قطعت الحكومة الاردنية الشك باليقين عندما جددت قبل أيام العزم على اجراء الانتخابات البلدية في 31 تموز يوليو والنيابية في موعدها الدستوري قبل تشرين الثاني نوفمبر المقبل. في هذه الأثناء خلطت التداعيات الناجمة عن الاقتتال الفلسطيني الأخير الأوراق، واجهضت آخر فرصة لقيام دولة فلسطينية مستقلة: الهدف الاستراتيجي الذي يتصدر أولويات الأردن الوطنية في مواجهة خطط اسرائيلية مدعومة أميركياً لترحيل الملف الفلسطيني إلى المملكة عبر فرض خيار الكونفيديرالية على شرق نهر الاردن وغربه. ويرى مسؤولون اردنيون أن هشاشة الجبهة الداخلية في كل من العراق وفلسطين - وإلى حد ما لبنان - قاد إلى الانهيارات في منظومة المجتمع والأمن في تلك المناطق. وقال مسؤول اردني ل"الحياة"ان الوحدة الوطنية أصبحت خط الدفاع الاول لمواجهة القادم في زمن انهيار الشرعية الدولية وهيمنة أميركا وتشظي العرب بين حظائر ايران، واسرائيل والارهاب". وأمام الصمت الأميركي والريبة من النيات الإسرائيلية تتقلص خيارات الأردن يوماً بعد يوم في مواجهة الانهيارات بعد أن استولت"حماس"على غزة. وهي تنحصر الآن في دعم محمود عباس والسلطة الوطنية لمنع الانهيار التام، وتعبئة دولية من أجل الضغط على إسرائيل لإحياء عملية السلام باتجاه قيام دولة فلسطينية في الضفة والقطاع. واشار المسؤول الى أن على الإدارة الأميركية وإسرائيل منح الفلسطينيين حقوقهم على الأرض الفلسطينية وليس في الأردن. يحذر مسؤولون اردنيون من أن المملكة قد تذهب الى الحرب لوقف مخططات إلحاق الضفة الغربيةبالأردن. وفي استراتيجية الطوارئ المتداولة أيضاً إغلاق المعابر إذا تداعت الأوضاع في الضفة الغربية أو تعاظم الضغط لترحيل الفلسطينيين بصمت. هذا السيناريو يشبه استراتيجية مواجهة تشظي العراق في شرق المملكة. فإغلاق الحدود شرقاً وغرباً - مع ما يحمل ذلك من معاناة انسانية وانعكاسات اقتصادية وسياسية داخلية وخارجية - يبقى خياراً مشروعاً في وجه الحرائق التي تتسع شرق المملكة وغربها. مجرد القبول بمبدأ الكونفيديرالية يعني بالنسبة الى الحكم الهاشمي الارتباط مع شعب من دون أرض ما يعتبره المسؤولون هنا"الانتحار السياسي بعينه". هذه المعادلة قد تفرز مجلسي أمة على طرفي النهر بغالبية فلسطينية فيما تنشأ دولة فلسطينية عرجاء في غزة المكدسة باللاجئين بعد أن ينهار الحلم التاريخي. من هنا جدد رئيس الوزراء الاردني معروف البخيت التأكيد أن الكونفيديرالية ليست"على الطاولة الآن. وليست في قاموس السياسة الأردنية". تحصين الجبهة الداخلية يتطلب جهداً رسمياً خارقاً لمكافحة الفقر والبطالة. كما يتطلب وعياً رسمياً وشعبياً لحجم المخاطر المتوقعة الآن ومستقبلاً. وتنتظر الحكومة من الأردنيين التركيز على الشأن الداخلي، وتعزيز الانتماء والمواطنة والاهتمام ب"الأردن أولاً". وفي موازاة ذلك يفترض ان يتحرك الأردنيون بكل مكوناتهم لانتزاع حقوق الشعب الفلسطيني غرب النهر. لكن فرص إحياء مسارات السلام تتضاءل، وتلحظ الدول المتحالفة مع واشنطن تلكوءاً أميركياً لامس حد عرقلة المبادرات العربية عشية قمة الرياض وبعدها. فواشنطن حتى الآن ترفض ممارسة أي ضغوط على تل أبيب في حين تتركز جهودها على الخروج من ورطة العراق. وبالتزامن مع ذلك ينهمك المسؤولون الأميركيون في محاولة ليّ ذراع الدول المجاورة للعراق من أجل دعم حكومة نوري المالكي التي أثبتت فشلها وأجندتها الطائفية بحسب رأيهم. لا تدرك واشنطن، على الأرجح، أن حكومة المالكي أو التي ستعقبها ستبقى تدفع بالعراق إلى التقسيم ما لم تسرع المصالحة الوطنية وتبني الجسور مع سائر ألطوائف في العراق. وإذ كانت نهايات المسار الفلسطيني تتعارض مع تعهدات الرئيس الاميركي جورج بوش حين تحدث بعاطفة عقب غزو بغداد عن رؤيته المرتكزة إلى مبدأ إقامة دولتين، فإن مسؤولين اردنيين يتساءلون: أين هي مصداقية القوة العظمى؟ لقد اشترت"حماس"الكثير من الوقت، واستثمرته بينما ربطت أيدي السلطة الفلسطينية بوعود أميركية لم تنفذ واستراتيجية إسرائيلية نجحت في تقويض الكيان الفلسطيني الوليد لأن أحداً من قادتها لن يستطيع التنازل عن يهودا والسامرة او ان يسمح بقيام دولة فلسطينية مجاورة. وخسرت دول"الاعتدال"العربي من جانبها نقاطاً كثيرة من خلال تغيير الأوضاع في القطاع. ومرة اخرى حصد ما يعرف بتحالف سورية وإيران و"حماس"وحزب الله نصراً وان كان موقتاً. إيران تسعى إلى جمع نقاط في المواجهة مع واشنطن حول الملف النووي والسيطرة على بغداد. سورية، التي تخشى سيف المحكمة الدولية، ترتدي قناعين. فمن جهة تغازل إسرائيل لإحياء المفاوضات حول الجولان ? لا سيما بعد تقاسم الإدوار مع إيران ومن جهة أخرى تحرك الجبهات في المسرح اللبناني وعلى الساحة الفلسطينية. أما إسرائيل فستحاول الآن إحداث معادلة حسّاسة بين إبقاء"حماس"معزولة وضعيفة تعيش في غرفة عناية فائقة داخل قمقم غزة، وبين سلطة وطنية"فتحاوية"في الضفة الغربية تظل ضعيفة ومعلقة بين فقدان الصدقية والقدرة على جلب مكاسب وطنية مقنعة. سيكون في مقدور ايهود أولمرت الآن أن يشتكي من وجود كيان"إرهابي"في حديقته الخلفية. وبالتالي ستطلق أميركا يده - إن لم تشجعه - على ضرب وإجهاض الحلم الفلسطيني. وسيبقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس معلقاً وضعيفاً. فهو لن يستطيع الاستمرار في حكم كانتونات مجزأة لا تملك الحد الأدنى من الاستقلال السياسي والاقتصادي. في المقابل، لا يمكن لعباس قبول دولة فلسطينية على 40 في المئة من الأراضي المحتلة المحددة بجدار الفصل، وبسيادة اسرائيلية على وادي الاردن من دون القدس وعودة ولو رمزية للاجئين. ذلك سيكون انتحاراً سياسياً لعباس وغيره. وهنا تكمن مخاوف الأردن. فهل يتم تصدير محاولة الانتحار إلى المملكة؟