خلال زيارته الأخيرة للبنان سأل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، قادة الفصائل والمنظمات عن سبب اقتناء السلاح داخل المخيمات! وجاء الجواب المشترك بأن ظاهرة اقتناء السلاح داخل المخيمات وخارجها، بدأت بصورة شرعية عبر اتفاقية القاهرة 3-11-1969 التي سمحت بالعمل الفدائي المسلح في منطقة العرقوب. كما سمحت بإقامة معسكرات تدريب داخل المخيمات. وقال ابو مازن: ولكن هذه الاتفاقية سقطت بعد إقرار اتفاق الطائف الذي دعا الى حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم أسلحتها الى الدولة. وأبلغهم ان زيارته رسمت الخطوط العريضة لحل مشاكل اللاجئين داخل المخيمات، وقال ان الدولة وعدته بتشكيل مرجعيات أمنية واجتماعية بهدف التنسيق مع زعماء الفصائل. وقبل انعقاد القمة العربية في الرياض، قام رئيس حركة"فتح"فاروق القدومي بزيارة قصيرة لبيروت التقى خلالها الرئيس اميل لحود ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة. ولخص حصيلة اجتماعاته بالقول"انها جاءت في اطار العلاقات الأخوية، لتؤكد موقف القيادة الفلسطينية والشعب بأن الوجود الفلسطيني في لبنان هو وجود موقت، وبأننا لن نقبل التوطين في أي حال". وعبّر أثناء زيارته للسنيورة عن حرص المنظمات على أمن لبنان وعلى عدم التدخل في شؤونه. ومن الواضح أن زيارتي محمود عباس وفاروق القدومي، لم تساعدا على إحراز أي تقدم في موضوع السلاح الفلسطيني مع كل ما يقتضيه العمل بالقرار 1559 الذي ينص على نزع سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية. وحدث أثناء فترة الهدوء التي شهدت لقاءات الحوار بين جماعة 14 آذار و8 آذار، أن قام أمين عام"الجبهة الشعبية - القيادة العامة"أحمد جبريل، بجولة شملت زعماء الحكم والمعارضة. وكان الغرض منها مراجعة ملف العلاقات اللبنانية - الفلسطينية، ومعالجة موضوع جمع السلاح خارج المخيمات وداخلها. اضافة الى بحث مسألة الحقوق المدنية والاجتماعية التي تحرم الفلسطينيين من مزاولة 64 مهنة. وأيده في هذا الطرح رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الذي أعرب عن رغبته في إعادة النظر بالقوانين التي تمنع اللاجئين من مزاولة بعض المهن. ولكنه نصحه ألا يربط الملف الخاص بالعلاقات اللبنانية - الفلسطينية بالملف اللبناني - السوري، لئلا يصبح القرار الفلسطيني مرتهنا للقرار السوري. ومعنى هذا أن دمشق تبقى موجودة على الأرض اللبنانية من خلال 400 ألف لاجئ موزعين على 13 مخيماً. وربما أدى انتشارهم فوق مساحات كبيرة تغطي الساحل اللبناني وجزءاً من منطقة بعلبك، الى اعتبارهم قنابل موقوتة قادرة على زعزعة الأمن والاستقرار. وقد ازداد نفوذهم في لبنان عقب احداث الأردن سنة 1970 واضطرارهم الى الانتقال الى مكان آخر. وكان الرئيس حافظ الاسد يتوقع من عرفات الاستقرار في سورية على اعتبار أنها وفرت للمقاومة كل السلاح الذي تحتاجه أثناء انطلاقتها. ولكن ابو عمار فضل الانتقال الى لبنان كي يتفادى مراقبة دمشق والاذعان لإرادة قواتها. وقد استماله تعاطف السنّة معه، خصوصاً عندما أعلن زعماؤهم بأن المقاومة تمثل سلاح الحماية لهم ضد سائر الطوائف. وحاول الاسد مطلع الحرب اللبنانية انتشاله من هوة التهور، ومن مخاطر الادعاء بأنه يحكم لبنان، ولكنه لم يفلح. ويقول حلفاء عرفات انه كان يخطط لاستخدام لبنان كمنصة انطلاق، وكموقع آمن يحكمه بواسطة واجهة من أنصاره اللبنانيين. وبعد ثلاث زيارات لدمشق أيقن حافظ الاسد أن عرفات ماض في تحويل لبنان الى كوبا - شرق أوسطية حسب تعبير مناحيم بيغن وأن ذلك سيدفع اسرائيل للقيام بحرب خاطفة من أجل منع تحقيق هذا الحلم. ولإحباط الخطة التي تأجلت حتى سنة 1982، دخلت قوات الاسد الى لبنان في حزيران يونيو 1976 لتقوض نفوذ ابو عمار وتنشر نفوذها بواسطة خصومه. بعد توقيع اتفاق أوسلو ووفاة الرئيس حافظ الاسد واندلاع حرب العراق، تعرضت المنظمات داخل المخيمات الفلسطينية لعملية تغيير عميق، ان كان من حيث طروحاتها العقائدية، أم من حيث ولاءاتها السياسية. وأصاب هذا التغيير نفوذ المنظمات السياسية مثل"فتح"و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"و"الجبهة الشعبية - القيادة العامة"، في حين تنامى نفوذ الحركات الدينية مثل:"عصبة الأنصار"و"جماعة النور"و"أنصار الله"و"الحركة الاسلامية المجاهدة"و"جند الشام". يعترف سكان مخيم"عين الحلوة"، بأن تنظيم"عصبة الأنصار الاسلامية"احتل مكانة"فتح"خلال السنوات الخمس الماضية بحيث كان انتشاره مدوياً وسريعاً. علماً بأن مؤسسه هشام الشريدي بدأ فتحاوياً مثل غالبية زعماء الأحزاب الأخرى. ويتردد في المخيم أن تصفيته جاءت بقرار من"فتح"على أن يخلفه أبو محجن احمد السعدي. ولكن وريث زعامة العصبة اختفى منذ اتهامه باغتيال الشيخ نزار الحلبي، رئيس جمعية"الاحباش". وبسبب وجود 14 تنظيماً مسلحاً داخل هذه البقعة المتفجرة قرب صيدا، ازدادت عمليات الانتقام والتزاحم على كسب النفوذ. خصوصاً أن معيار القوة كان يستند الى عدد الضحايا والى درجات التسلط داخل المخيم وخارجه. وانسجاماً مع هذا المنطق اتهمت"العصبة"بأنها تقف وراء مقتل عدد من الضباط والقضاة اللبنانيين. كما اتهمت بمحاولات اغتيال بعض الوزراء خدمة لجهات خارجية وعدتها بالمكافآت المادية والسياسية. بسبب حال التسيب داخل المخيمات وخارجها، شقّ شاكر العبسي زعيم"فتح الإسلام"طريقه باتجاه مخيم نهر البارد. وهو يزعم أنه التحق بجيش التحرير الفلسطيني كضابط طيار، علماً بأن هذا الجيش لم يكن يملك إلا طائرة مدنية واحدة يستخدمها ابو عمار. كما يزعم ان"فتح"أرسلته الى نيكاراغوا سنة 1988 لمشاركة الثوار الساندينيين في نضالهم ضد الدولة. وبعد ثلاث سنوات عاد الى مخيم عين الحلوة لينقلب على عرفات ويلتحق بحركة"فتح - الانتفاضة"التي اتخذت من دمشق مقراً. ولدى سؤاله عن حقيقة دوره في اغتيال ديبلوماسي اميركي في عمان سنة 2002، انكر ضلوعه في تلك العملية، وقال انه سجن في سورية سنة 2002 حيث قضى سنتين وسبعة أشهر، بسبب تخطيطه لمهاجمة قوات اسرائيلية في الجولان. وعندما اعتقلت السلطات اللبنانية اربعة عناصر سورية عقب حادث تفجير حافلتين قرب بكفيا، اكتشفت انهم ينتمون الى تنظيم"فتح الإسلام". وبسبب هذه العلاقة أعلنت جهات لبنانية أن شاكر العبسي خرج من السجن في سورية، كعميل مبرمج بدأ بمئتي عنصر وانتهى بخمسمئة. ومن المؤكد أن الأموال التي كان يفتي بضرورة سرقتها، ساعدته على استمالة عناصر من مخيمات أخرى. كما أن العرض الانتحاري الذي قدمته مجموعته في أهم شوارع طرابلس، اعتبر بمثابة حملة إعلامية دلّت على إظهار المبالغة في التفاني من أجل قضية مجهولة لا يعرف سرها إلا حشاشو الحسن الصبّاح. وربما نستنتج من مؤتمره الصحافي الأول يوم ظهر أمام المخيم مع حراسه الملثمين، ان شاكر العبسي كان يسوق قضية غير موجودة. قال:"نحن لسنا بصدد مواجهة مع الدولة اللبنانية، ولم نأت الى هنا كي نكون مع جهة ضد أخرى. انما جئنا لندافع عن أنفسنا وعن أهدافنا". ووجد وليد جنبلاط صعوبة في ترجمة هذا الكلام الهوائي الى واقع، لأن الدفاع عن القضية يبعد مسافة تزيد على المئتي كيلومتر عن حدود فلسطينالمحتلة. ويبدو أن عبارة أبو اياد ما زالت قائمة:"طريق تحرير القدس تمر في جونيه". واليوم صارت تمر في نهر البارد. أجمعت الصحافة العربية والغربية على انتقاد الاستخبارات اللبنانية لأن قوات الأمن وقوى الجيش تحركت من دون معلومات أو من دون رؤية واضحة عن العدو الذي نصب لها كمائن في مواقع مختلفة. وقد يبدو هذا العجز منطقياً في ظل انفراط دولة كانت تعتمد في استخباراتها على ما تقدمه لها الاستخبارات السورية. ولكن حال الدولة التي تتعرض يومياً لقصف مدفعية 8 آذار، لا يعفيها من مسؤولية زج عناصر الجيش في معركة حدد شاكر العبسي زمانها ومكانها. عقب إخلاء مخيم نهر البارد من سكانه، ظهر عجز الدولة والمعارضة على الاتفاق حول القرار السياسي: هل من الواجب إرسال شرطة"الكفاح المسلح"من مخيم"عين الحلوة"لتنفيذ قرار الحكومة اللبنانية، على اعتبار أنه لا يحق للجيش اقتحام المخيمات؟ أم أنه من واجب الجيش وحده حماية أمنه وأمن النظام الذي اؤتمن على سيادته، خصوصاً أن المعركة لم تنشب داخل المخيمات، بل في الشوارع العامة؟ التأخير الذي حصل قبل اتخاذ القرار النهائي لم يكن نابعاً من قناعة وطنية وانما من مصلحة ذاتية لقياس ردود الفعل. ذلك ان الطامحين الى وراثة الرئيس اميل لحود بدأوا يفكرون بالمكاسب السياسية وما إذا كان قائد الجيش سيجني الثمار في حال نجح في مهمته؟ بينما تحفظ"حزب الله"و"حماس"خشية أن تنجح هذه السابقة، وتصبح القوات النظامية الشرعية هي عامل الحسم الوحيد بالنسبة الى الخلافات القائمة في لبنان وغزة. ومع أن الدستور يعطي مجلس الوزراء كل الحق لاختيار القرار وتنفيذه، إلا أن المراقبين يتخوفون من أن يكرر فؤاد السنيورة دور المرحوم الرئيس سليمان فرنجية في معركة 1973، أي المعركة التي نفستها ضغوط السفراء العرب الذين حملوا عجز دولهم وتخاذلها وألقوهما في ساحة قصر بعبدا. وهذا ما فجر حرب 1975... * كاتب وصحافي لبناني