على رغم انتشار الأغاني ذات الإيقاع السريع وانجرار الكثير من الشباب وراء "الموجة الجديدة"، لا تزال معظم النوادي الليلية والسهرات ومناسبات الإعراس في سورية تحرص على تقديم القدود والموشحات والغناء الفولكلوري إلى الجمهور في محاولة منها للحفاظ على هذا التراث الذي يعتبره كثيرون"الركيزة الأساسية للأصالة والإبداع". وربما تكون سورية البلد العربي الوحيد الذي استطاع الحفاظ على القدود والموشحات التي نشأت في نهاية القرن الثامن عشر ك"ضرورة ثقافية وفنية". وتكاد لا تخلو سهرة اجتماعية أو حفلة موسيقية يقيمها السوريون من ترديد القدود الحلبية. و"القدود"منظومات غنائية أنشئت على أهازيج وألحان دينية أو شعبية. ويعد"القد"موشحاً من الدرجة الثانية وأخف وزناً وأسرع إيقاعاً من الموشح المتكامل وهذه الأنواع التراثية والفولكلورية امتزجت في الفترة الحالية. وأصبح من الصعب فرزها، بحسب المتخصّصين، عن بعضها بعضاً بالنسبة الى المستمعين. ويشير الباحثون الموسيقيون إلى وجود أخطاء فنية موسيقية شائعة تحت اسم"القدود الحلبية"، حيث يُغنى العديد من الموشحات الأندلسية والمصرية والشامية، وكذلك بعض الأدوار والطقاطيق المصرية والأغاني الشعبية المتداولة، تحت اسم القدود الحلبية. ويعتقد هؤلاء ان"القد"ليس قالباً موسيقياً بحد ذاته، لكنه يأخذ شكل القالب الأساسي الذي نشأ منه، سواء كان موشحاً أو طقطوقة أو أغنية، لذلك اشتهرت القدود"بأسماء مؤلفيها وليس بأسماء ملحنيها المجهولين في الغالب". وقال الباحث في التراث الموسيقي محمد قدري دلال ل"الحياة":"إذا اعتبرنا القدّ قالباً غنائياً فهناك الكثير من الألحان الموجودة حالياً تنطبق عليها تلك الصفات أي جملة لحنية واحدة تتكرر بين المذهب والأغصان، لكن من الناحية التاريخية القدّ هو لحن يُغنى بنصين مختلفي المعاني، احدهما ديني والآخر شعبي، والشعبي يتضمن معاني كثيرة منها الغزل والوصف". و"القدّ"ربما يصاغ على لحن"ألي"مثل أغنية فيروز"يا أنا يا أنا يا أنا وياك"المصاغة على اللحن السمفوني رقم 40 لموزار، وأيضاً لحن"يا أجمل الأنبياء"كما يرى قدري، مشيراً إلى أن القدّ هو نص أدبي صيغ على"قد"نص آخر مخالف له في المعنى"ديني - غزلي". ويعتقد أن"القد"قالب لحني تراثي"فولكلوري"لا يجوز تطويره كونه يخرج عن المعنى الاصطلاحي إلى قالب آخر"وكل من طوَّر في القدّ مثل الأغاني التي دخلت القدود كأغنية"يا مال الشام يا لله يا مالي"و"يا"طيرة طيري يا حمامة"حيث وضع للأول لحن غناه صباح فخري والثاني وضع له لحن غنته شادية فانتقل القد إلى قالب آخر هو الطقطوقة". ومن أبرز ملحني القدود عمر البطش والشيخ علي الدرويش وبكري الكردي، أما أشهر مغنّي القدود فهم صباح فخري وأديب الدايخ ومحمد بكري وصبري مدلل، وعادة ما يترافق غناء القدود مع المواويل بأنواعها كالسبعاوي وغيره. وقال الباحث الموسيقي عبد الفتاح قلعجي ل"الحياة":"هناك مجموعة من القدود تغنى على مقام معيّن كالبيّات أو الحِجاز أو غير ذلك وتسمى وصلة قدود من البيّات وهذه القدود غالباً لا يعرف ناظمها ولا ملحنها وإنما هي ارث متوارث عرفت به مدرسة حلب الغنائية"مثل أغاني"عموري"و"يا حنينة"و"برهو"و"ربيتك زغيرون"و"يا ميمتي". ومنها ما هو معروف مثل"يا طيرة طيري يا حمامة"لأبي خليل القباني و"سيبوني يا ناس"لسيد درويش و"الفل والياسمين"و"نويت أسيبك". ويعتقد القلعجي أن هذه القدود مأخوذة في الأصل عن أغنيات شعبية قديمة تم الحفاظ فيها على اللحن مع تغيّر النص مثل الأغنية الشعبية"الوي الوي"التي نظم على"قدّ"لحنها"نديمي حي في ذاك الحي"الذي يؤدى في حلقات الأذكار. ويرى ان مدينة حلب استطاعت وحدها ان تحافظ على ارث الموشحات أولاً وعلى ارث القدود ثانياً، وهذه القدود"لا يقبل الملحنون تطويرها أو اللعب بألحانها لأنها موروثات غنائية قديمة". وكان الفنان صباح فخري سجل برنامجاً تلفزيونياً بعنوان"نغم الأمس"اعتبره العديد من النقاد من أهم البرامج العملية التي حفظت قسماً كبيراً من الموشحات والقدود والأدوار. وقال رئيس"فرقة الأنغام العربية"عدنان أبو الشامات:"بتوارث اللحن من جيل إلى جيل يحصل بعض التغير على اللحن الأصلي، لذلك قمنا في إذاعة حلب بإجراء بعض التصليحات على الإيقاع اللحني لبعض القدود مثل"الاراسيا"و"يا سمك يا بني"و"زارني المحبوب"وغيرها"، لافتاً إلى أن القدود الحلبية لا تزال تغنى ولها مكانة لدى الفرق الموسيقية، و"عندما تذهب أي فرقة إلى خارج سورية لأداء حفلة موسيقية فإن ذخيرتها ستكون القدود الحلبية".