أود بدءاً أن أسجل امتعاضي من صيغة السؤال التوجيهية التواطوئية والمنحازة، معترفاً بأن هذه الصيغة التي احتج عليها، تنسجم في المحصلة مع موقفي الذي عبرت عنه قبل أعوام كثيرة في قصيدة"إعلان نوايا"، وجاء فيها:"وأنا اسألُ ربِّي/ لا تقابلني إذا جئتُ بوجهٍ مستعارْ/ وبشعْرٍ مستعار/ وبشعر مستعارْ/ وأنا أرفضُ تهريجَ أخينا المتنبي/ ورياءَ المتنبي/ ونفاقَ المتنبي/ ولجوء الملك الضليل والوغد امرئ القيسِ/ إلى أقرب غرْ بي/ نحنُ من نبعٍِ،/ ولكنّا افترقْنا .. من مصب .. لمصبِّ!". إذاً، ثمة اعتراض واضح على مسلكية المتنبي السياسية، بمدح ملوح الفرس ثم الهجاء المرير قبل جفاف مداد المديح، ومغازلة الأخشيدي والانقلاب عليه بلا رحمة وبلا تؤدة، ولجوء الملك الضليل امرئ القيس الى قيصر الروم أقرب غربي... وليس في ذلك اعتراض تاريخي مبدئي فحسب، بل فيه توبيخ للكُثر من الشعراء والشعراء الافتراضيين في زمننا هذا، الذين ينافقون ويستنسخون العشر والمسلكية استمالة لأسيادهم الجدد من طغاة العرب وأجلافهم أو من غزاة الغرب وعلوجهم، والذين حوّلوا ما يسمى بالساحة الثقافية العربية الى مكلف لا يشرف أحداً الانتماء إليه، لوفرة ما فيه من رياء ونذالة وصغار. ولي أن أخشى الخلط بين الموقف السياسي والقضية العشرية، فلا بدّ من التنبيه الى أن"حداثة"المتنبي وامرئ القيس من قبله، تظل أرقى وأنقى وأبقى من كل التهريج الحداثوي السائد في ما يسمى بالحركة الشعرية العربية، والتي هي في رأيي غير المتواضع، ليست حركة وليس شعرية وليست عربية! وأسأل الله أن يحمي لنا أبا الطيب المتني وامرأ القيس ورفاقهما من فطريات فطاريش الشعر، ومسوخ الكلام الشعروي الأشبه بزهور البلاستيك، وقطاريز الطغاة وغلمان الغزاة الذين يوهمهم نقادهم الأميّون بأنهم مبدعون كبار وعظام، وما هم في الحقيقة سوى زبد هرائي يذهب جفاءً، فلا يمكث في الأرض إلا ما ينفع الناس، ويبدو أن المتنبي وامرأ القيس، على علاتهما، أكثر نفعاً من"الشعراء المعاصرين الحداثيين"المستنسخين على طريقة النعجة دوللي... وبالمناسبة، ما أخبار دوللي؟! * شاعر فلسطيني