الموافقة على هذا الشرط. وذكر ل «كومرسانت» مصدرٌ طاجيكي مطلع قريب من مفاوضات تمديد عقد استمرار تواجد القاعدة العسكرية الروسية 201 على أراضي طاجيكستان، أن كلفة تواجد هذه القاعدة على أراضي طاجيكستان – وفق تقييمات أجرتها الأجهزة المختصة في هذه الجمهورية - يجب ألاّ تقل عن 250 مليون دولار في السنة. واندلعت المشكلة المتعلقة بتواجد 7 آلاف جندي وضابط روسي في طاجيكستان، قبل اسابيع، بعد اتهام روسيا الحكومة الطاجيكية بتقديم شروط تعجيزية غير مقبولة لتمديد عقد إيجار القاعدة العسكرية، واعتبرت وزارة الدفاع الطاجيكية الموقفَ الروسي بأنه غير صحيح سياسياً. وذكر مصدر في وزارة الدفاع الروسية للصحيفة الروسية، أن روسيا حتى الآن لم تستلم الاقتراح الطاجيكي حول تمديد إيجار القاعدة العسكرية، ولذلك لا يمكن نفي أو تأكيد رقم ال 250 مليون دولار المذكور. مفاوضات جديدة وأصبحت رسوم تواجد القاعدة العسكرية الروسية في طاجيكستان عاملاً أساسياً في إعاقة تقدم مسالة التوقيع على اتفاق جديد حولها، وفي رأي الخبراء، أن مرحلة جديدة من المفاوضات بدأت بين موسكو ودوشانبيه، وهي تدور حول بقاء القاعدة العسكرية مقابل دعم موقف طاجيكستان في نزاعها مع أوزبكستان حول الحدود والمياه. وكان نائب وزير الدفاع الروسي أناتولي انتونوف أعرب خلال زيارة قام بها إلى طاجيكستان، عن ثقته بأن يتوصل الطرفان الروسي والطاجيكي قريباً للصيغة النهائية حول تمديد تواجد القاعدة العسكرية الروسية على أراضي طاجيكستان، بما يخدم مصالح الأمن القومي الطاجيكي ومصالح الأمن القومي الروسي. وعلقت روسيا أخيراً دفع الإيجار، ولكنها تستمر في مساعدة طاجيكستان على تسليح جيشها. ورأت أوساط مراقبة أن سلطات جمهورية طاجيكستان تحاول تحصيل أكبر فائدة من روسيا، مستغلة اهتمام مزيد من الدول، مثل الولاياتالمتحدة والصين والهند، بمنطقة آسيا الوسطى. وتستأجر هذه القاعدة منشآت تقع في ثلاث مدن في طاجيكستان، هي دوشانبيه وكورغان تيوبه وقلياب. ولم تأت زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل شهرين إلى طاجيكستان، بتحول جديد في مسالة تمديد تواجد اكبر قاعدة عسكرية روسية في الخارج، ونتائج الزيارة تشير إلى أن شروط الطرفين لم تتغير، ولا احد يرغب في تقديم التنازلات. وقال لافروف بعد لقائه الرئيس الطاجيكي إمام علي رحمانوف، إن القيادة الطاجيكية أكدت اهتمامها باستمرار تواجد القاعدة العسكرية الروسية وغيرها من المنشات الروسية على أراضي طاجيكستان. ووفق كلام الوزير الروسي، فإن مشروع الاتفاق الجديد حول القاعدة العسكرية الروسية قيد التفاوض، والمفاوضات ستتواصل، وحول هذه النقطة قال رئيس طاجيكستان إن الأوامر اللازمة ستعطى لتسريع المفاوضات، وأضاف لافروف: «نحن سنكون مستعدين لذلك». وتمت إقامة القاعدة العسكرية الروسية في طاجيكستان في 16 تشرين الأول (أكتوبر) 2004 لمدة 10 سنوات، وتعتبر أضخم قاعدة عسكرية لروسيا خارج أراضيها، ويخدم فيها قرابة سبعة آلاف جندي، وهي ضمن قوة الرد السريع الجماعية في منظمة معاهدة الأمن الجماعي. وأعلن الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف في الثاني من أيلول (سبتمبر) العام الماضي، أن الجانبين الروسي والطاجيكي يبحثان في اتفاق جديد يسمح ببقاء القاعدة العسكرية الروسية في طاجيكستان لمدة 49 عاماً، وبالطبع هذا الاتفاق سيسمح لروسيا بتعزيز مكانتها في آسيا الوسطى، حيث تتقاطع أيضاً المصالح الجيو سياسية للصين والولاياتالمتحدة الأميركية. ومشروع الاتفاق هذا كان من المفترض تحضيره في النصف الأول من هذا العام، إلا أن العملية تأجلت. سبب التآخير ووفق بعض المصادر، فإن الجانب الطاجيكي هو سبب التأخير، لجعل روسيا تضخ المزيد من المساعدات في ميزانيتها الفقيرة، وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، أن السفير الطاجيكي لدى روسيا عبد المجيد دوستيف، ألمح إلى أن حكومته ستطلب 300 مليون دولار سنوياً لاستخدام القاعدة العسكرية الروسية، ويمكن الدفع نقداً او مقابل مساعدات عسكرية، بينما تأمل موسكو بدفع رسوم أقل من ذلك. وقال السياسي الطاجيكي مخابات سعيدوف، إن طاجيكستان الآن في حاجة لدعم شريك استراتيجي في المشاريع الإقليمية، والحد من درجة الغليان في العلاقات مع جارتها الشقيقة أوزبكستان، ودعم تقني لوجستي في التعاون العسكري، إذا ما أخذنا بالاعتبار أن العام 2014 ليس بعيداً، وهو موعد انسحاب قوات الناتو من أفغانستان المجاورة لطاجيكستان. واشار بعض الخبراء إلى أن طاجيكستان تريد الكثير، وبالمقابل لا يمكنها إعطاء سوى القليل لروسيا، ولكن طاجيكستان في حاجة إلى روسيا أكثر من حاجة روسيا إليها، وموسكو ستواصل اللعب على ذلك بمهارة. بعد زيارة لافروف الاخيرة لطاجيكستان، تنتظر طاجيكستان زيارة مبعوث أميركي، كما حصل في مرات سابقة عدة. وفي السياق ذاته، اعلن داني ليبيرتون، رئيس وفد الكونغرس الأميركي خلال زيارة قام بها للعاصمة الطاجيكية دوشانبيه أخيراً، أن طاجيكستان يمكن أن تقدم بديلاً للقاعدة العسكرية الجوية الاميركية في مطار «ماناس» في قيرغيزستان، والتي ينتهي اتفاق استخدامها من قبل الولاياتالمتحدة في عام 2014. وأضاف المسؤول الأميركي إنه بعد انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان عام 2014، ستكون القاعدة الأميركية في «ماناس» مغلقة، ولمنع التهديدات من المنظمات الإرهابية والمتطرفة، خصوصاً تنظيم «القاعدة» وحركة «طالبان»، من الضروري إنشاء مركز جديد للعمليات الأمنية في المنطقة. وأشارالى أن الولاياتالمتحدة ستواصل تقديم المساعدات التقنية الضرورية لطاجيكستان في مجال حماية حدودها الطويلة والمحصنة بشكل غير كاف مع أفغانستان، وتعزيزها بعد عام 2014، كما أكد عضو الكونغرس الأميركي، على أن تلعب طاجيكستان دورها الهام في توفير الأمن في آسيا الوسطى. وتتواجد في مطار العاصمة القيرغيزية الدولي «ماناس» قاعدة عسكرية أميركية منذ العام 2001، وأطلق فيه لاحقاً0 مركز ترانزيت، وهي نقطة النقل الرئيسية للبضائع والخدمات اللوجستية إلى قوات التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب في أفغانستان، ويتواجد فيها - وفق الأرقام الرسمية - قرابة 1500 جندي وضابط أميركي.