* لا يكاد يمر يوم واحد إلا ونسمع عن ضحايا جدد.. ماتوا غرقاً بسبب حلم السفر للخارج بطرق غير مشروعة.. فقد ظهرت منذ سنوات مشكلة الهجرة غير الشرعية.. كإحدى المشكلات الناجمة عن الفقر والبطالة التي تقتل الشباب المصري والعربي.. فمع كل دقة ساعة تتزايد أعداد العاطلين وتتفاقم المشكلة.. والأرقام تؤكد أن عدد العاطلين في مصر يفوق 6 ملايين عاطل.. معظمهم من خريجي الجامعات والمعاهد العليا والمتوسطة.. والمدارس الثانوية.. لذلك بدأ الشباب يتجه الى وهم السفر للدول الأوروبية بحثاً عن فرص عمل.. ووقعوا في براثن مافيا تهريب البشر الى الخارج خاصة الدول الأوروبية.. وقد أصبحت مصر أولي الدول العربية تصديراً للعمالة في المنطقة العربية.. حتى وصل حجم العمالة المصرية في الخارج الى 4 ملايين عامل.. وبالرغم من ذلك تعاني الحكومة من الهجرة غير الشرعية. فقد شهد مطار القاهرة في نهاية شهر ديسمبر من العام الماضي وصول 254 شاباً.. تم ترحيلهم على متن 3 طائرات خاصة قادمة من إيطاليا وليبيا بعد محاولتهم التسلل الى إيطاليا مروراً بليبيا. وقد قامت فرنسا مؤخراً بترحيل أكثر من 150 شاباً مصرياً بعد أن تسللوا اليها بوسائل غير مشروعة.. وقامت السلطات في كل من مالطة وإيطاليا بترحيلهم. وقد ضاع بعض هؤلاء الشباب وراحوا ضحية السفر غير المشروع الى إيطاليا.. في شهر فبراير العام الماضي غرق 42 شاباً في البحر المتوسط أثناء استقلالهم زورقا من ليبيا الى مالطة.. وفي نفس الشهر غرق 16 بحاراً مصرياً في الباخرة الىونانية (فيكي) وهم من قرية عزبة البرج في دمياط. وفي يونيو من نفس العام الماضي قامت السلطات الليبية بترحيل 130 شاباً مصرياً حاولوا السفر الى إيطاليا بطرق غير مشروعة.. بعد أن ضبطتهم السلطات الليبية أثناء إبحارهم للسفر الى أوربا بطرق غير مشروعة.. وقد أكد المرحلون وجود عصابات تعمل في أوساط العمال المصريين لحثهم علي الهجرة الى أوروبا مقابل 3 آلاف دولار عن كل فرد.. وانهم تجمعوا في عدة أماكن على السواحل الليبية واستقلوا عدداً من المراكب التي أبحرت بهم باتجاه الشواطئ الإيطالية.. إلا أن السلطات الليبيه ألقت القبض عليهم. التقينا ببعض الشباب الذين تم ترحيلهم من عدة قرى في محافظاتالدقهليةوالفيوم.. في البداية يقول خليل عبد الرحيم محمد (نجار مسلح): رغم أنني أعمل نجار مسلح وأتقاضى منها أجراً معقولاً وهو 20 جنيهاً في اليوم الواحد إلا أنني سمعت من أحد معارفي وكان عائدا من إيطاليا عن المرتبات والأجور الكبيرة التي يحصل عليها أصحاب المهن هناك.. حيث يصل الأجر اليومي الى ما يعادل 100 دولار فقررت السفر. وكانت الطريقة هي السفر الى ليبيا.. ثم ركوب أحدى البواخر الى سواحل إيطاليا.. وذلك نظير مبلغ 10 آلاف جنيه أدفعها للسمسار الذي سيتولى نقلي من ليبيا الى إيطاليا.. وبالكاد جمعت المبلغ بعد أن بعت كل ما أملك وأخذت نقود من أقاربي.. وبالفعل وصلنا الى إيطاليا وبعد شهر واحد فقط لم أستطع خلاله أن أعمل شيئاً قبض علينا ورحلوني مع بعض الشباب. أما خلف حسانين الحاصل على دبلوم التجارة فيقول: بعد حصولي على الدبلوم منذ عدة سنوات لم أجد عملاً مناسباً ففكرت في تجربة السفر للدول العربية.. لكني لم أجد عقد عمل فقررت السفر الى لبنان.. فدخولها ليس صعبا مثل دول الخليج.. كما يوجد بها فرص عمل كثيرة في مجال السياحة.. فعملت في إحدى الكافتيرات لكني تركتها بعد شهرين فقط لخلافي مع صاحبتها.. وعملت في محطة بنزين وتركتها بعد أن هددني زميلي بالإبلاغ عني لأني لم أحمل أوراق إقامة شرعية. نصب واحتيال ويكمل خلف ويقول: قررت أن أترك لبنان وأسافر الى اليونان ومنها الى فرنسا.. وعملت هناك في فرنسا بائع في سوبر ماركت.. كنت على وشك الزواج من فتاة تركية لكن قبض علي مع بعض المهاجرين الآخرين الذين يقيمون بطريقة غير شرعية وتم ترحيلنا. ويضيف محمد ياسين من أطسا الفيوم ويعمل مدرساً للغة العربية بمدرسة إعدادية: هناك الكثيرون من أبناء قريتنا يعملون الآن في إيطاليا بعد أن نجحوا في التسلل الى هناك عبر مياه البحر المتوسط من خلال سواحل ليبيا.. وأن شخصا هناك في طرابلس يدعي (صديق) هو الذي قام بتسفيرهم وقام أحد أقاربنا بإعطائنا رقم تليفونه.. حيث قمنا بالاتصال به عبر وصولنا الى طرابلس .. وأتفق معنا على الحصول على ألفي دولار.. وقمنا بالفعل بإعطائه المبلغ ومعه جوازات السفر وقام بنقلي ومعي 39 شخصاً آخرين من داخل سيارتين الى مدينة زواره الساحلية.. وهناك دخلنا إحدى الساحات وشدد علينا أن نكون جاهزين خلال ساعتين لركوب إحدى المراكب التي ستقوم بنقلنا الى السواحل الإيطالية.. ويضيف: انتظرنا حوالى 20 ساعة كاملة.. ولكن (صديق) النصاب لم يعد وأدركنا أننا وقعنا ضحية لعملية نصب كبيرة ولم نعرف ماذا سنفعل.. وفوجئنا بوصول دورية من الشرطة الليبية وقامت بإلقاء القبض علينا وأخذتنا بعد ضربنا الى السجن بمدينة " صبرانة " ثم قاموا بنقلنا الى سجن " مصراصة ".. وفي هذا السجن مسجونين من عدة جنسيات منهم من المغرب وتونس والصومال وتشاد وغانا. وقرى فقدت العشرات بل المئات من شبابها بسبب الهجرة غير الشرعية.. ففي قرية ميت ناجي التي فقدت 36 شاباً من شبابها مرة واحدة وهذه القرية التابعة لمركز ميت غمر بالدقهلية تعتبر من أكثر القرى شهره بسفر أبنائها الى إيطاليا.. وعدد سكانها 34 ألف نسمة معظمهم يحلمون بالسفر الى إيطاليا.. قالوا إن مزارعا بالقرية وشريكه استطاعا أن يحققا ثروة هائلة بعد عامين فقط من مزاولة هذه المهنة وهو سفر الشباب بطرق غير مشروعة الى إيطاليا.. حيث كانا يتقاضيان مبلغ 15 ألف جنيه من كل شاب.. يعطيان منها مبلغ ألف دولار الى المتعهد الليبي الذي يقوم بتجميع الشباب وتسفيرهم. مصدر أمني ويرى مصدر أمني مسئول أن الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد في الآونة الأخيرة.. أدت الى تفكير جموع كبيرة من الشباب في مغامرة السفر.. رغم أنها مغامرة غير محسوبة وغير مجدية.. إلا أن الحلم بالسفر يغري هؤلاء الشباب في السفر الى أوروبا لتحقيق طموحاتهم.. ويلجأ هؤلاء الشباب الطموح الى فرد يساعده في الحصول على عقد عمل بالخارج.. والسفر لأي دولة دون فحص موضوعي لهذه العروض وإمكانية تحقيقها.. وذلك تحت ضغط الفقر.. فيلجأ الى شخص منعدم الضمير يحقق له الأمل الواهي.. ومن هنا لجأت بعض العناصر الفاسدة المصرية بالاشتراك مع بعض العناصر العربية والأجنبية في بعض الدول الى عمليات نصب واحتيال منظمة.. توهم الشباب بجدية العروض التي تقدم اليهم والتي تخفي في طياتها عمليات احتيال.. بإيهام هؤلاء بإمكانية الحصول على فرصة عمل.. مما يجعل هؤلاء الشباب يقومون بجمع المبالغ التي يقدمونها لهؤلاء النصابين على طبق من فضة.. كل هؤلاء الشباب يمثلون ضحايا الظروف الاقتصادية القاسية. خبير اقتصادي ويقول الدكتور محسن الخضري.. الخبير الاقتصادي إن الشركات الوهمية التي تقوم بتزيف واصطناع موافقات للسفر للخارج عادة ما يكون رؤساء مجالس إدارة هذه الشركات يمارسون أعمال النصب على الراغبين في السفر للعمل بالخارج.. وبالتالى فإن هذا الأمر يحتاج الى رقابة مستمرة على هذه الشركات للتأكد من جديتها وأن تتم توعية المواطنين من خلال جهاز الإعلام بضرورة التيقن والتحقق من صحة الشركات التي يتعاملون معها.. الدكتور أحمد المجدوب مستشار المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية يؤكد أن من يلجأ للهجرة غير الشرعية لا تكون لديه الإمكانيات والخبرات والكفاءة الشخصية التي تمكنه من العمل الناجح في دول أوروبا وإلا كان قد سافر بطريقة مشروعة.. ومع ذلك تجده يجمع الأموال الكثيرة لكي يعطيها للسمسار الذي يخدعه وتتراوح ما بين 8 الى 15 ألف جنيه وربما أكثر ويدخل في مغامرة غير محسوبة للسفر الى أوروبا. ويوضح الدكتور المجدوب أسباب الهجرة غير الشرعية ويقول أن أولها هو تتدهور الظروف الاقتصادية في غالبية بلدان العالم الثالث التي يعاني سكانها شظف العيش ويفتقدون أبسط مقومات الحياة الإنسانية الكريمة. أما السبب الثاني الذي أدى الى ازدهار الهجرة غير المشروعة الى الغرب وهي القيود الصارمة التي وضعتها الدول الغربية في أوروبا والولايات المتحدة على دخول أولاد الدول الفقيرة اليها بالإضافة الى تحجيم أعداد المهاجرين الشرعيين وانكماش فرص العمل أمام الأجانب في البلدان المتقدمة. ويضيف الدكتور المجدوب ورغم إدراك هؤلاء المهاجرين الفقراء بأنهم يرحلون الى المجهول إلا أنهم يقبلون المجازفة بكل شيء ويقدمون على الرهان القاتل بحجة أنه لم يعد لديهم ما يخسرونه بعد أن فقدوا الحياة الكريمة وعاشوا في الفقر والبطالة.