تحولت قضية ملايين المصريين الذين يعملون في الخارج الى ملف شائك تواجهه الحكومة المصرية التي وجدت نفسها مضطرة إلى فتحه ومعالجته بعمق، وذلك للمرة الأولى منذ ما يزيد على نصف قرن، أي منذ بداية موجات سفر المصريين الى الخارج بغرض العمل، وسط تضارب الاحصاءات عن ارقام العمالة المصرية في الخارج، التي تتراوح بين ثلاثة وسبعة ملايين مصري. وأدت الهجرة غير المنظمة بكثير من المصريين الى مواجهة ظروف عمل تفتقر الى الحد الادنى من الشروط الانسانية، كما نشأت بسبب هذا الوضع حساسيات سياسية وديبلوماسية مع الدول المضيفة. وترافقت إشكالية سفر الخادمات المصريات من اجل العمل في الخارج مع انتقادات تتعلق بالإساءة إلى سمعة مصر وتفاقم حوادث الهجرة غير الشرعية بحثاً عن مصدر رزق تعذر في الوطن. وإلى جانب الشركات الوهمية يحوي هذ الملف ايضاً الكارثة المستمرة ل"مهاجري القوارب"من الشباب المصري الذي يدفع كل منهم بضعة آلاف من الجنيهات مقابل"عمل"في إيطاليا أو اليونان، ليجد نفسه على متن قارب خشبي في عرض البحر المتوسط. وتنتهي غالبية هؤلاء إما مرحلين من أوروبا، أو في نعوش بعد العثور على جثثهم الغارقة. وتشير احصاءات وزارة الداخلية الى أن 16 ألف شاب مصري هاجروا بطرق غير شرعية خلال السنوات الخمس الماضية، واعادت الحكومات الاوروبية ترحيلهم إلى مصر. لكن الطريقة الأحدث ابتكاراً على صعيد الهجرة غير الشرعية محاولة الوصول الى الولاياتالمتحدة الاميركية لتحقيق حلم العمل والإقامة هناك، عن طريق السفر إلى كوبا. ورغم تحذيرات وزارة الخارجية من مغبة هذا الأسلوب الذي يكلف المواطن المصري ما لا يقل عن 15 ألف جنيه مقابل الحصول على تأشيرة سفر وتذكرة طائرة إلى كوبا، وهي الرحلة التي غالباً ما تنتهي بإعادة ترحيله إلى مصر، إلا أن الكثيرين ما زالوا يسعون إلى تحقيق هذا الحلم. ويشير منظر الوجوه الواجمة في قاعات الاستقبال في مكاتب"الحاق العمالة المصرية بالخارج"في شارع القصر العيني بوسط القاهرة الى الشروط البالغة الصعوبة والفرص الضئيلة التي تواجه الساعين الى فرصة في الخارج، فضلاً عن المصاريف والعمولات التي لا بد من دفعها. وهو ما يدفع بالكثيرين من الشباب المصري الى البحث عن عمل بسبل غير شرعية، إما على متن قارب خشبي في عرض البحر، أو بعقد عمل غير رسمي أو تأشيرة مزورة بدقة. وقبل أيام 3 حزيران /يونيو الجاري ألقي القبض على طبيب مصري يدير شركة وهمية لتسهيل سفر شباب عدد من القرى في محافظة البحيرة من الباحثين عن مخرج من أزمة البطالة الطاحنة، في مقابل ثلاثة آلاف دولار من كل شاب، وهو مبلغ يكون في العادة عبارة عن"تحويشة العمر"، واذا عجز عن تأمين المبلغ يلجأ الى اقتراض حاجته من الأهل والجيران. ويبدو أن هذا الطبيب سار على هدى غيره من أصحاب شركات بيع الوهم ممن تخصصوا في اصطياد الشباب العاطل عن العمل والراغب في تحسين مستوى دخله، من خلال اقتناص اي فرصة في الخارج. ولا تخلو صفحات الحوادث والجرائم اليومية في الصحف المصرية من أخبار هذه الشركات. وبين تأشيرات العمل بالصيد للمصريين التي تم وقفها في اليونان، والاتفاقات الأمنية بين الحكومة المصرية ودول الاتحاد الأوروبي لوقف الهجرة غير الشرعية، ومشكلة العمال المصريين المحكوم عليهم بالإعدام في ليبيا، والأخبار اليومية عن شركات السفر الوهمي والتأشيرات المزورة وعقود العمل الوهمية، تجد الجهات المصرية المختصة نفسها في مواجهة صريحة مع ملف المصريين العاملين أو الآملين بالعمل في الخارج وما يحتويه من قضايا الفقر والبطالة وتردي مستويات العيش وحلم الخروج من"مقلاة الوطن"إلى"نار الغربة".