ولد أبو الطيب أحمد بن الحسين المتنبي في الكوفة سنة ثلاثٍ وثلاثمئة في محلةٍ يقال لها كِندة وقدم الشام في صباه وبها نشأ وتأدب. ولقي كثيرين من أكابر علماء الأدب منهم الزجاج وابن السراج وأبو الحسن الأخفش وأبو بكر محمد بن دريد وأبو علي الفارسي وغيرهم وتخرج عليهم فخرج نادرة الزمان في صناعة الشعر ولم يكن في وقته من الشعراء من يدانيه في علمه ولا يجاريه في أدبه، وانما لُقِب بالمتنبي لأنه ادعى النبوة في بادية السماوة وهي أرضٌ بحيال الكوفة مما يلي الشام. ولما فشا أمره خرج اليه لؤلؤ أمير حمص نائب الأخشيد فاعتقله استتابه زماناً ثم وأطلقه، ولبث المتنبي بعد ذلك يتردد في اقطار الشام يمدح امراءها وأشرافها حتى اتصل بالأمير سيف الدولة علي بن حمدان العدوي صاحب حلب سنة سبع وثلاثين وثلاثمئة فحسن موقعه عنده وأحبه وقربه وأجازه الجوائز السنية وكان يجري عليه كل سنة ثلاثة آلاف دينار خلا الاقطاعات والخلع والهدايا المتفرقة. ثم وقعت وحشةٌ بينه وبين سيف الدولة ففارقه سنة ست وأربعين وثلاثمئة وقدم مصر ومدح كافوراً الأخشيدي فأجزل صلته وخلع عليه ووعده أن يبلّغه كل ما في نفسه. وكان أبو الطيب قد سمت نفسه الى تولي عمل من أعمال مصر فلما لم يرضه هجاه وفارقه في أواخر سنة خمسين وثلاثمئة وسار الى بغداد وفيها كانت له مع الحاتمي القصة المشهورة. ثم فارق بغداد متوجهاً الى بلاد فارس فمر بأرجان وبها ابن العميد فمدحه وله معه مساجلات لطيفة يشار اليها في موضعها من هذا الديوان. ثم ودّع ابن العميد وسار قاصداً عضد الدولة بن بويه الديلمي في شيراز فمدحه وحظي عنده. ثم استأذنه وانصرف عنه عائداً الى بغداد فالكوفة في أوائل شعبان سنة أربع وخمسين وثلاثمئة فعرض له فاتك بن أبي جهل الأسدي في الطريق بجماعةً من أصحابه ومع المتنبي جماعةٌ من أصحابه أيضاً فقاتلوهم فقتل المتنبي وابنه محمد وغلامه مفلح بالقرب من دير العاقول في الجانب الغربي من سواد بغداد. وكان مقتله في أواخر رمضان من السنة المذكورة. * من "العرف الطيب في شرح ديوان أبي الطيب" لناصيف اليازجي.