المصالحة عنوان المرحلة الأميركية الجديدة في العراق. دعا اليها ووضع بعض أسسها السفير السابق زلماي خليل زاد، وتبنتها ادارة بوش. وكانت شعار مؤتمر شرم الشيخ، حيث جرت مقايضة بين التقدم في هذه العملية ومساعدة الحكومة العراقية في تثبيت سلطتها السياسية والعسكرية، والسماح لها بالانفتاح على الدول المجاورة، اي ممارسة بعض من سيادتها، بعد تفاهم واشنطن مع ايران وسورية على أمور كثيرة تتعدى المسألة العراقية الى الملفين الفلسطيني والنووي. وللمصالحة، مثلما تطرحها واشنطن، اسس كثيرة أهمها: تنازل الشيعة للسنة عن بعض"مكتسباتهم"، خصوصاً في الأجهزة الأمنية ووزارتي الداخلية والدفاع، وإقرار تشريعات في مقدمها قانون جديد للنفط يتيح للشركات الاجنبية، الاميركية خصوصاً، الاستثمار في العراق بشروط يصفها خبراء عراقيون بأنها جائرة، وغير موجودة في اي دولة نفطية، ويسمح للأقاليم الفيديرالية بتوقيع عقود مع هذه الشركات، من دون العودة الى الحكومة المركزية، وإعادة ضباط الجيش السابق الى عملهم، وإلغاء قانون اجتثاث البعث الذي ارتكبه بول بريمر في بداية الغزو. اي قراءة لبنود المصالحة وشروطها تؤكد ان الادارة الأميركية تسعى الى استثمار الواقع الذي خلقه الاحتلال، وتثبيته في نصوص وقوانين يضعها العراقيون أنفسهم، بعد إعادة النظر بالمحاصصة الطائفية والعرقية، بتنازل هذا الطرف أو ذاك. المهم المحافظة على نتائج الغزو وتكريس ارتباط العراق بالمصالح الأميركية، من خلال شركات النفط والسلاح والارتزاق التي نشرت الفساد والموت والدمار، من دون ان يطالها قانون، وهي تعمل بحماية كاملة من إدارة كذبت على شعبها وجيشها ومؤسساتها لتبرر الحرب. أبلغ تشيني المالكي، محذراً ان"صبر واشنطن بدأ ينفد"وعليه الإسراع في عملية المصالحة، مقتنعاً متوهماً بأن ذلك سيضع حداً للمقاومة ويتيح لإدارته الزعم بأنها حققت أهدافها، واصبح باستطاعتها سحب قواتها ومواجهة الديموقراطيين في الانتخابات الرئاسية المقبلة. المؤلم ان الزعماء العراقيين تجاوبوا مع الطرح الاميركي، فبعدما رحب طارق الهاشمي نائب الرئيس بتشيني وزيارته، أشاد بنتائجها، معتبراً ان تنفيذ شروطه ينصف السنة، في حين يدرس المالكي الطريقة الفضلى لتنفيذ الإملاءات الأميركية من دون ان يغضب حلفاءه في"الائتلاف". إن اياً من الزعماء العراقيين لم يفكر إلا بطائفته وكيفية إرضائها، من خلال زيادة حصتها في الحكومة. أما العراق الوطن وهويته فلا أحد يتحدث عنه، سوى قلة. لقد استبدلوا الدولة الموحدة بالطائفة المشرذمة. استطاع الهاشمي ان ينتزع لنفسه موقعاً داخل الحكومة وداخل الطائفة، بدعم أميركي، مستبقاً اي مصالحة قد تحصل مع الفصائل المسلحة وعليه اقناعها بزعامته وب"الانجاز". وعلى المالكي اقناع باقي الأحزاب الشيعية بضرورة التنازل عن بعض"المكتسبات"، ولن يكون ذلك سهلاً، فالخلافات تتصاعد داخل"الائتلاف"، خصوصاً بين تيار مقتدى الصدر و"المجلس الأعلى للثورة الاسلامية"بزعامة عبدالعزيز الحكيم. وحزب"الفضيلة"يستعد لخوض معركته للمحافظة على"مكتسباته"في البصرة. حمّل تشيني الحكومة العراقية مسؤولية التقدم في عملية المصالحة. وانتقل الى الدول المجاورة للترويج لها، واقناعها بدعم هذه"المسيرة"، ممنياً النفس والآخرين بهدوء سريع في العراق للتفرغ للنزاع مع ايران، عبر العراق، وانطلاقاً منه، بعد تحويله الى فيديرالية طوائف متصارعة، وتكريسه جبهة متقدمة للحرب على الارهاب. وهي حرب مفتوحة في الزمان والمكان. وشركات السلاح والمرتزقة مستعدة لخوضها. لا المكتسبات التي يطمح الهاشمي الى تحقيقها. ولا التنازلات التي سيقدمها المالكي تبني بلداً موحداً، والعكس صحيح، فهي تحقق أهداف الاحتلال الكثيرة وأوضحها السيطرة على النفط وإلغاء هوية العراق وتحويله الى بؤرة للنزاع الطائفي والمذهبي. المصالحة تكون بالاتفاق على برنامج وطني عابر للطوائف والمذاهب والأعراق، أما المكتسبات فإما تكون للجميع أو تتحول الى مصدر للفتنة.