لم تكن عودة السفير السعودي لدى لبنان عبدالعزيز خوجة الى الرياض مفاجئة، بل تأتي، بحسب مصادر سياسية في بيروت، في اطار اطلاع القيادة السعودية على نتائج جولة المشاورات التي أجراها أخيراً مع رؤساء الجمهورية اميل لحود والمجلس النيابي نبيه بري والحكومة فؤاد السنيورة والوزيرين عضوي"اللقاء النيابي الديموقراطي"مروان حمادة وغازي العريضي للوقوف على آخر الأفكار المطروحة كمخرج من الأزمة والعودة بلبنان الى الاستقرار السياسي. وعلى رغم أن السفير خوجة العائد ليل الأحد الماضي من الرياض لم يبقَ في بيروت أكثر من 36 ساعة أمضاها في عقد لقاءات مع قيادات الأطراف المعنيين بالأزمة الراهنة والأفكار المطروحة لتسويتها، ليغادر بعدها الى الرياض في زيارة قصيرة، فإنه رغب في استكشاف الأجواء اللبنانية لمعرفة ما اذا كانت المواقف بعد انعقاد القمة السعودية - الايرانية بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس محمود أحمدي نجاد تبدلت في اتجاه المواقف على قواسم مشتركة يمكن أن تسرّع انهاء الأزمة أو أنها ما زالت على حالها. وفي هذا السياق علمت"الحياة"من مصادر في الأكثرية وأخرى في المعارضة أن الأجواء الايجابية لم تنعكس كما كان متوقعاً على الساحة اللبنانية إذ أن طرفي النزاع يرفضان تقديم أي تنازلات لمصلحة التفاهم على تسوية متوازنة لحل الأزمة وأن ما سمعه من بري في زيارته الأخيرة له لم يختلف عما كان سمعه منه في السابق أي قبل انعقاد القمة السعودية - الايرانية. وأكدت المصادر نفسها أن بري يتمسك بتمثيل المعارضة ب 11 مقعداً في الحكومة الجديدة في مقابل 19 مقعداً للأكثرية، معتبراً أن التوافق على هذا المبدأ سيدفع حتماً في اتجاه تجاوز الاشكالات لإنشاء المحكمة الدولية من خلال تشكيل لجنة مشتركة تدرس الملاحظات الموضوعة من المعارضة على مشروع انشائها مع أن هذه الملاحظات ما زالت سرية وترفض المعارضة أن تفصح عنها من دون الحصول على موافقة الأكثرية على اعطائها الثلث الضامن في حكومة الوحدة الوطنية. ولفتت المصادر الى أن بري، وإن كان يلوح بضرورة اجراء انتخابات نيابية مبكرة، فإنه ليس في وارد الدخول في معركة من أجل اقرارها وإن استنباط مثل هذه الفكرة يأتي بناء لرغبة"حزب الله"من أجل استرضاء حليفه زعيم"التيار الوطني الحر"العماد ميشال عون. وأشارت هذه المصادر الى أن بري يشجع على الذهاب الى المملكة العربية السعودية ليأتي اعلان الحل من الرياض، وأنه يرى بالتالي أن موافقة الأكثرية على اعطاء الثلث الضامن في الحكومة للمعارضة ستؤدي الى انجاز الحل في غضون أيام خصوصاً وأن هناك امكاناً للتفاهم على الملاحظات على مشروع المحكمة الدولية في أقل من يومين. وأكدت أن خوجة الذي كان نقل الى لحود رغبة المملكة العربية السعودية في أن يذهب لبنان بوفد موحد الى القمة العربية، استمع الى بري وهو يطرح الأفكار التي تراها المعارضة ضرورية وكأساس للحل، من دون أن يكون حاملاً معه، كما أشيع، أي أفكار... لا سيما بالنسبة الى ما تردد من أن الرياض توافق على اعطاء المعارضة الثلث الضامن في الحكومة. وإذ استغرب خوجة أن تنسب اليه أفكار لا علاقة له بها، ولم يحملها معه من السعودية أو يقلها في الاجتماعات التشاورية التي يعقدها في بيروت مع قيادات في الأكثرية والمعارضة، فإنه حرص في المقابل على أن يطرح ما سمعه من بري على الرئيس السنيورة والوزيرين حمادة والعريضي. وكان رد السنيورة وحمادة والعريضي استغرابهم تقديم مسألة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية على المحكمة الدولية، إضافة الى رفضهم اعطاء الثلث الضامن أو المعطل للمعارضة. ونقلت المصادر عن الأكثرية استغرابها محاولة البعض في المعارضة نسب أفكاره الى قوى 14 آذار وبالتالي ادعاء موافقتها على الثلث الضامن خلافاً لما كانت أبلغته للسفير خوجة، ليبادر هذا البعض لاحقاً الى ترويج أن رئيس"اللقاء النيابي الديموقراطي"وليد جنبلاط ورئيس الهيئة التنفيذية ل"القوات اللبنانية"سمير جعجع يقفان وراء تراجع الأكثرية عن وعد قطعته على نفسها بالموافقة على الثلث الضامن. وتوقفت المصادر أمام حملة قوى في المعارضة على جنبلاط وجعجع معتبرة أنها ترمي الى الايحاء بأن الولاياتالمتحدة الأميركية ضغطت عليهما لإفشال الاتفاق حول الحكومة الجديدة. ورأت في الكلام الصادر عن السفير الإيراني في بيروت محمد رضا شيباني في هذا الخصوص تبنياً ايرانياً واضحاً لكل ما يقوله على هذا الصعيد حلفاء سورية في لبنان. وسألت المصادر عن أسباب إقحام المملكة العربية السعودية في النزاع الدائر في شأن الحكومة، وذلك من خلال مبادرة بعض القوى في المعارضة الى تسريب معلومات مفادها أن الرياض قالت كلمتها في الحكومة الجديدة وإنها مع اعطاء الثلث الضامن للمعارضة. وأعتبرت المصادر أن إقحام السعودية في مسألة الحكومة من ناحية، واستمرار تسليط الأضواء على جنبلاط وجعجع وتقديمهما للرأي العام على أنهما وراء اسقاط اتفاق الأكثرية والمعارضة يأتيان في اطار التحضير لحملة سياسية ضد الأكثرية بذريعة انها فوّتت الفرصة على اللبنانيين للخروج من الأزمة وبناء لأوامر صادرة عن واشنطن. وكشفت أن المشاورات في السابق كانت انتهت الى التوافق على صيغة مركبة لتشكيل حكومة وحدة وطنية تقوم على قاعدة لا غالب ولا مغلوب ويكون في مقدور الأكثرية التعامل معها على انها صيغة متوازنة في مقابل تأمين حفظ ماء الوجه للمعارضة، وقالت إن هذه الصيغة تنطلق من الاقتراح الذي كان تقدم به الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى على أساس 19 للأكثرية و 10 للمعارضة و"وزير ملك"يتم التفاهم عليه. وأوضحت أن الوسطاء أبدوا كل استعداد للتدخل بغية الضغط لعدم الاختلاف على اسم"الوزير الملك"لكن الصيغة اسقطت بسبب اصرار"حزب الله"على الثلث الضامن وتمسكه بإجراء انتخابات نيابية مبكرة مراعاة للعماد عون إضافة الى ربط دمشق موافقتها على انشاء المحكمة بانتهاء التحقيقات في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ورأت أن محاولة المعارضة التمييز بين موقف رئيس كتلة"المستقبل"النائب سعد الحريري وموقفي حليفيه جنبلاط وجعجع أصبحت مكشوفة ولم تعد قابلة للتسويق خصوصاً أن الأكثرية تسأل المعارضة ماذا قدمت لآل الحريري لجلاء الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الحريري. واعترفت المصادر بأن التفاؤل ما زال يراوح تحت سقف المواقف السياسية من دون أن يترجم الى خطوات عملية، فيما أكدت مصادر في 14 آذار ل"الحياة"أن المعارضة تريد مقايضة موافقتها على انشاء المحكمة بالثلث المعطل في الحكومة وأن لا شيء يضمن اجراء انتخابات الرئاسة في موعدها وأنها تخشى أن يستخدم هذا الثلث لوضع اليد على استحقاق انتخاب رئيس الجمهورية الجديد من خلال اصرار المعارضة على الزام الأكثرية بمرشح معين وإلا تلجأ الى الاستقالة من الحكومة ليدخل لبنان في فراغ دستوري.