أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش في 24 أيار مايو عن سلسلة جديدة من العقوبات الاقتصادية ضد إيران، بعد تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الصادر قبل يوم، حول زيادة تخصيب اليورانيوم في إيران وعدم تعاون طهران مع المنظمة الدولية. وتزامن هذا الإعلان مع تصريح لسفيره في الأممالمتحدة في اليوم ذاته ان هناك خلافات في مجلس الأمن تمنع تنفيذ قرارات سابقة حول مقاطعة إيران. والحقيقة ان العقوبات الأميركية ضد إيران تعود الى أوائل الثمانينات، عندما مُنعت الشركات الأميركية من العمل النفطي هناك، تبعها تشريع الكونغرس عام 1996"قانون العقوبات الاقتصادية ضد ايران وليبيا"، الذي فرض عقوبات على الشركات الأجنبية غير الأميركية التي تستثمر اكثر من 20 مليون دولار سنوياً في الصناعة النفطية في ايران. وأُعفيت ليبيا من هذه العقوبات بعد تسوية نزاع تفجير الطائرة الأميركية فوق لوكربي في سكوتلندا. من الواضح أن الولاياتالمتحدة لم تفلح حتى الآن في ضعضعة الصناعة النفطية الإيرانية، كما حصل مع العراق في تسعينات القرن الماضي. إلا أن ما تحقق هو استعمال الضغط المستمر للحد من نمو هذه الصناعة الطبيعي وعودتها الى مستوياتها السابقة قبل ثورة 1979. وكما هو معروف بلغت الطاقة الإنتاجية النفطية الإيرانية أواخر عهد الشاه نحو ستة ملايين برميل يومياً، لتنخفض أثناء الحرب العراقية - الإيرانية الى نحو 2.6 مليون برميل يومياً، ثم ترتفع الى أربعة ملايين برميل يومياً الآن. فيما بقيت الطاقة التصديرية من دون تغيير لسنوات عدة، وتبلغ نحو 2.5 مليون برميل يومياً. وفي السنة المالية الإيرانية السابقة، بلغ إجمالي الريع النفطي نحو 54 بليون دولار. واضطلعت عوامل عدة في تأخير تطور الصناعة النفطية الإيرانية مقارنة بالتطور في بعض الدول المجاورة، منها تردد الشركات الأجنبية في الاستثمار في الجمهورية الإسلامية بسبب الضغط الأميركي، والصراعات السياسية الداخلية، والزيادة الكبيرة التي طرأت أخيراً على الكلفة الاستثمارية في المشاريع النفطية. ويحتاج القطاع النفطي وحده الى نحو 15 بليون دولار لزيادة الطاقة بحسب ما هو مخطط له حتى نهاية العقد. إلا أن الضغوط الأميركية أدت الى عرقلة الاستثمار في الحقول النفطية البرية وتأخيره، اذ لم توقع الشركات الأوروبية منذ بداية العقد الجاري سوى اتفاقين: الأول مع شركة"ستاتويل"النروجية عام2002 ب2.65 بليون دولار، والثاني مع شركة"نورسك هيدرو"النروجية خريف عام 2005. واضطر الكونسورتيوم الياباني بقيادة شركة"إينبكس"بعد مفاوضات دامت نحو ثلاث سنوات، ونتيجة ضغوط أميركية، أن يخفض حصته البالغة 75 في المئة في مشروع تطوير حقل ازاديغان العملاق الى 10 في المئة فقط. وهناك مفاوضات جارية منذ سنوات مع شركات"شل"و"توتال"وشركة النفط الهندية حول مشاريع نفطية أخرى، إلا أن التوقيع النهائي يتأجل في استمرار بسبب الضغوط والحذر من المضاعفات السياسية. وحفّز حذر الشركات الدولية المؤسسات النفطية الصينية الى ولوج الصناعة الإيرانية. وعلى رغم توافر الاحتياطات النفطية الضخمة في إيران نحو 10 في المئة من الاحتياط العالمي، لم تبن طهران العدد اللازم من مصافي التكرير لتلبية الطلب المحلي المتزايد على المنتوجات البترولية. كما أنها تستمر في بيع البنزين محلياً بأسعار متدنية، ورفعت سعره 25 في المئة أخيراً ليصبح 11 سنتاً لليتر. ولكن على رغم ذلك يبقى من أرخص الأسعار عالمياً، مع الاشارة الى الحجم الكبير في الطلب داخلياً والزيادة الكبيرة في الاستهلاك سنوياً، إضافة الى الكميات الضخمة التي تُهرب الى الخارج. ونظراً الى عدم بناء مصاف جديدة منذ سنوات، تضطر إيران الى استيراد المنتوجات البترولية من الخارج. فهي تستورد يومياً 30 مليون ليتر من المنتوجات البترولية، في حين يبلغ إجمالي استهلاكها 75 مليون ليتر يومياً. وتصل كلفة هذه الواردات البترولية الى نحو 4 بلايين دولار سنوياً. كذلك أخفقت ايران في تنفيذ المشاريع اللازمة لتصدير الغاز الطبيعي على رغم ملكيتها لثاني احتياط غازي في العالم 940 تريليون قدم مكعبة بعد روسيا الاتحادية. والسبب الرئيس في ذلك هو تخوف الشركات العالمية من عقوبات أميركية، فضلاً عن صعوبة التفاوض مع الطرف الإيراني حول الشروط التجارية للعقود، وتغيير الموقف الإيراني أثناء المفاوضات، بل حتى في نصوص العقود بعد التوقيع عليها مع تغيير الحكومات. وبالفعل هناك مشروعان اليوم فقط لتصدير الغاز عبر الأنابيب، أحدهما الى تركيا والآخر الى أرمينيا. في حين أن هناك مشاريع تصديرية للغاز الطبيعي او الغاز المسيل قيد الدرس منذ سنوات ولكن من دون تنفيذ، وتحديداً مدّ خط أنبوب للغاز الى باكستان والهند الذي بدأت المفاوضات حوله قبل اكثر من 10 سنوات والمحاولات لتطوير حقل جنوب بارس الذي هو امتداد لحقل غاز الشمال القطري ولكن في المياه الايرانية، والذي لا تزال كمية الإنتاج منه محدودة جداً، نظراً الى تأخر تنفيذ المشاريع فيه. ونجحت ايران في بناء قطاعين بتروليين مهمين، وهما شبكة واسعة وضخمة لتوزيع الغاز داخلياً لإعادة حقنه في الحقول النفطية القديمة لزيادة الضغط فيها وللاستهلاك المنزلي كما في المصانع ومحطات الكهرباء. ونفذت هذه الشبكة الممتدة عبر البلاد الشركات المحلية بتمويل ايراني. كما لم يتأثر هذا القطاع كثيراً بالعقوبات الخارجية ولن يتأثر بها في المستقبل. أما القطاع الثاني الناجح فهو صناعة البتروكيماويات التي بُنيت بالتعاون الفني والمالي مع شركات أوروبية وآسيوية. ويمكن ان تتعرقل أعمالها في حال صعدت الولاياتالمتحدة ضغوطها على ايران مستقبلاً.