قبل أن يوجه رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة رسالته الى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون طالباً اصدار قرار ملزم بانشاء المحكمة ذات الطابع الدولي كان معظم سفراء الدول الكبرى المعتمدين لدى لبنان رصدوا ردود فعل المعارضة المحتملة على الخطوة وما اذا كانت ستضع البلد برمته أمام خيارات يصعب العودة عنها، لا سيما مع اقتراب موعد استحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وما يشغل بال سفراء الدول الكبرى، المخاوف الحقيقية من اقحام الورقة الفلسطينية في صلب الصراع اللبناني - اللبناني انطلاقاً من تصاعد التوتر بين عدد من الفصائل الفلسطينية خصوصاً التي انشئت أخيراً وباتت تتمتع بحضور فاعل في بعض المخيمات وعلى رأسها تنظيم"فتح الاسلام"الذي بدأ ينشط في نهر البارد وعين الحلوة. وعلمت"الحياة"أن معظم السفراء طرحوا أسئلة تتعلق بخلفيات استحداث التنظيم المذكور الذي يتواجد بكثافة في مخيم نهر البارد، إضافة الى شق طريقه الى العلن في مخيم عين الحلوة تحت اسم"جند الشام". وتوقف السفراء أنفسهم ملياً أمام تكبير الحجم السياسي والعسكري ل"فتح الاسلام"و"جند الشام"باعتبارهما ينشطان تحت عناوين سياسية واحدة، وطرحوا أسئلة عن حقيقة ما يشاع عن أن هناك خلايا نائمة داخل المخيمات تتبع لمجموعات أصولية متشددة، وأن جهات اقليمية تتولى حالياً مهمة تحريكها في اتجاهات معينة تمهيداً لاستخدامها في الوقت المناسب ضد القوات الدولية في الجنوب"يونيفيل"بذريعة انها تمارس سياسة الوصاية الدولية على أرض اسلامية. كما أن بعض السفراء الذين لم يخفوا مخاوفهم من تحريك الورقة الفلسطينية في اتجاه تسخين الوضعين السياسي والأمني في لبنان، سارعوا أخيراً الى مصارحة كبار المسؤولين اللبنانيين بهواجسهم متمنين عليهم السهر والتيقظ لما تخطط له المجموعات الأصولية في المخيمات، خصوصاً أنهم يربطون بين استنهاض هذه المجموعات وبين التطورات الداخلية التي يشهدها حالياً لبنان على خلفية ردود فعل بعض قوى المعارضة على اقرار المحكمة تحت الفصل السابع. ولا يستبعد السفراء أنفسهم وجود تناغم بين التحرك المفاجئ ل"فتح الاسلام"و"اخواتها"في المخيمات وبين اعداد بعض المعارضة هجوماً سياسياً ضد انشاء المحكمة، مشيرين الى أن هناك من يدفع لبنان نحو فراغ في سدة الرئاسة الأولى في حال لم يأت الرئيس"التوافقي"مطابقاً للمواصفات السياسية التي تحددها المعارضة التي سيتعامل رموزها البارزون مع اقرار المحكمة بتحميل مجلس الأمن مسؤولية نشر الفوضى في لبنان وهو ما يلتقي مع ما تناقلته وسائل الإعلام عن مصادر مقربة من رئيس الجمهورية اميل لحود من تحذيرات مماثلة تعتبر ان رسالة السنيورة ستؤدي الى استعجال المواجهة الداخلية وتشكل تجاوزاً لمحاولات التهدئة. وينتظر هؤلاء السفراء رد فعل رئيس المجلس النيابي نبيه بري على رسالة السنيورة، لمعرفة ما اذا كان يحتفظ لنفسه بمسافة عن حلفائه في المعارضة ليتمكن من التحرك لتمرير الاستحقاق الرئاسي بهدوء لأن من دونه سيدخل لبنان في نفق مظلم لن يكون في مقدور أحد التكهن بنهايته في ضوء ما تردد أخيراً من أن تشكيل حكومة ثانية من الخيارات المطروحة أمام لحود في حال انتهت ولايته ولم يتمكن البرلمان من انتخاب رئيس جديد إذ يرفض أن يسلم السلطة الى حكومة السنيورة التي يعتبرها فاقدة الشرعية وغير دستورية. وقالت مصادر نيابية ل"الحياة"إنها فوجئت بتلويح لحود بتشكيل حكومة جديدة كخيار محتمل، مؤكدة أنه يتعارض مع الأجواء الايجابية التي سادت اجتماعه مع البطريرك الماروني نصرالله صفير الأسبوع الماضي. ولفتت الى أن لحود لم يتطرق مع صفير الى خيار الحكومة الثانية وقالت إن ذلك شجع الأخير على ابداء ارتياحه الى الأجواء الايجابية التي سيطرت على اللقاء، مؤكدة أن رئيس الجمهورية شدد على ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة انتقالية بذريعة أنه يرفض بقاء هذه الحكومة في حال انتهت ولايته ولم يتمكن البرلمان من انتخاب الرئيس الجديد. وأوضحت المصادر أن رد لحود الذي تجنب فيه الاشارة الى نيته تشكيل حكومة جديدة جاء جواباً على تحذير صفير من اللجوء الى مغامرة تشكيل حكومة ثانية لأن مثل هذه الخطوة تدفع لبنان الى الهاوية وأن لا مصلحة لأحد في الوصول الى طريق مسدود. وأكدت أن صفير حذر من تشكيل حكومة ثانية مشدداً على عدم اتاحة حصول فراغ في السلطة ما يعني ضرورة الحفاظ على الاستحقاق الرئاسي وانجازه في موعده الدستوري الى جانب تشديده على تأمين أوسع مشاركة نيابية في انتخاب رئيس الجمهورية ومعتبراً أن لا مكان لمقاطعة جلسة الانتخاب مهما كانت الأسباب لا سيما إذا كان لدى الجميع رغبة في التوافق على الرئيس. واعتبرت المصادر نفسها أن صفير حمل الى لحود رسالة واضحة في هذا الشأن بالنيابة عن الفاتيكان، مضيفاً أنه لن يكون هناك غطاء مسيحي لقيام حكومة ثانية. وقالت إن بري الذي يتواصل باستمرار مع صفير، يحرص على اطلاق التحذير تلو الآخر من جر البلد الى خيارات لا يريدها أحد، بما فيها خيار الحكومة الثانية التي يعتبرها غير دستورية أسوة بالحكومة الحالية. لكن بري - بحسب هذه المصادر - وإن كان لا يشجع خلافاً لمعظم حلفائه على تشكيل حكومة ثانية، فانه يأخذ على الأكثرية عدم تجاوبها مع المحاولات التي قام بها لإخراج لبنان من المأزق وبالتالي لا حل إلا بتقديم الجميع تنازلات لاجتياز الاستحقاق الرئاسي والتوصل الى تسوية. إلا أن بري الذي يراهن على أن تعاونه مع صفير يمكن ان يحدث صدمة ايجابية يخترق بواسطتها التأزم سيكون محرجاً اذا ما ضغطت عليه المعارضة لتوفير غطاء للحكومة الثانية بذريعة أن هناك ضرورة للمساواة بين الأكثرية وخصومها في اختراق الدستور وتجاوزه. وعزت المصادر السبب الى أنه لن يكون في وسع لحود اصدار مرسوم يعتبر فيه الحكومة مستقيلة لمصلحة حكومة ثانية، لأن هذه الخطوة تفتقد غطاء الكنيسة المارونية من جهة والى عدم اعتراف المجتمع الدولي بها اضافة الى موقف الدول العربية التي تعترف بحكومة السنيورة. وأضافت المصادر أن توفير المعارضة الغطاء لقرار لحود تأليف حكومة جديدة بعد أن يسبقه باصدار قرار بحل البرلمان لن يحل المشكلة وإنما سيضع البلد في مواجهة حادة قد تدفع الأكثرية الى سحب ثقتها من رئيس المجلس في حال بارك ما سيقدم عليه رئيس الجمهورية. وعليه فإن المشهد السياسي من الآن وصاعداً سيكون خاضعاً لتأثير شد الحبال وتبادل عرض القوة بين الأكثرية والمعارضة مع ما يستتبعه من محاذير جدية من جر البلد الى الفوضى جراء تشكيل حكومة ثانية نظراً الى مضاعفات سياسية وأمنية قد تطيح بالرهان على أن الانقاذ سيأتي من طريق التوافق على رئيس الجمهورية.