سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الجيش استنفر العلمانيين واليسار... والتحدي مع حزب"العدالة والتنمية" قائم رغم الانتخابات : 3 قضايا وراء تأزم المشهد السياسي التركي:قبرص وأكراد العراق والعلاقة مع أميركا وأوروبا
توارت تفاصيل الازمة السياسية التركية الساخنة خلف تعقيدات ودهاليز الدستور التركي والتعديلات التي تجريها الحكومة على مواده الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية من جانب، واحتكام المعارضة الى المحكمة الدستورية لالغاء تلك التعديلات من جانب آخر، حتى باتت القضية وكأنها انتهت الى احتكام لانتخابات برلمانية ستجرى في 22 تموز يوليو المقبل. علماً أن تلك الانتخابات لن تحل الازمة بل قد تعقدها خصوصاً اذا عاد"حزب العدالة والتنمية"بالقوة نفسها او اكثر قوة الى البرلمان، واذا ما أصر على ترشيح عبدالله غول لانتخابات رئاسة الجمهورية. ذلك ان الجيش قد لا يقبل الاحتكام الى الشعب ليكون"حكماً بينه وبين حكومة"حزب العدالة"والتنمية"التي يحاول العسكر التخلص منها ومن سياساتها الداخلية التي يعتبرها معادية للعلمانية وسياساتها الخارجية التي يعتبرها خاضعة تماماً للارادتين الاميركية والاوروبية. تدخل الجيش هذه المرة جاء متمثلاً في بيان السابع والعشرين من نيسان أبريل الماضي التحذيري، واتبعه ببيان آخر في 7 حزيران يونيو يطالب فيه الشعب بالانتفاض ضد حزب العمال الكردستاني. البيانان اعتبرا بمثابة تدخل من دون تنسيق بل هو تدخل على رغم واشنطن وضد مصالحها، والثاني اعتبر تدخلاً ينبع من احساس بعض الاوساط في الجيش بأن الجمهورية التركية في خطر حقيقي، علماً أن موضوع تهديد مرشح"حزب العدالة والتنمية"للرئاسة للنظام العلماني في تركيا هو آخر وأضعف الاسباب التي تدفع الجيش للاعتقاد بأن الجمهورية التركية في خطر. فقناع الصراع العلماني - الاسلامي هو قناع قديم استخدمه الجيش هذه المرة لتبرير تدخله، لكن اسباب التدخل الحقيقية واسباب احساس الجيش بأن تركيا في خطر تتعلق اساساً بالقضية الكردية وشمال العراق ومستقبل القضية القبرصية والعلاقات مع واشنطن، أي انها وباختصار تتعلق مباشرة بالسياسة الخارجية التي يتبعها"حزب العدالة والتنمية"منذ توليه الحكم، والقول إن الازمة هذه لم تنته بعد وان الاسوأ قد يحدث لاحقاً يأتي من كون تدخل الجيش هذه المرة يستهدف وبشكل مباشر ضرب العلاقة التي توصف بالاستراتيجية بين انقرهوواشنطن في الصميم، وهو ما يبدو واضحاً من خلال استهداف تصريحات قائد الاركان الجنرال يشار بيوك انيط خلال الأشهر الماضي لواشنطن وانتقاده اللاذع لها ويبدو واضحاً من خلال مطالبة الجنرالات المتقاعدين بالانسحاب من حلف شمال الاطلسي واقتراح عقد تحالف استراتيجي مع الصين وروسيا والهند وإيران. ويزيد الأمر خطورة ما يتسرب عن وجود حركة تمرد بين صفوف الجيش يجد قائد الاركان صعوبة بالغة في السيطرة عليها ويبدو واضحاً ان الازمة بين الجيش وحكومة"العدالة والتنمية"هي هذه المرة ازمة حقيقية وكبيرة ومعقدة وتتجاوز بكثير مسألة تصرفات"حزب العدالة والتنمية"التي تهدد النظام العلماني في تركيا او رفض الجيش لأن تكون زوجة الرئيس القادم محجبة، انها ازمة ثقة وخلاف كبير حول مستقبل تركيا ومستقبل أمنها الوطني المتعلق بالقضية الكردية وشمال العراقوقبرص. أزمة سياسية تحت تهديد السلاح قراءة متأنية للبيان العسكري الذي ظهر فجأة قرابة منتصف الليل على الموقع الالكتروني لقيادة الاركان يوم 27 نيسان الماضي، تلقي الضوء على عدد مهم من الحقائق، فالصيغة الركيكة التي خط بها البيان والتي لا تنتمي أبداً الى الصيغة المعروفة للبيانات العسكرية النارية، وكذلك سحب ذلك البيان من الموقع بعد لقاء رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان بقائد الاركان الجنرال يشار بيوك انيط في اسطنبول بعد اربعة ايام على صدور البيان، وإعادة نشره بعد اسبوع من دون توضيح لسبب اختفائه واعادة نشره، بل وتوقيت البيان منتصف الليل وظهوره على موقع الكتروني بدلاً من نشره رسمياً وتوزيعه على الصحافة كما هو معهود سابقاً، كل هذا يدل على ان البيان كتب على عجل ومن دون مراجعة، وعلى وجود خلاف في الرأي في صفوف العسكر حول البيان وضرورة التدخل في هذا الشكل. وسواء كان هذا الخلاف كبيراً أم صغيراً، وسواء كان قائد الاركان مقتنعاً بضرورة التدخل، أو انه ? بحسب ما ذكرت صحف تركية ? كان مضطراً لمسايرة جنرالاته وضباطه الذين زادت ضغوطهم للتخلص من حكومة اردوغان، فإن ما جاء في ذلك البيان من أن 40 مدرسة في جنوب شرقي الاناضول التركي تُجري مسابقات في تحفيظ القرآن الكريم بشكل غير قانوني وواحدة أخرى تنظم دروس وعظ ديني للنساء بعد الظهر، يشكل خطراً على النظام العلماني في دولة تعداد سكانها قارب الثمانين مليون نسمة وفيها عشرات الآلاف من المدارس، أمر لم يقتنع به احد في تركيا. لكن المعارضة وجدت فيه أرضية للبناء عليها ودعماً لنظرياتها، فيما أدركت المحكمة الدستورية ان هذا ليس بيت القصيد وإنما الجملة الأهم هي تلك التي يهدد فيها الجيش بالتدخل ان وجد ضرورة لذلك، فكان ان عمدت المحكمة إلى إصدار حكمها بإلغاء جولة انتخابات الرئيس والحكم بضرورة مشاركة ثلثي نواب البرلمان في انتخابات الرئيس، فسدت بذلك على حزب العدالة والتنمية طريق الوصول الى القصر الجمهوري نزولاً عند ضغط الجيش، وقضاة المحكمة مقتنعون بأن حكمهم هذا على رغم كل ما قيل عنه إنما أنقذ تركيا من انقلاب عسكري كان الجيش يعد له في حال انتخاب عبدالله غول رئيساً للجمهورية علماً أن قرار المحكمة يكون قد شكك في نزاهة انتخاب آخر ثلاثة رؤساء جمهورية لتركيا لأن أياً منهم لم ينتخب في حضور ثلثي نواب البرلمان. كما ان قرار المحكمة هذا يستحيل معه مستقبلاً انتخاب رئيس جديد في البرلمان الا في حال اتفاق المعارضة والحكومة على مرشح مشترك وهو ما لم يحدث في تركيا سابقاً قط. اما احتمال ان يحصل اي حزب على اكثر من ثلثي مقاعد البرلمان في الانتخابات المقبلة فهو احتمال ضعيف. جذور الازمة اتخذ الجيش من انتخابات الرئاسة ذريعة للتدخل، والمعارضة بنت على هذا الموقف من خلال امتناعها عن المشاركة في تلك الانتخابات غير مدركة لخطورة ما فعلت ولخلفية تدخل الجيش الحقيقية، والمحكمة الدستورية تعتقد بأنها منعت وقوع انقلاب عسكري حقيقي على الارض من خلال حكمها الذي اصدرته تحت تهديد السلاح. لكن خلفية التدخل العسكري ودوافعه الحقيقية بدأت تظهر بعد تزايد هجمات حزب العمال الكردستاني على الجيش في جنوبتركيا وتفجير انقره الانتحاري، ومطالبة الجيش بدخول شمال العراق كحل وحيد للقضاء على حزب العمال الكردستاني الذي ادمى الجيش خلال ثلاثة اشهر مضت. ولم ينتبه أحد الى ان حشود عشرات الآلاف من المواطنين الاتراك العلمانيين واليساريين الذين خرجوا في تظاهرات كبيرة في اسطنبولوأنقره وازمير للدفاع عن النظام العلماني واعلان رفضهم لترشيح عبدالله غول او اردوغان لرئاسة الجمهورية، كانوا يلبون دعوة ينظمها جنرال عسكري متقاعد هو الجنرال شنار آر اويغور القائد السابق للجندرمة، والرئيس الحالي"لجمعية حماية الفكر الاتاتوركي"التي نظمت تلك التظاهرات ومولتها من دعم مالي قدمه الرئيس أحمد نجدت سيزار من موازنة رئاسة الجمعية. وحقيقة ان تنظيم خروج الجماهير الى الشارع نظمها جنرال ومولها رئيس علماني وكلاهما خصم للحزب الحاكم، تنفي تماماً ادعاءات المعارضة بأن الجيش اضطر للتدخل بعد أن رأى حشود الجماهير تملأ الشوارع احتجاجاً. اذ يبدو واضحاً ان هناك مخططاً تم العمل على تنفيذه لمحاصرة الحكومة بين الشارع ومؤسسات الدولة، ومنعها أولاً من انتخاب رئيس من بين صفوفها وثانياً التأثير على ناخبي الحكومة لضمان تراجع اصواتها في الانتخابات المقبلة، واذا ما أضفنا المساعي المفاجئة للمعارضة يميناً ويساراً لتوحيد الصفوف قبل الانتخابات من اجل محاصرة حزب العدالة والتنمية في الاستحقاق الانتخابي، يظهر بوضوح ان الهدف هو تنحية الحزب عن الحكم وتشكيل ائتلاف حكومي بديل ليس اكثر حرصاً على العلمانية فقط، وانما ? وبحسب هتافات المتظاهرين ? يقف على مسافة ابعد من واشنطن والاتحاد الاوروبي. ان مراجعة سريعة لمواقف جنرالات الجيش منذ تولي"العدالة والتنمية"السلطة في تركيا تظهر بوضوح وجود ثأر يسعى الجيش لاخذه منذ عام 2003، عندما رفض البرلمان التركي المشاركة في الحرب وحرم بالتالي الجيش من دخول شمال العراق، اشعل نار الغضب في صفوف ضباط وجنرالات الجيش الذين قالوا بضياع فرصة فرض وصاية تركيا على اكراد العراق حينها، وزاد من قلقهم دخول الاكراد إلى الموصل وكركوك على رغم كل التحذيرات التركية. في آب اغسطس تلك السنة حاول عدد من ضباط القوات الخاصة التركية جر تركيا الى شمال العراق من خلال محاولتهم قتل محافظ كركوك الكردي من اجل زرع فتنة كردية تركمانية تجبر تركيا على التدخل لكن المخطط سبقه مداهمة الجيش الاميركي لمقر تلك المجموعة في السليمانية واعتقالهم في شكل مهين، ما فجر ازمة ثقة بين الجيش التركي واميركا، وزاد من اعتماد واشنطن على اكراد العراق على حساب تعاونها مع انقره الذي تراجع، تاركاً وراءه قلقاً تركياً كبيراً بشأن نيات واشنطن وحساباتها في شمال العراق. هذا الخلاف بين الجيش التركي وواشنطن انعكس على علاقة الجيش بحكومة"العدالة والتنمية"التي كانت تتبنى السياسات الاميركية بشأن الحوار مع اكراد العراق وحل القضية الكردية في تركيا سياسياً. على صعيد آخر وفي الوقت نفسه حاول الجيش التركي الوقوف في وجه الحكومة في ما يتعلق بالقضية القبرصية، وسعى قائد القوات البرية الجنرال ايطاش يلمان لدعم الرئيس القبرصي التركي رؤوف دنكطاش من رفض مخطط الحل الدولي الذي قدمة كوفي انان عام 2004، وفي اكثر من تصريح علني اعتبر يلمان سياسة اردوغان في قبرص بيعاً للقضية القبرصية. وقد كشفت مذكرات قائد القوات البحرية الجنرال اوزدان اورنيك التي نشرتها مجلة"نقطة"المستقلة في آذار مارس الماضي عن محاولة انقلابية كان يدبرها جنرالات الجيش ضد حكومة اردوغان بسبب سياساتها في شمال العراقوقبرص التي يرى فيها الجيش خيانة للقضية وعمالة للغرب، لكن قائد الاركان حينها الجنرال حلمي اوزكوك وقف ضد ذلك الانقلاب. ما دفع اولئك الجنرالات للتوجه الى وسائل الاعلام ومؤسسات المجتمع المدني العلمانية والمعارضة العلمانية ايضاً من اجل تحقيق هدفهم بطريقة اخرى. فظهر في صحيفة"جمهورييت"التابعة ل"حزب الشعب الجمهوري"العلماني أول بيان عن من سمي مجموعة الضباط الشبان في الجيش يحذرون من ان سياسة اردوغان الموالية لواشنطن والاتحاد الاوروبي ستقود الى قيام دولة كردية في شمال العراق وتقسيم تركيا وظهور فيديرالية كردية في جنوب شرقي تركيا، والاعتراف بقبرص اليونانية كدولة تمثل كل الجزيرة القبرصية. بعد ذلك تم الكشف وبشكل غامض ومثير ومتتابع عن عدد من العصابات التي تعمل لابتزاز رجال الاعمال في تركيا وضمن افرادها عسكريون متقاعدون، واهتزت تركيا عند الكشف عن ان ضابطين في الاستخبارات العسكرية التابعة للجندرمة قاما بتفجير مكتبة في مدينة شمدينلي الكردية وحاولا القاء التهمة على حزب"العمال الكردستاني"من خلال استخدامهما قنابل ومتفجرات يستخدمها الحزب عادة، ما اشاع ان في الجيش من يريد ان يدفع بتركيا الى دخول شمال العراق لمكافحة"حزب العمال الكردستاني"الذي كان ملتزماً بهدنة من طرف واحد. تبع ذلك القاء القبض على عصابة اخرى كانت تخطط لاغتيال رئيس الوزراء اردوغان وفي حوزتها خريطة لمنزله والطريق اليه ومتفجرات من النوع نفسه الذي يستخدمه حزب العمال الكردستاني، وتزعّم العصابة عقيد في الجيش التركي وتطلق على نفسها"الاتابيكه"، ليخرج بعدها الجنرال حلمي الى التقاعد ويحل محله في قيادة الجيش الجنرال يشار بيوك انيط الذي اعلن ان فترة قيادته ستكون فترة الانتقام من بعض القوى التي حاولت تشويه سمعة الجيش، ورفض اقتراح واشنطن للحوار مع اكراد العراق من اجل انهاء مشكلة حزب"العمال الكردستاني"واعلن ان الحل الوحيد يكمن في دخول شمال هذا البلد، على رغم تأكيد جميع الخبراء العسكريين ان دخول الجيش التركي شمال العراق لن يقضي على الحزب الكردستاني وأن تجارب تركيا السابقة عام 1996 وحتى 2001 تثبت ذلك. جرى كل هذا بينما حشر الاتحاد الاوروبي أنقره وعلق مفاوضاته معها الى حين اعترافها ولو تجارياً بقبرص اليونانية، فيما بدت تركيا عاجزة عن التصرف حيال مسألة كركوك التي سيطر عليها الاكراد عملياً، وبدا للجيش التركي أن انصياع اردوغان وحكومته لتوصيات الاتحاد الاوروبي وواشنطن اوصل تركيا إلى هذا الوضع"المهين". مستقبل غامض تحرك الجيش هذه المرة يعكس درجة تردي العلاقة بينه وبين واشنطن، وهي العلاقة التي كانت متينة للغاية منذ انضمام تركيا الى حلف شمال الاطلسي عام 1952. اذ بدأ الخلاف بين الطرفين في تسعينات القرن الماضي على خلفية التعامل مع اكراد العراق، وبدأت الاتهامات لواشنطن تزداد داخل صفوف الجيش التركي بدعم حزب العمال الكردستاني واكراد العراق بعد أن رحلت قوات المطرقة الاميركية اثر حرب تحرير الكويت من شمال العراق تاركة وراءها الكثير من السلاح والعتاد ليغنمه حزب"العمال الكردستاني"ويستخدمه ضد الجيش التركي حينها. وقد زادت هذه الاتهامات بعد رفض واشنطن شن الجيش التركي هجمات ضد الأكراد بعد احتلالها العراق، حتى جاءت حادثة تفجير الحزب الكردستاني سكة حديد قطار تركي في محافظة بينغول التركية نهاية شهر أيار مايو الماضي، حيث اكتشف ان القطار يحمل اسلحة مهربة سراً من ايران الى سورية عبر تركيا، مما زاد الشك لدى الجيش التركي بان اميركا هي التي طلبت من الحزب الكردستاني تفجير سكة القطار، وان هذا التفجير كان باكورة تعاون بين الطرفين لاحراج تركيا. كما ان دخول طائرتين عسكريتين اميركيتين الاجواء التركية من دون اذن في التوقيت نفسه، اعتبر تحدياً اميركياً وتحذيراً للجيش التركي من الاقتراب من شمال العراق، ما زاد الفجوة بين الجيش التركي واميركا عمقاً، خصوصاً ان العسكر التركي يبدو مقتنعاً بأن الاستراتيجية الدفاعية الاميركية الجديدة عبر العالم تهدف لاعتماد شمال العراق قاعدة عسكرية مهمة في المنطقة، مما قد يمهد لولادة دولة كردية هناك. الازمة بين الجيش التركي والحكومة ازمة رؤى خطيرة، يضحي فيها الجيش باحد اهم حلفائه الا وهو اميركا ويضع امام عينيه احتمال الاصطدام معها. وهي ازمة عميقة لدرجة ان العديد من الكتاب والمحللين الاتراك يشككون في من يقف وراء انفجار أنقره الذي اودى بحياة 6 اشخاص نهاية الشهر الماضي، بعد تبرؤ حزب العمال الكردستاني منه وتنديده به، وعدم ثبوت علاقة مباشرة بين الحزب والشخص الذي انفجرت فيه القنبلة، اذ ان المادة المتفجرة من المواد التي يستخدمها"حزب العمال الكردستاني"دائماً في تفجيراته، لكنها ايضاً المادة نفسها التي استخدمها ضباط الاستخبارات العسكرية لتفجير مكتبة في شمدينلي في جنوب شرقي تركيا. البعض في تركيا يتساءل هل يمكن ان تكون الازمة الحالية قد دفعت بعض الرتب العسكرية الى تدبير تفجير أنقره لايقاع اكبر عدد من الضحايا واحراج الحكومة او الضغط عليها لاتخاذ قرار ترفض حتى الان اتخاذه بدخول شمال العراق؟ في الاوضاع الحالية، طرح هذا السؤال يعد في تركيا ضرباً من الخيال، لكنه في هذه الظروف يبدو مشروعاً . الجيش يراهن على وصول حليفه حزب الشعب الجمهوري المعارض العلماني بزعامة دنيز بايكال الى الحكم من اجل تنفيذ سياسة تركية اكثر انغلاقاً واكثر قومية واكثر حزماً بشأن العراقوقبرص، وهو رهان خاسر في كل الاحوال، فحزب الشعب الجمهوري الذي لعب دوراً مهماً في تحريض الجيش ليتدخل هذه المرة، انما كان يستخدم سلاح الجيش لتحقيق مصالح حزبية للوصول الى السلطة، ولا يوجد ما يضمن التزام الحزب بمطالب الجيش في حال وصوله الى السلطة وهو يعلم ان اي حكومة تركية لا تحظى بدعم واشنطن ليس في مقدورها ان تعيش اقتصادياً، كما ان العمل ضد الاتحاد الاوروبي هو انتحار سياسي لاي حكومة تركية. في المقابل فإن السؤال الذي لا يزال مطروحاً، ماذا لو ان"حزب العدالة والتنمية"عاد مرة اخرى وبقوة الى البرلمان، فهل سيتخذ الجيش حينها خطوة اكبر ويتدخل فعلياً من خلال انقلاب عسكري؟ التعديلات الدستورية بعد قرار المحكمة الدستورية تحديد نصاب عقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في البرلمان بثلثي نواب البرلمان على الاقل اي 367 نائباً، اقر البرلمان التركي بطلب من حكومة"العدالة والتنمية"تعديلاً دستورياً يحيل انتخاب الرئيس الى الشعب مباشرة ويقصر من فترة حكمه من سبع الى خمس سنوات ويفسح المجال امامه للترشح لفترة ثانية، ويقصر الدورة البرلمانية من خمس الى اربع سنوات. وبعد رفض الرئيس أحمد نجدت سيزار هذا التعديل واعادته للبرلمان اقر البرلمان مجدداً التعديل كما هو، لكن المعارضة ممثلة بحزب الشعب الجمهوري قررت الاحتكام مجدداً للمحكمة الدستورية من اجل الغاء التعديل. وتأمل المعارضة في العودة الى البرلمان بعد انتخابات 22 تموز المقبلة بشكل قوي يمكنها من انتخاب رئيس من صفوفها في البرلمان دون الاحتكام الى الشعب. علماً أن الدستور يقول بانتخاب البرلمان للرئيس خلال 30 يوماً والا يتم حل البرلمان والاحتكام الى انتخابات برلمانية مبكرة، وهو ما يمكن ان يحدث في حال فشل البرلمان الجديد في انتخاب رئيس بعد انتخابات 22 تموز او رفض المحكمة الدستورية تعديل قانون انتخاب الرئيس أو تأخر تنفيذ التعديل لانتخاب الرئيس من قبل الشعب ما يعني ان تركيا قد تدخل في دوامة انتخابات مبكرة حتى نهاية السنة الجارية. الانتخابات حصل حزب العدالة والتنمية على 34 في المئة من الاصوات في انتخابات 2002، ولكنه تمدد في البرلمان ليحصل على ثلثي مقاعده قبل ان ينشق عنه 25 نائباً بعد سنتين، اذ ورث الحزب مقاعد تلك الأحزاب التي لم تستطع ان تتجاوز العتبة البرلمانية المحددة بعشرة في المئة من اصوات الناخبين، وقد بقي حزب"الطريق الصحيح"خارج البرلمان رغم حصوله على 9.5 في المئة من الاصوات، فيما تمكن حزب الشعب الجمهوري فقط من تجاوز العتبة البرلمانية ليمثل في البرلمان الى جانب"حزب العدالة والتنمية". ولمنع تكرار هذا السيناريو مجدداً، فإن احزاب اليمين واليسار تتوحد من اجل تجاوز العتبه الانتخابية، اذ ان في حال دخول اربعة احزاب البرلمان هذه المرة، فإن احتمال تحالف ثلاثة منها ضد"حزب العدالة والتنمية"قائم لتشكيل حكومة ائتلافية.