ربما كان جورج بوش هو المسؤول الوحيد في ادارته الذي صدّق أن لدى صدام حسين أسلحة دمار شامل وعلاقة مع القاعدة، وخاض الحرب على هذا الأساس، غير أن عصابة الحرب بقيادة ديك تشيني ودونالد رامسفيلد كانت تعرف الحقيقة، وقد لفقت معلومات استخبارات بديلة لتبرير الحرب، مع اختلاف الأسباب بين أركان العصابة، فنائب الرئيس ووزير الدفاع في حينه كانا يسعيان لإنشاء امبراطورية أميركية، وجني بعض الفائدة الشخصية، عبر شركات وصداقات، والمحافظون الجدد من اليهود الأميركيين المتطرفين كانوا يريدون تدمير العراق لحماية أمن اسرائيل، والكل كان يريد النفط. وعندما زار تشيني بغداد قبل أيام طالب مرة أخرى بإقرار قانون النفط الذي تزداد المعارضة له. موضوعي اليوم هو النفط العراقي، أو قانون النفط والغاز في بلد تقول وزارة الطاقة الأميركية عنه إنه يملك احتياطياً أكثر من 115 بليون برميل، ويقول الخبراء إن احتياطيه أكبر بكثير إلا أن حروب صدام حالت دون اجراء عمليات استكشاف كبرى في ربع القرن الأخير، وهكذا فالأرجح أن العراق هو ثاني بلد في العالم بعد السعودية في المخزون النفطي. كانت لجنة مؤلفة من ثلاثة خبراء عراقيين بارزين هم طارق شفيق وفاروق القاسم وتامر الغضبان أنجزت وضع مسودة قانون النفط والغاز في 15 شباط فبراير الماضي، ورفعته الى الحكومة العراقية التي أقرته. ورحبت ادارة بوش بالقانون بحرارة، وتوقعت اقراره بسرعة، فقد كان من علامات الطريق، أو الشواهد التي طلبت من حكومة نوري المالكي تحقيقها. غير أن موافقة البرلمان تأخرت بعد قيام خلاف كبير على النصوص بين الحكومة والأكراد والسنّة، مع تحفظ جماعات شيعية. ووعد وزير النفط حسين الشهرستاني بأن يُقرّ القانون في نيسان ابريل إلا أن الشهر مضى من دون موافقة، على رغم الضغوط الأميركية. وأصيب القانون بنكسة عندما أعلن طارق شفيق الذي شارك في كتابة مسودته أنه لم يعد يستطيع الموافقة عليه بعد التنازلات التي قدمتها الحكومة الى الأكراد في مفاوضاتها معهم، فهي في رأيه أضعفت الهدف المحوري للمسودة الأصلية التي جعلت سياسة ادارة موارد النفط موحدة ومتوازنة تديرها السلطات الاتحادية، ليس فقط في التشاور مع سلطات الأقاليم والمحافظات المنتجة للنفط، بل في مشاركتها. وقرأت ان فاروق القاسم أصبح يعارض القانون الآن، للأسباب نفسها على الأرجح. في رأي الخبراء جميعاً ان الأقاليم والمحافظات لا تملك الخبرة والمؤسسات لعقد اتفاقات نفطية، غير أن الأكراد يصرون على حقهم في عقد مثل هذه الاتفاقات، وقد عقدوا أخيراً اتفاقين مع شركتين تركية ونروجية لتطوير حقلي نفط اكتشفا أخيراً، إلا أن الوزير الشهرستاني قال إن كل اتفاق يعقد قبل اقرار قانون النفط والغاز لاغ. ورد الناطق بلسان الحكومة الكردية الإقليمية خالد صالح مصراً على حق الأكراد في عقد مثل هذه الاتفاقات. إذا كان للعراق أن يقف على قدميه من جديد فالنفط هو الأساس، ولعل القراء لا يزالون يذكرون كيف توقع بول وولفوفيتز، نائب وزير الدفاع في حينه، أن يغطي دخل العراق من النفط نفقات الحرب والتعمير، وطارت مئات بلايين الدولارات من دون اصلاح قطاع النفط. انتاج العراق سجّل أعلى حد له سنة 1979 عندما بلغ 3.7 مليون برميل في اليوم، وتراجع في الثمانينات الى 2.6 مليون برميل في اليوم، ثم هبط بعد الاحتلال الى 1.95 مليون برميل في اليوم، أي أقل من الهدف الموضوع، وهو 2.5 مليون برميل، مع العلم أن الحكومة العراقية كانت حددت هدفاً للانتاج هو 3.1 مليون برميل في اليوم، وهو هدف غير واقعي، مع استمرار العنف، ومع سرقة جزء كبير من الانتاج في الشمال والجنوب، وانتشار الفساد، وعدم وجود عدادات تسجل كميات النفط التي تمر عبر الأنابيب أو في الناقلات. لو كان العراق يعيش حالة سلم الآن مع نفسه ومع جيرانه لكان دخله النفطي يمثل 70 في المئة الى 80 في المئة من الناتج العام، وفي حين أن أساس القانون الجديد موجود في المادة الأولى منه التي تقول ببساطة"إن ملكية النفط والغاز تعود لكل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات"غير أن الشيطان يكمن في التفاصيل كما يقولون، ولا اتفاق بعد على الحقول التي تقع تحت سلطة الحكومة المركزية والحقول التي يمكن للأقاليم والمحافظات أن تتفاوض عليها بموافقة الحكومة. والخبراء يقولون إن هذه العلاقة في حاجة الى درس في ضوء دستور 2005. الوضع معقد بقدر ما هو مهم، والأكراد مصممون على حقهم في عقد اتفاقات نفطية مع شركات أجنبية، وقد هددوا بمعارضة القانون الجديد اذا حرمهم هذا الحق، ولهم في البرلمان 58 نائباً من أصل 275 نائباً، ولا يستطيعون وحدهم تعطيل الإقرار. غير أن المعروف ان كتلة النواب السنّة تعارض البحث في القانون مع استمرار التدهور الأمني، وأن بعض النواب الشيعة غير متحمس للقانون، لذلك لا أرى فرصة لإقراره من دون تغيير بعض اللاعبين الأساسيين مواقفهم المعلنة. ما أعرف خارج نطاق أي خلاف عراقي - عراقي هو أن إدارة بوش، وتحديداً نائب الرئيس وجماعته، سعت من البداية، بل قبل إرهاب 11/9/2001، والحربين اللتين تبعتاه على افغانستان ثم العراق، الى فتح أسواق النفط في الشرق الأوسط أمام الشركات الأميركية وطالبوا الإدارة بأن تكون هذه سياستها، وجاء الإرهاب ليعطي العصابة فرصة تنفيذ مخططاتها بحجة الحرب على الإرهاب. لست خبيراً في النفط، أو في قوانينه، إلا أنني أتابع السياسة العربية والدولية كجزء من عملي، وسأكمل غداً متوكئاً على آراء الخبراء في مراجعة قانون النفط والغاز العراقي.