«لمن ستتركون مناطق جنوب شرق تركيا؟! هل للحزب الانفصالي؟!». بهذه العبارة، خاطب جميل تشيتشك، نائب رئيس الحكومة التركيّة، والقيادي البارز في الحزب الحاكم، قضاة المحكمة الدستوريَّة، أثناء نظرها في الدعوى المرفوعة أمامها لحظر الحزب الحاكم في تركيا. هذه الدعوى انتهت بصفقة بين زعيم الحزب، رجب طيّب أردوغان، والقائد الجديد لهيئة الأركان آنئذ، الجنرال إلكر باشبوغ، والذي كان تولّيه لمنصبه، يتطلّب توقيع أردوغان. انتهت تلك الأزمة بين العلمانيين و «الإسلاميين»، بعدم حظر الحزب الإسلامي، ليتراجع أردوغان خطوات كثيرة للوراء. منها، التراجع عن قانون الحجاب. لكن، منذ تلك الفترة، والحزب الحاكم، لا يجد لنفسه خصماً حقيقيّاً في المناطق الكرديّة، عدا حزب المجتمع الديموقراطي DTP. ففي انتخابات تموز (يوليو) 2007، أثبت الحزب الكردي، حضوره كتعبير سياسي كردي فاعل وقوي على الساحة التركيّة، وفاز ب21 مقعداً، ما أهَّله لأن يشكّل كتلة نيابيّة. واللافت في كتلة ذلك الحزب، أنَّها تضمّ 8 نساء. وإحداهنّ، كانت سجينة على خلفيّة سياسيّة، (صباحت تونجل، نائب عن مدينة إسطنبول)، إذ أخرجها الحزب الكردي من السجن إلى البرلمان. ليس هذا وحسب، بل شاركت في افتتاح الجلسة الأولى للبرلمان، لكونها أصغر الأعضاء سنّاً، إلى جانب أكبر الأعضاء سنّاً. وهذا ما أثار حفيظة الأتراك، بعلمانييهم وإسلامييهم. إذ كيف لامرأة كرديّة، تخرج من السجن للبرلمان، وتفتتح الجلسة الأولى!؟. ناهيكم عن نائبة عن إسطنبول وليست عن المناطق الكرديَّة. وفي هذا مؤشّر أن الحزب الكردي صار يتمدد في المدن التركيّة أيضاً، ويُنظِّم أكرادها. أنْ تخرج فتاة من السجن للبرلمان، هذه كانت سابقة، ليس في تاريخ تركيا، وربما في تاريخ الحياة البرلمانيّة لدول كثيرة. في الانتخابات البلديّة التي أجريت في تركيا يوم 29/3/2009، اكتسح حزب المجتمع الديموقراطي - المحظور حاليّاً - بلديّات المناطق الكرديّة. وعلى رغم توزيع الحزب الحاكم الموادّ التموينيّة والأدوات الكهربائيّة على الحارات الفقيرة وعلى القرى، وعلى رغم أن كلّ الأحزاب التركيّة العلمانيّة تحالفت مع حزب أردوغان، وعلى رغم أن قوى الجيش، والموظّفين في المؤسسات الأمنيّة والخدميّة، صوّتوا لحزب العدالة والتنمية، تمكن الحزب الكردي من الفوز. فزاد عدد بلدياته من 56 الى 99. وصار يهتمّ بشؤون بلديّاته، وإحياء التراث والثقافة الكرديّة. وبدأ نوّاب الحزب الكردي يطرحون القضيّة الكرديّة. ورويداً، ازدادت شعبيّة الحزب. ما يشكل خطراً كبيراً على إمساك أردوغان بخناق المناطق الكرديّة، ويعيق حلّ الملفّ الكردي، من دون حسيب أو رقيب، وبما ينسجم وتوجيهات العسكر. منذ سنتين، ودعوى حظر «حزب المجتمع الديموقراطي» موجودة في المحكمة الدستوريّة. وأصدرت المحكمة قرارها النهائي والقطعي، وغير القابل للطعن، خلال أسبوع!!. ففي مساء 11/12/2009، أصدر رئيس المحكمة هاشم كليج قرار الحظر، بإجماع أحد عشر قاضياً، هم هيئة المحكمة. واستند القرار الى المادتين 68 و69 من الدستور التركي والمادتين 101 و103، من قانون الأحزاب التركيّة. إلى جانب فصل الحزب، تمّ شطب عضويّة زعيمه أحمد تورك، والبرلمانيّة الكرديّة آيسل توغلوك، إلى جانب منع أكثر من 35 من قياداته من العمل السياسي لخمسة أعوام. ناهيك عن الغرامات الماليّة التي طاولت قيادات أخرى في الحزب. واحتجاجاً على هذا القرار، صرّح زعيم الحزب، النائب السابق أحمد تورك، بأنّ القرار «سياسي وليس حقوقياً». واتهم الحزب الحاكم بالوقوف وراءه. وأعلن عن تقديم استقالة جماعيّة لنوّاب الحزب من البرلمان التركي. مؤكّداً مواصلة النضال السلمي الديموقراطي. وأن «تركيا ستصل في يومٍ ما، الى ديموقراطيّة حقيقيّة». وتساءل تورك: «لماذا لا يحظرون الأحزاب التي صرّحت بأنها محامي دفاع عن شبكة أرغانكون، ويحظرون حزبنا الذي يطالب بالعدالة والحريّة والسلام والديموقراطيّة؟»، في إشارة منه الى زعيم حزب الشعب الجمهوري الأتاتوركي CHP، دنيز بايكال. ولعل قرار الحظر، لم يكن مفاجئاً للأكراد، فمنذ انتخابات 29 آذار (مارس)، السالفة الذكر، تمّ اعتقال 800 شخص، من قياديي وكوادر وعناصر هذا الحزب، بالتهمة المعروفة إيّاها، وهي «دعم حزب العمال الكردستاني». وعليه، كلّ المؤشّرات المحليّة والدوليّة كانت تؤدي الى حظره، وانفتاح أنقرة على أكراد العراق، أيضاً كان من كيس أكراد تركيا. بحظر حزب المجتمع الديموقراطي، يصل عدد الأحزاب الكرديّة المحظورة في تركيا، منذ 1990 وحتى الآن الى 5 أحزاب!. واللافت، أن مقالات كتّاب الأعمدة والزوايا في الصحافة التركيّة، كانت شاجبة وناقدة لقرار الحظر، ظاهريّاً، إذ أنها ألقت باللائمة على الحزب الكردي!. وانسجم مع ذلك، بعض مراسلي الصحف وقنوات التلفزة العربيّة، في مسعى حثيث لتبرئة أردوغان من قرار المحكمة الدستوريّة. الكتّاب الأتراك، سعى الكثير منهم، ممن يُصنَّفون من الليبراليين واليساريين الديموقراطيين، الى تحميل الضحيّة، المسؤوليّة عن قرار الحظر. بل ذهب اورال تشالشلار، في «راديكال»، وأحمد آلتان في «طرف» إلى تحميل حزب العمال الكردستاني مسؤوليّة ذلك، وربط الكردستاني، بمجموعة «أرغانكون» التركيّة!. وإذا كان «حزب العمال الكردستاني» المسؤول عن قرار المحكمة، عبر هجومه على عربة عسكريّة وقتل 7 جنود أتراك في منطقة توكات، لكن، من شهر آذار وحتى الآن، قتل 80 مقاتلاً من العمال الكردستاني، وثمة من يرى أن عمليته الأخيرة ليست أكثر من رد. نقطة أخرى جديرة بالاهتمام، ينبغي تسليط الضوء عليها. وهي، أن «حزب المجتمع الديموقراطي»، المقرّب من حزب العمال الكردستاني، كان ينوي فتح مكتب له في دمشق وآخر في حلب، وفي طهران ومدن كرديّة أخرى في إيران...