أعلن العراق فجأة، ومن دون شرح أي أسباب، التأجيل حتى إشعار آخر لاستعمال «عوامة إرساء أحادية» جديدة تستعمل لتصدير النفط الخام من الجنوب. وكان أعلن في منتصف كانون الثاني (يناير) المنصرم بدء تشغيل العوامة، إلا ان موعد الافتتاح أجّل حتى نهاية الشهر، وموعد التشغيل الفعلي حتى أوائل شباط (فبراير)، بدعوى اختبار صلاحية خطوط الأنابيب البرية والبحرية والعوامة وسلامتها. لكن بعد التأكد من صلاحية المنشآت، حدّد موعد الافتتاح في 27 كانون الثاني ودعت وزارة النفط وسائل الإعلام إلى تغطية الحدث. إما موعد التحميل الفعلي فحدّد أول من أمس. ودعت «مؤسسة تسويق النفط العراقية» (سومو) شركات النفط العالمية إلى إرسال ناقلاتها لتحميل النفط. لكن فجأة ألغيت دعوة وسائل الإعلام من دون تحديد موعد جديد، وأبلغت شركات النفط بإلغاء التحميل حتى إشعار آخر، ما اضطر الشركات إلى سحب ناقلاتها الراسية في المياه الإقليمية العراقية وإلغاء عقودها مع المستهلكين. يعتبر تشييد مرسى للعوامات أهم مشروع للبنية التحتية في العراق خلال العقود الثلاث الماضية، والهدف من العوامة التي تبلغ طاقتها التصديرية نحو 900 ألف برميل يومياً، هو استيعاب الزيادات المتوقعة في تصدير النفط مستقبلاً. وتنص الخطة الموضوعة على تشييد خمس عوامات، كل منها بطاقة 900 ألف برميل يومياً. وكان الهدف من الانتهاء من تشييد العوامة الأولى في هذا الوقت المبكر في الخطة المعتمدة استيعاب الزيادة التصديرية التدريجية الحالية للنفط الخام (نحو 300 ألف برميل يومياً) من الحقول الجنوبية (الرميلة وغرب القرنة والأحدب). لكن التصدير من هذا المشروع الحيوي الذي بلغت تكاليفه الإجمالية نحو 1.3 بليون دولار لم يبدأ. وتشير معلومات لمسؤولين نفطيين عراقيين إلى ان السبب وراء إغلاق العوامة فجأة ومن دون مقدمات أو أسباب، ومن دون تحديد موعد محدد جديد للافتتاح والتشغيل، على رغم الانتهاء من المرحلة الأولى، يعود إلى ضغوط إيرانية على بغداد لعدم زيادة الصادرات النفطية في هذه المرحلة من الصراع الإيراني - الغربي. ويذكر ان كمية الزيادة في الصادرات العراقية الحالية (نحو 300 ألف برميل يومياً) غير بعيدة حداً عن واردات أوروبا من النفط الإيراني (نحو 450 ألف برميل يومياً من النفط الخام). ويذكر ان الإغلاق المفاجئ للعوامة ترافق مع زيارة وزير النفط العراقي عبدالكريم اللعيبي إلى طهران. وكان الهدف من الزيارة، وفق تقارير لوسائل الإعلام العراقية قبيل الزيارة، تحقيق هدفين: أولهما البحث في الانعكاسات السلبية لإغلاق مضيق هرمز على صادرات النفط العراقي (نحو 90 في المائة من الصادرات العراقية تمر عبر المضيق إلى الأسواق العالمية)، وثانيهما ان يناقش الوزير، بصفته الرئيس الدوري لمنظمة «أوبك»، مع مسؤولين إيرانيين انعكاسات إغلاق المضيق على أسواق النفط العالمية. لكن وسائل الإعلام الإيرانية اكتفت بتناول مهمة الزيارة عند انتهائها، مشيرة فقط إلى ان وزير النفط العراقي قام بجولة استطلاعية للمصافي الإيرانية وتداول مع المسؤولين في طهران في استيراد منتجات بترولية إيرانية إلى السوق العراقية. ما هي أهمية مشروع «عوامة الإرساء الأحادية»؟ يساهم المشروع ب «عواماته» الخمس في تمكين العراق من تصدير خمسة ملايين برميل إضافية من النفط من الخليج العربي عند اكتمال خطته التطويرية بحلول عام 2017. ويؤهل المشروع العراق لتصدير إمدادات إضافية ستتوافر له أثناء تطوير حقوله. وكان العراق صدر عام 2011 نحو 1.71 مليون برميل يومياً من النفط الخام من موانئه النفطية الجنوبية. لكن العراق لم يتمكن من تصدير نحو 250 ألف برميل يومياً من الجنوب لعدم توافر منشآت التصدير التي يمكن ان تستوعب هذه الإمدادات الإضافية. ويخطط العراق لزيادة الإنتاج إلى نحو 3.4 مليون برميل يومياً عام 2012، والصادرات إلى نحو 2.6 مليون برميل يومياً. ويعني هذا ان العراق في حاجة ماسة إلى زيادة طاقته التصديرية من تشييد العوامات ومراسي التصدير والخزانات كي يتمكن من تصدير هذه الإمدادات الإضافية، وإلا سيضطر، كما كان الوضع عام 2011 إلى تقليص صادراته على رغم زيادة إنتاجه، ومن ثم خسارة مئات البلايين من الدولارات. لماذا الضغط الإيراني على العراق لعدم زيادة صادراته النفطية؟ يعتقد مسؤولون نفطيون عراقيون وشركات دولية تتعامل مع النفط العراقي منذ سنوات، ان الهدف هو عدم تأمين نفط إضافي لأوروبا عند بدء تطبيق عقوباتها على الصادرات النفطية الإيرانية. ومورست هذه الضغوط على الحكومة العراقية على رغم المعرفة التامة من قبل إيران بوجود طاقة إنتاجية إضافية كافية في دول الخليج تعوض عن النقص المحتمل للنفط الإيراني. لكن السؤال الآخر الذي يطرح نفسه هنا هو: هل ستمارس إيران الضغوط ذاتها على العراق مستقبلاً عندما يرتفع مستوى إنتاجه إلى أكثر من أربعة بلايين برميل يومياً، بينما يستمر مستوى الإنتاج الإيراني عند نحو 3.8 مليون برميل يومياً، بمعنى ان حصة العراق في «أوبك» ستزيد عن حصة إيران عند عودته المنتظرة في السنوات القليلة المقبلة إلى نظام الحصص للمنظمة؟ والسؤال الأهم في كل هذا هو: ما هي الوسائل التي ستستعملها طهران لوقف الزيادة في تصدير النفط العراقي، خصوصاً من جنوب البلاد؟ وهل ستكتفي بالضغوط والإنذارات السياسية، أم هل ستلجأ إلى تخريب المنشآت عن طريق إحدى المليشيات التي تدعمها وتمولها؟ وما هو رد فعل الحكومة العراقية تجاه هذه السياسة لدولة مجاورة تحاول ان تعرقل خططها النفطية؟ * مستشار لدى نشرة «ميس» النفطية