"قل لي ما تشاهد، أقل لك من أنت؟"... هل يمكننا القول إن البرامج الإخبارية تتصدر قائمة المشاهدة في لبنان أو العراق أو فلسطين؟ أو إن غياب السينما في السعودية له دور في نجاح قنوات الأفلام؟ وما علاقة الأيديولوجيا بما نشاهد؟! إذا اعتبرت عالم الفضائيات"سوقاً"- لمَ لا؟ - وقسمته بحسب الدول، يركز هذا المقال على سوق القنوات السعودية، بناء على الاحصاءات الصادرة من"ايبسوس"لسنة 2007. اعرف زبونك ربما لن تستغرب حين تعرف أن قناة"ام بي سي"تعد الأكثر مشاهدة في السعودية، لكن اللافت احتلال التلفزيون السعودي الرسمي المرتبة الثانية، تليه قناتا"ال بي سي"وپ"المجد"تناوباً، إذ أن الأخيرة تجاوزت"ال بي سي"الشهر الماضي. وبدأ تضاؤل نسبة مشاهدي"ال بي سي"، تحديداً، بعد توقف عرض برنامج"ستار أكاديمي"، قبل شهرين. ولا يمكن تجاوز قنوات تظهر أحياناً من شهر إلى آخر في"التوب 10"، للقنوات العامة، كپ"دبي"وپ"المستقبل"وپ"الراي"... وربما كان سبب تأخرها في القائمة في شكل عام عدم تركيزها على المشاهد السعودي، أو تركيزها على مشاهد آخر. وهنا يحضر السؤال: هل لپ"المحافظة"دور في وجود التلفزيون السعودي في المرتبة الثانية؟ ويمكن توضيح مفهوم"المحافظة"هنا إذا عرفنا أن التلفزيون السعودي يفرض شروطاً معينة في مسلسلاته وبرامجه واعلاناته كأن تكون المرأة الممثلة محجبة مثلاً ? في المسلسلات المحلية، وكعدم ظهور"مطربة"تغني أو كليبات غنائية في شكل عام. كما يمكن الإشارة إلى المحافظة حين نعرف أن عرض صلاة الجمعة على التلفزيون السعودي يحتل المركز الپ26 بين المئة برنامج الأولى، وهو مركز متقدم جداً بين آلاف البرامج التي تعرضها مئات القنوات. إذا كانت الإجابة:"نعم للمحافظة دور"، فيمكن القول إن درجة المحافظة عند المشاهدين أنفسهم أو عند آخرين تسمح بالتأرجح بين"ام بي سي"وپ"المجد"، فالأولى تقدم تنوعاً غير موجود في التلفزيون السعودي في إطار معين، في حين أن"المجد"لا تسمح بظهور المرأة على شاشتها، البتة. وبالتالي يمكن القول إن"ال بي سي"تعكس بطبيعة برامجها فئة أخرى لها حضور ليس بسيطاً في عالم مشاهدي التلفزيون السعوديين، لذلك تنافس في المراتب ال 10 الأولى. ويمكن الإشارة هنا إلى أن قنوات"ام بي سي"الخاصة بالأفلام كپ"ام بي سي أكشن"وپ"ام بي سي 2"تحتل المراتب الأولى أمام نظيراتها على غرارپ"روتانا سينما"وسواها... وهذا يتوافق مع الفئات الأخرى قنوات المسلسلات وقنوات الأطفال، فمجموعة"ام بي سي"تحتل الصدارة على مستوى كل الفئات في السعودية هل للمحافظة أو"الاعتدال"دور أيضاً؟ ربما، ولكن لا يمكن تجاهل دور القيمين في الاستفادة من نجاح"التجربة الأم"فنياً للدخول إلى تجارب تستهدف فئات بعينها. وبعيداً من"المحافظة"لن يكون غريباً أن قناة"العربية"تحظى بنسبة مشاهدين في السعودية أعلى من قناة"الجزيرة"وعلّ الأسباب السياسية هي الأبرز هنا، وربما اهتمام"العربية"بالاقتصاد السعودي وأخبار السعودية عموماً. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن المسلسل السعودي"أسوار"حصل على أعلى نسبة مشاهدة الشهر الماضي وبفارق كبير عن"ألبوم"الذي احتل المرتبة الثانية، في لائحة أكثر البرامج مشاهدة في السعودية في شهر أيار مايو. ولعل السبب يعود إلى الضجة التي أثارها المسلسل، وما سمي بالمحظور كپ"علاقة السائق بفتاة سعودية". إضافة إلى كون المسلسل سعودياً. هوية المتفرج وبالنظر إلى احصاءات فئات القنوات، تجد أن"القنوات العامة"على غرار"ام بي سي"وپ"ال بي سي"وپ"دبي"وپ"التلفزيون السعودي"وپ"المجد"... تحتل الصدارة بفارق كبير عن القنوات الأخرى. لتأتي بعدها"القنوات الخاصة"مثلپ"روتانا سينما"، وپ"ام بي سي"اكشن"و"ام بي سي 2"و"4"، وپ"ون تي في"... ثم تأتي"قنوات الأخبار""العربية"وپ"الجزيرة"وسواهما. تلي ذلك"القنوات الرياضية"، بفارق بسيط عن"القنوات الغنائية"التي تجيء في المرتبة الخامسة. وأخيراً قنوات الأطفال. وهنا يمكن ربما تحديد هوية المتفرج جنسه أو عمره. فتصدر القنوات العامة له علاقة باهتمام هذه القنوات بالمرأة تحديداً، تلك التي تجلس في البيت من دون عمل شريحة كبيرة في السعودية. ويمكنك استنتاج ذلك من إعلانات هذه القنوات التي تستهدف المرأة كصاحبة قرار شراء. في حين تجد أن المستهدفين من الإعلانات في القنوات الإخبارية الرجال، لذلك حتماً لن تظهر كثافة الإعلان السياسي كإعلانات العراق في قناة مثل"ام بي سي 1"كما هي كثافته في"العربية". أما عن سبب حلول"القنوات الخاصة"في المرتبة الثانية، قبل غيرها، فهو عدم اختلافها عن العامة إلا بفرزها للمشاهدين، وتوزيعهم من جديد، كل بحسب اهتمامه، إذ يشترك الشباب - الشريحة الأكبر في السعودية - مثلاً في مشاهدة قنوات الأفلام، وتشترك النساء في مشاهدة قناة مثل"ام بي سي 4"، المعنية ببرامج أميركية تركز على المرأة في شكل رئيس. وربما كان سبب تأخر"القنوات الإخبارية"بعد الفئتين السابقتين، عدم وجود حوادث أمنية تهدد أمن المواطن أو المقيم، كتلك في لبنان أو في العراق أو فلسطين. وأخيراً قد يكون لپ"المحافظة"دور في حلول القنوات الغنائية في المرتبة قبل الأخيرة. الإعلان والأيديولوجيا كل هذه الإحصاءات تفيد المعلنين بالدرجة الأولى. فإذا كانت الفئة المستهدفة بالنسبة إلى معلن هي الأطفال، فسيعلن حتماً في إحدى قنوات الأطفال الخمسة "سبيس تون"، أو"الجزيرة كيدز"، أو"اي آر تي تينز"، أو"ام بي سي 3"التي تحتل المرتبة الأولى، أو"المجد للأطفال" وليس غريباً أن يكون الإعلان الأعلى كلفة في القناة الأكثر مشاهدة. وهذا لا يعني أن المعلن عن حليب للأطفال، مثلاً، لن يعلن في قناة عامة. لكنه سيختار حينها وقت الذروة بالنسبة للمستهدفين، أي سيعلن لحظة عرض برنامج للأطفال، فقط، وربما يعلن لحظة عرض برنامج يناسب صاحب القرار الأم مثلاً. حسناً... ماذا إذا كنت تريد ان توصل إعلان منتجك إلى أكبر شريحة من دون استهداف فئة بعينها؟ بكلام آخر، يمكنك أن تعلن في قناة عامة طمعاً في الوصول إلى اكبر شريحة ممكنة، لأن منتجك يستهدف الشرائح كافة كبار وصغار، شبان وفتيات، نساء ورجال لكنك لن تصل إلى شرائح معينة. إذ لا بد أن تأخذ الأيديولوجيا في الاعتبار، فإذا أعلنت في"الجزيرة"فأنت تنسى بذلك أن هناك مشاهدين يرفضون سياسة القناة ولا يشاهدونها، وربما تخسر شريحة كبيرة، ما يجبرك على الاعلان في"العربية"مثلاً، والعكس صحيح. وحين تفكر أن تعلن في"ال بي سي"فأنت ستخسر حتماً شريحة"محافظة جداً"لا تشاهد سوى"المجد". ولن تنسى أيضاً أن هناك شريحة معتدلة ترفض برنامجاً ك"ستار أكاديمي"لكنها تقبل برامج غنائية أخرى. مع الأخذ في الاعتبار أيضاً ان لا يمكنك أن تخسر الشريحة التي تشاهد"ستار أكاديمي"باعتباره برنامجاً مهماً بحسب الاحصاءات ذاتها المُعتمدة على"ايبسوس". إذ تحقق قناة"ال بي سي"أعلى نسب مشاهدة في شهري كانون الثاني يناير شباط فبراير آذار مارس، مقارنة بالشهور الأخرى، وعلى سبيل المثال كان أعلى معدل مشاهدة للقناة في آذار الماضي تحديداً، وهو الشهر الأخير لعرض البرنامج. على أي حال، لا يمكن في هذا المقال، الاستطراد في احصاءات كثيرة تصدر من"ايبسوس"، لكل واحد منها هدف مختلف، لكن يبقى الهدف هنا الإشارة إلى"سوق الصورة"الذي يفضح مشاهديه. شركات الإحصاء وأهدافها في وقت تستهدف"القنوات العامة"شريحة أكبر من تلك التي تستهدفها"القنوات الإخبارية"او"قنوات الأطفال"أو"الرياضة"وسواها... وبالتالي تحقق دخلاً أعلى ربما من غيرها، بحكم استهداف المعلنين لها، يطرح سؤال نفسه: ما هدف شركات الإحصاء؟ تعرض شركات الإحصاء خدماتها للشريكين الأساسيين في صنع الصورة: المعلن والقناة. فالمعلن حتماً يهتم بأوقات الذروة لكل شريحة على حدة وفي كل قناة على حدة. كما يهتم أيضاً بالقنوات والبرامج الأكثر مشاهدة. وحينها يستطيع تحديد هدفه واستساغة كلفة الهدف. أي أن المعلن يهتم بمدى نجاح وصول منتجه إلى الهدف وكلفة هذا الوصول. وفي الجانب الآخر تهتم القناة بالإحصاء كي تحدد تسعيرة إعلاناتها وتستقطب المعلنين المناسبين في الوقت والبرنامج المناسبين. يضاف إلى ذلك أن القناة تهتم بتطوير منتجاتها برامجها. إذ ستقارن بين نسبة المشاهدين لقناتها والقنوات الأخرى التي تستهدف الفئة ذاتها. بل ربما تقارن بين نسبة المشاهدين لبرنامج يشبه برنامجاً تنتجه القناة. ستفيد سوق شركات الإحصاء الإعلامية العربية، والتي تعد"إيبسوس"الأبرز فيها حتى الآن، إذاً من بيع دراساتها الشهرية والموسمية والسنوية للقنوات والمعلنين، ويُفترض مستقبلاً أن تظهر شركات أخرى قوية في هذا المجال تعيش على الصورة ولكن بطريقة أخرى.