تواصلا للحديث حول مضادات الاكسدة خلال العددين الماضيين نتطرق اليوم الى عمل مضادات الأكسدة الجماعي: فعلى الرغم من أن مضادات الأكسدة تعمل على حدة بكفاءة، إلا أن نتائج عملها تكون أفضل بالعمل الجماعي. ففي إحدى الدراسات قامت مجموعة من الباحثين من اسكتلندا بإعطاء 50 من الرجال خليطاً من مضادات الأكسدة يحتوي على 100 ملليجرام من فيتامين ج (C)، و400 وحدة دولية من فيتامين ه (E)، و25 ملليجرام من البيتاكاروتين، ثم أعطوا 50 رجلاً آخر حبوباً غير فعالة. وبعد عشرين أسبوعاً، وجدوا أنه في الرجال الذين تناولوا مضادات أكسدة أبقت خلايا الدم البيضاء التي تحارب الأمراض ثلثين فقط من تلف الحمض النووي الذي أبقت عليه الخلايا البيضاء عند الرجال الذين تناولوا حبوباً غير فعالة. وهذا اكتشاف مهم لأن تلف الحمض النووي يمكن أن يؤدي إلى ظهور السرطان. علاوة على ذلك، عندما تكون بصدد الحفاظ على عمل القلب فلا يوجد أكثر فعالية من فيتامين ج (C)، و ه(E) للقيام بهذه المهمة، وذلك ما أكدته دراسة أجراها المعهد القومي في بتسيدا- ماريلاند على الشيخوخة. فقد وجد الباحثون أن الاشخاص الذين تناولوا فيتامين ج (C) و ه(E) كل يوم قلت لديهم نسبة الوفاة بسبب أمراض القلب إلى النصف. بالإضافة إلى أن مضادات الأكسدة قد أظهرت يقيناً فاعلية ضد كل ما يهدد صحة الإنسان مثل أمراض القلب والسرطان، فهي مفيدة أيضاً في الوقاية من الأمراض الأقل وطأة مثل التهاب العضلات. فقد وجدت إحدى الدراسات أن الأشخاص الخاملين أغلب الوقت ثم فجأة يمارسون الرياضة بعنف قد يجدون راحة من ألم العضلات مع تناول أطعمة تحتوي على فيتامين ه حيث يبدو أن فيتامين ه يقلل من تلفيات الجذور الحرة التي تسبب التهاب العضلات . بقية الجنود: بالرغم من أن فيتامينيّ ج و ه والبيتاكاروتين هي مضادات الأكسدة التي خضعت للكثير من الدراسات، إلا أنها جزء ضئيل من الجيش الضخم من المركبات الوقائية التي توجد في الأغذية فعلى سبيل المثال: حمض الفا-ليبويك Alpha- Lipoic asid حيث يساعد هذا الحمض على معادلة تأثيرات الجذور الحرة على الجسم عن طريق تنشيط الوظائف المضادة للأكسدة لفيتامين ج (C) وفيتامين ه والجلوتاثيون (حمض أميني). وثمة فائدة إضافية لهذا العنصر الغذائي وهي أنه يؤمن الأداء الوظيفي السليم لأنزيمين أساسيين يحولان الطعام إلى طاقة. إن مركبات البرومنثوسيانيدين الأوليجوميرية OPCS اختصاراً ل Oligomeric Proanthocyanidins هي مواد توجد بشكل طبيعي في مجموعة من المصادر الغذائية والنباتية وهو فلافونات Flavonls تتمتع بقدرات قوية مضادة للأكسدة وتوافر حيوي ممتاز. وتفيد التجارب الإكلينيكية أن ال OPCS قد تصل فعاليتها إلى خمسين مرة اكثر من فعالية فيتامين ه وعشرين مرة اكثر من فعالية فيتامين ج. وبالإضافة إلى النشاط المضاد للأكسدة فإن OPCS تقوي الأنسجة الضامة وتصلحها، بما في ذلك التي توجد بالجهاز القلبي الوعائي، كما تلطف تفاعلات الحساسية والتفاعلات الالتهابية عن طريق الإقلال من إنتاج الهستامين. توجد مركبات OPCS في كافة أشكال الحياة النباتية ولكن أكبر مصدرين لها هما مستخلص لحاء الصنوبر ويسمى بيكنوجينول Pycnogenol ومستخلص بذور العنب. وقد كان البيكنوجينول هو أول مصدر تم اكتشافه من ال OPCS، وقد تم تسجيل طريقة استخلاصه في الخمسينات. ولذا فبالرغم أن البيكنوجينول هو الاسم التجاري لمستخلص لحاء الصنوبر، إلا أن هذا المصطلح يستخدم غالباً على سبيل التجاوز ليشمل جميع مصادر ال OPCS الأخرى أيضاً وأشهرها ما يستخلص من بذور العنب. بالإضافة إلى ذلك هناك الحمض الأميني المعروف باسم الجلوتاثيوم Glutathione وهو بروتين يتم إنتاجه في الكبد من ثلاثة أحماض أمينية هي السيستيين وحمض الجلوتاميك والجلايسين، ويعتبر الجلوتاثيون من مضادات الأكسدة القوية حيث يثبط الجذور الحرة ويحمي الخلايا من الإصابة بالتلف بسببها. كما أنه يساعد على حماية الجسم من الآثار المدمرة لتدخين السجائر والتعرض للإشعاع والعلاج الكيميائي للسرطان والسموم مثل الكحول. وهو مضاد قوي لسموم المعادن الثقيلة مثل الزئبق والرصاص والزرنيخ والكادميوم ويساعد في علاج أمراض الدم والكبد. كما يحمي الجلوتاثيون الجسم بوسائل عدة، فهو يقوم بمعادلة جزيئات الأكسجين قبل أن تتمكن من الأضرار بالخلايا. وهو يتعاون مع معدن السيلينيوم في صنع إنزيم يسمى الجلوتثيون بيروكسيداز الذي يقوم بمعادلة بيروكسيد الهيدروجين وهو يشكل أيضاً مكوناً لإنزيم آخر مضاد للأكسدة هو الجلوتاثيون – إس – ترانسفيراز وهو إنزيم واسع الطيف مزيل لسموم الكبد. ولا يحمي الجلوتاثيون الخلايا المفردة فقط ولكنه كذلك يحمي أنسجة الشرايين والمخ والقلب وخلايا جهاز المناعة والكليتين وعدستي العينين والكبد والرئتين والجلد من التدمير بسبب الأكسدة. وهو يلعب دوراً هاماً في الوقاية من السرطان، وخاصة سرطان الكبد. وقد يكون له تأثير مضاد للشيخوخة. ويمكن تناول الجلوتاثيون في شكل مكمل غذائي. ويمكن تنشيط إنتاج الجلوتاثيون في الجسم بتناول مكمل ( ن/ سيتيل سيستيين) أو ( ل- سيستين) بالإضافة إلى ( ل – ميثيونين ) وقد أظهرت الدراسات أن هذا قد يكون طريقة أفضل لرفع مستويات الجلوتاثيون من تناول الجلوتاثيون نفسه. كما أن هناك عشب الجنكة Ginkgoiloba والذي يعتبر من أكثر الأدوية العشبية مبيعاً في العالم وهو مضاد قوي للأكسدة ومعروف جداً بقدرته على تنشيط الدورة الدموية. وخلاصة هذا العشب يمكنها الوصول حتى إلى أضيق الأوعية الدموية من أجل زيادة توارد الأكسجين إلى القلب والمخ وجميع أجزاء الجسم الأخرى. وهذا بالطبع يساعد على أداء الوظائف الذهنية والذي يلعب دوراً كبيراً في الذكاء ولذا فقد سموه (عشبة الذكاء). كما أنه يساعد على تخفيف آلام العضلات، وعشب الجنكة يخفض ضغط الدم أيضاً ويثبط تجلط الدم وله تأثيرات مضادة للشيخوخة. وهناك معدنان مهمان جداً كمضادين للأكسدة وهما معدن الخارصين (الزنك) ومعدن السيلينيوم. فمعدن الزنك بالإضافة إلى خواصه كمضاد للاكسدة في حد ذاته، فإنه يعد أحد مكونات الإنزيم المضاد للأكسدة والمسمى سوبر أكسيد ديسميوتاز SOD ( Superoixide Fismutase). وهو ضروري أيضاً للمحافظة على امتصاص فيتامين أ. وتشمل الوظائف الهامة الأخرى لهذا المعدن تنشيط الصحة الغدية والإنجابية والوظائف الطبيعية لجهاز المناعة. لقد أثبتت الدراسات أن انخفاض مستوى الزنك في جسم الإنسان غالباً ما يصاحبه ارتفاع في مستوى النحاس لدى الأشخاص المصابين بأنواع عديدة من السرطانات. وفي دراسة أجريت عام 1981 اكتشف أن المرضى المصابين بنوع معين من سرطان الرئة قد بقوا أحياء مدة أطول من المتوقع عندما كان مستوى الزنك في دمائهم مرتفعاً، وقد لاحظ الباحثون أن المصابين بمرض الإيدز (مرض فقدان المناعة المكتسبة) يعانون من نقص في الزنك. وحيث أن الدراسات أثبتت أن العلاج بالزنك غير سام، وبما أن تأثيرات الزنك على الجهاز المناعي ثابتة وأكيدة، فقد اقترح العلماء استخدام الزنك لتقوية جهاز المناعة لدى مرضى الإيدز. ويقول بعض الأطباء: أن كثيراً من مرضاهم الذين يصابون بنوبات متكررة من التهاب الحلق ونزلات البرد لوحظ انخفاض في الإصابات بعد تناولهم لمكملات الزنك.