عندما يبحر الانسان في خريف العمر، تنهال عليه الامراض من كل حدب وصوب. وأشارت الأنظار في السنوات الاخيرة بأصابع الاتهام الى عملية الأكسدة، التي تمهد الطريق أمام هذه الأمراض، نظراً الى ما تخلفه وراءها من مركبات كيميائية، همها الأول ضرب الخلايا وزعزعة استقرارها. وطبعاً فإن الجسم لا يقف مكتوف اليدين، فهو يملك ترسانة دفاعية لصد المركبات الكيميائية الحرة الشريرة، ويعتبر معدن السيلينيوم أحد أركان هذه الترسانة، إن لم يكم أهمها. اكتشف معدن السيلينيوم في العام 1817 على يد عالم كيميائي سويدي، إلا أن دوره في الجسم لم يلاحظ إلا مع حلول العام 1980. ويتواجد هذا المعدن في الجسم بكميات ضئيلة تقدر بين 3 و15 ملغ، ويلعب معدن السيلينيوم دوراً بارزاً في مناهضة الجذور الكيميائية الحرة المدمرة للخلايا، من خلال مشاركته وتفعيله لأنزيم مهم مضاد للأكسدة اسمه"غلوتاتيون بيروكسيداز". ويعمل السيلينيوم بالتناغم مع الفيتامين في الوقوف بالمرصاد للجذور الكيميائية الحرة. ويسهم السيلينيوم بفاعلية في تقوية الجهاز المناعي بحيث يجعله اكثر استعداداً لمواجهة العدوان الميكروبي، وفي هذا المجال قام باحثون بقياس عدوانية الفيروس المسبب لداء الانفلونزوا عند مجموعتين من الفئران: واحدة تعاني من نقص معدن السيلينيوم، أما الثانية فلا. وعند قراءة النتائج لاحظ المشرفون على الدراسة زيادة في شراسة الفيروس في فئران المجموعة التي تعاني من نقص المعدن المذكور، وهذا يدل الى أن نقص السيلينيوم يضعف جهاز المناعة فيصبح عاجزاً عن اداء مهامه في ردع العدوان الميكروبي فتصيب الفيروسات والجراثيم اهدافها بكل سهولة. ويقلل السيلينيوم من احتمال التعرض لخطر الاصابة بالسرطان خصوصاً سرطانات الكبد والثدي والقولون والبروستات. وهناك دراسات نوهت بأهمية معدن السيلينيوم في حماية الرجال من سرطان البروستات. ففي إحدى الدراسات وجد العلماء ان المستوى المنخفض لهذا المعدن يرفع من خطر التعرض لسرطان البروستات بمقدار أربع مرات، وبناء على هذا ينصح كل من تجاوز الستين من العمر ان يلقي نظرة على مستوى معدن السيلينيوم في دمه، ففي حال وجود نقص فيه يجب العمل على تداركه. ويقوم السيلينيوم بتنظيف الجسم من السموم، اذ انه يتحد مع المعادن الثقيلة السامة جاراً إياها لتنساب عبر البول الى الخارج كما يعمل السيلينيوم على تمييع الدم، وهذا له أثر طيب على القلب والأوعية الدموية، اذ يمنع من تكوّن الجلطات التي لها انعكاسات خطيرة على المصابين بها، هذا ان لم تكن قاتلة. كما يلعب السيلينيوم دوراً لا يستهان به في الاقلال من التعرض لامراض خطيرة مثل الايدز وأمراض الكبد المزمنة والمياه البيضاء في العين والتهابات المفاصل. ان نقص معدن السيلينيوم الطفيف في الجسم لا يعطي علامات صريحة لذا فهو نادراً ما يتم تشخيصه، لكن هذا النقص حتى ولو كان طفيفاً، فإنه يؤدي الى"بلبلة"كبيرة على صعيد الخلايا، فتحدث فيها تغيرات واستحالات خفية تسهم في تدميرها رويداً رويداً، معرضة إياها للإصابة بالهرم قبل الأوان. اما في ما يتعلق بالنقص الشديد لمعدن السيلينيوم، فإنه يؤدي الى اعتلال في العضلة القلبية، والى تقصف الشعر والأظافر، وحدوث تخديش في جلدة فروة الرأس والمعاناة من رائحة تشبه رائحة الثوم في الفم والعرق. ويشاهد نقص السيلينيوم اكثر ما يشاهد عند المسنين الذين يعانون من سوء التغذية والمدخنين والمعرضين للتلوث والنباتيين الذين يتبعون نظاماً غذائياً غير متوازن، وكذلك عند المصابين بأمراض كبدية وكلوية، والذين يعانون من داء التلزج المخاطي، وأيضاً لدى من يملكون حشوات سنية واسعة. أين يوجد السيلينيوم؟ يتواجد هذا المعدن الثمين في الأغذية مرتبطاً مع البروتينات سواء كانت حيوانية أو نباتية، ومن أهم الأغذية الغنية بالسيلينيوم: اللحوم والأسماك والبيض وفواكه البحر والكبد والبقول الجافة والفستق والجبنة والأرز والحبوب الكاملة.