كشفت مصادر بارزة في المعارضة اللبنانية ان رئيس الجمهورية اميل لحود لن يتردد لحظة في تشكيل حكومة ثانية، وانه اتخذ قراره في هذا الشأن وباشر مشاوراته مع حلفائه الذين انقسموا بين موقفين، الأول أكد دعمه هذا التوجه من دون تردد بينما رأى الثاني ان لا مصلحة في التسرع والقرار مرتبط بالموقف النهائي الذي سيتخذه رئيس المجلس النيابي نبيه بري. ولفتت المصادر الى عدم وجود أي شكل من أشكال التواصل بين لحود وبري الذي لا يزال يفضل التريث وعدم الإسراع في حرق المراحل لاعتقاده بأن الأبواب لم توصد كلياً في وجه إمكان التوصل الى تسوية في اللحظة الأخيرة، ولأنه لم يقطع الأمل بعودة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى الى لبنان بعد انتهائه من دورة المشاورات العربية والدولية التي سيجريها في خصوص الوضع المعقد. وأشارت المصادر المعارضة الى ان قوى حليفة لسورية تتناغم مع لحود في جنوحه نحو حكومة ثانية، وقالت ان هذه القوى ليس لديها ما تخسره في السياسة ولا ترى لها مكاناً في الوقت الحاضر في أي تسوية، خلافاً لقوى أخرى مثل بري والنائب ميشال المر وحزب الطاشناق والكتلة الشعبية برئاسة النائب ايلي سكاف. وبالنسبة الى موقف"حزب الله"و"التيار الوطني الحر"بقيادة العماد ميشال عون قالت المصادر نفسها ان بري لن يختلف مع الحزب وأن الأخير ينسق يومياً مع حليفه"الجنرال"وبالتالي لا مبرر للحود لإقحام البلد في مشكلة كبيرة، على الأقل في المدى المنظور نظراً الى ان التحركات الخارجية المتصلة بلبنان لم تتوقف. وأكدت ان علاقة بري بقيادة"حزب الله"لن تتعرض الى أي انتكاسة وان تشاورهما الدائم كفيل بالتوافق على موقف موحد من الاستحقاقات السياسية الداهمة في لبنان. وتابعت المصادر ان بري يتمسك بتشكيل حكومة جديدة، او بتوسيع الحالية انطلاقاً من تقديره بأن التوافق حولها يشكل المعبر الوحيد للتفاهم على ملف انتخابات رئاسة الجمهورية وبالتالي يرى ان من المستحيل على الأكثرية ان تأتي برئيس جديد من دون الاتفاق على اسمه مع المعارضة التي لن تكون في مطلق الأحوال مجرد"مظلة"لتأمين النصاب الدستوري المطلوب لانتخاب الرئيس العتيد. ونقلت المصادر ذاتها عن بري قوله أمام زواره:"إن انتخابات الرئاسة في حاجة ماسة الى توافق ولا مانع عندي من أن نتفق، لكن ما يهمني هو الانطلاق من مبدأ التوافق ليكون في مقدورنا اجتياز هذا الاختبار السياسي الكبير بنجاح من دون التسبب بالمزيد من التداعيات الأمنية والسياسية، أما إذا كانوا يريدون من الحكومة ان تؤمن لهم النصاب لجلسة انتخاب الرئيس فهذا أمر مستحيل". وحذر بري، بحسب المصادر، من ان تنتخب الأكثرية الرئيس، بمعزل عن المعارضة، وقال هذا"يعني انهم يأخذون البلد وبملء إرادتهم الى خيارات صعبة"لا نريدها ولا نتمناها". كما اعتبر ان من السابق لأوانه الدخول في لعبة تشكيل حكومة ثانية، ولو من باب التهويل، مشيراً الى ان خياراً كهذا ليس من خياراته ويؤدي الى تجاوز كل الخطوط الحمر ويسقط البلد في المحظور ويدفع الناس للنزول الى الشارع، وهذه المرة خلف المتاريس، سواء كانت سياسية أم أمنية. وأكد بري انه ليس معنياً بكل ما يفكر فيه حالياً لحود، وقال:"دعوت الجميع الى الانتظار حتى آخر لحظة لنرى ماذا سيحصل، خصوصاً ان الباب أمام التوافق لا يزال مفتوحاً ولم يقفل لمصلحة الخيارات الصعبة"، وأضاف:"ان إصرار الأكثرية على المجيء برئيس يمثلها يعني أنها تفسح المجال أمام خيارات للدخول في مواجهة وبذلك نكون حملنا المعول لهدم بلدنا بدلاً من ان نوجد المخارج التي تحول دون ذلك". ورأى بري كما يقول زواره ان تشكيل حكومة ثانية يشكل خرقاً للدستور وبالتالي"سنرتكب الخطأ نفسه الذي ترتكبه الآن الأكثرية عندما وافقت على الإبقاء على طائفة أساسية في البلد خارج السلطة خلافاً لما نصت عليه مقدمة الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، لكن إمعان الفريق الآخر في خرق الدستور في انتخابات الرئاسة سيرتب على الآخرين المعاملة بالمثل وان كنت من الذين لا يحبذون الانجرار الى الفوضى او إقحام البلد في المجهول". وأكد أنه عندما حدد 25 أيلول سبتمبر المقبل موعداً لجلسة انتخاب الرئيس أراد ان يستنفر الضغوط بغية التوافق على رئيس الجمهورية كأساس لقطع طريق الرهان على الفراغ. مشيراً الى ان الأولوية يجب ان تعطى للاستحقاق الرئاسي لأن لا حل لمشكلة الحكومة من دون الرئاسة الأولى. على صعيد الأكثرية قالت مصادر بارزة فيها ان لحود يهول بتشكيل حكومة ثانية في إطار الاستمرار في مناورته التي تخفي حقيقة ما يريد والذي سيظهر لاحقاً الى العلن. وأكدت هذه المصادر ل"الحياة"ان لحود ضد تشكيل حكومة وحدة وطنية ويريدها بطاقة عبور الى ما يخطط له، أي الاستمرار في سدة الرئاسة الأولى بذريعة البقاء لمنع حصول فراغ فيها. وأضافت ان لحود يظهر في العلن حماسته لحكومة وحدة وطنية، وهو يريدها لفترة زمنية موقتة يسارع بعدها الى إطاحتها بدعم سوري مباشر من خلال الضغط على المعارضة للانسحاب منها. وقالت المصادر في الأكثرية ان الحكومة عندما تكون مستقيلة لا تستطيع تصريف الأعمال في حال فراغ سدة الرئاسة. وهذا ما يراهن عليه رئيس الجمهورية الذي يطمح من خلال تشكيل حكومة جديدة الى التخلص من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، ليكون في وسع الحكومة البديلة الاستقالة في الوقت المناسب وعندها لن تكون هناك حكومة تصريف أعمال وإنما وزراء مستقيلون يتولون تصريف أعمال وزاراتهم. وأكدت المصادر ان لحود يعرف قبل سواه ان الحكومة الثانية لن تلغي الحكومة الحالية المعترف بها دولياً وعربياً وبالتالي فإن لا حل أمامه سوى بالقضاء عليها بحكومة جديدة، يفترض بحساباته، ألا تعمر طويلاً ليبقى متربعاً على كرسي الرئاسة.