بورخيس كتب في 1979 أنه قرأ كافكا للمرة الأولى سنة 1917. هذا غريب. بورخيس سجل اعترافه في مقدمة قصيرة لمجموعة قصص اختارها من أدب كافكا ونُشرت في بوينس أيرس. كان يبلغ الثمانين عندئذٍ. مع هذا لم ينسَ المرة الأولى التي قرأ فيها كافكا: في تلك السنة - 1917 - كان بورخيس 1899 - 1986 يبلغ سن الرشد 18 سنة. وفي تلك السنة - 1917 - أُصيب كافكا 1883 - 1924 بالسلّ الذي قضى عليه. الصدفة غريبة لأكثر من سبب. في 1917 كان كافكا كاتباً مجهولاً أو شبه مجهول. لم ينتشر أدب كافكا في العالم إلا بعد موته. بورخيس كتب أنه عندما قرأ كافكا للمرة الأولى في 1917 لم ينتبه الى أنه أمام اكتشاف أدبي. قرأه في مجلة ومرّ عليه. لاحقاً - بين حربين عالميتين - سيعود اليه. ويترجم قسماً من أعماله الى الاسبانية. لا يخبرنا بورخيس في سيرته الذاتية القصيرة - كتبها في 1970 بالانكليزية مع مترجمه توماس دي جيوفاني - شيئاً عن أثر كافكا في أدبه، لكنه عندما يذكر قصة"مكتبة بابل"التي كتبها أثناء الحرب العالمية الثانية يقول ان"عنوانها كافكاوي". القارئ يلحظ تقارباً في الأسلوب بين قصة بورخيس المذكورة وقصة كافكا"سور الصين العظيم". هذه الأخيرة يخصها بورخيس بالذكر في مقدمة قصص كافكا المنشورة بالاسبانية سنة 1979. يذكر بورخيس"سور الصين العظيم"ويذكر"رسالة امبراطورية"في مقطع واحد. هل نسي بورخيس بمرور الأعوام أن"رسالة امبراطورية"تشكل أيضاً مقطعاً قصيراً من"سور الصين العظيم"؟ لعله نسي. ولعله يداعب قراءه. عندما يذكر"سور الصين العظيم"يقول ان كافكا كتبها سنة 1919. هذا أيضاً غريب. كافكا كتب القصة المذكورة سنة 1917، قبل نهاية الحرب العالمية الأولى. قارئ يوميات كافكا ورسائله لا يستطيع إلا أن يربط 1917 بحدثين: أ - السلّ الذي أصاب رئتي كافكا. ب -"سور الصين العظيم". كافكا كتب هذه القصة في ربيع 1917، عاش بعدها سبعة أعوام. القصة لن تنشر في كتاب إلا بعد رحيله. لكن هل ننتبه الى الصدفة الغريبة؟ بورخيس المقيم في أوروبا أثناء الحرب العالمية الأولى قرأ كافكا للمرة الأولى بينما كافكا شبه المجهول يُصاب بالسلّ مفكراً في"سور الصين". ان سنة 1917 ترتبط منذ الآن بحدثٍ ثالث: بورخيس يكتشف - أو يوشك أن يكتشف - كافكا. أولاً السلّ. ثانياً"سور الصين". ثالثاً بورخيس. أولاً يضرب السلّ رئة كافكا. ثانياً يكتب كافكا"سور الصين العظيم". ثالثاً يرتبط بورخيس بكافكا. "يرتبط"؟ الأدب مرض أيضاً. بينما جرثومة السلّ تأكل رئة كافكا يقرأ بورخيس شيئاً كتبه الرجل المسلول صاحب الوجه الطفولي ويُصاب بالعدوى. لا يُصاب بالسلّ. سيعيش حياة طويلة. كافكا مات عن 41 عاماً. بورخيس مات عن 87 عاماً. هل أكمل بورخيس عمل كافكا؟ اذا قرأت"سور الصين العظيم"1917 ثم قرأت"مكتبة بابل"1941 يُخيل اليك أن كاتباً واحداً كتب القصتين. هل أكمل بورخيس عمل كافكا؟