أخيراً ... وجد قصر "البارون إمبان" القابع في شارع العروبة في ضاحية مصر الجديدة، والذي يعد أحد أهم وأضخم قصور القرن العشرين في مصر،"جهة"تهتم بشؤونه وتحافظ على تراثه بعد إعلان وزير الثقافة ورئيس المجلس الأعلى للآثار المصرية فاروق حسني ضمه الى الآثار الإسلامية بعيداً عن هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة من دون التزام المجلس الأعلى بأية تعويضات مالية لصالح الهيئة، بعد أن ظل القصر ما يزيد على نصف قرن من الزمان مهملاً. ومن الأحداث التي ارتبطت بذلك القصر تنظيم حفلات ماجنة لمجموعة من الشباب أطلقت عليهم السلطات المصرية لقب"عبدة الشيطان"، وقد شغلت هذه القضية الرأي العام لشهور عدة في عام 1996 إلى أن هدأت وطواها النسيان. وعاش قصر البارون وضعاً من الإهمال الجسيم ونالت جدرانه وحديقته حالة التردي. وقبل عامين، في ظل احتفالات مصر بمئوية ضاحية مصر الجديدة، آل القصر إلى مصر بعد أن أبرمت الحكومة المصرية اتفاقاً مع ورثته بشراء هذه التحفة المعمارية مقابل منحهم قطعة أرض بديلة في القاهرة الجديدة ليقيموا عليها مشاريع استثمارية. يعود تاريخ القصر القابع على ربوة عالية تصل مساحتها لأكثر من 30 ألف متر مربع، إلى نهاية القرن التاسع عشر، وتحديداً بعد سنوات عدة من افتتاح قناة السويس، عندما رست على شاطئ القناة سفينة كبيرة قادمة من الهند، وكان على متنها آنذاك ثري بلجيكي يدعى ادوارد إمبان يحمل لقب بارون منحه إياه ملك فرنسا تقديراً لمجهوداته في إنشاء مترو باريس. كان إمبان مهندساً بارعاً، وكان صاحب عقلية اقتصادية فذة، ومن عشاق السفر والترحال، ولذلك انطلق بأمواله التي لا تحصى إلى معظم بلدان العالم. وعاش لسنوات في الهند وعشق الأساطير القديمة، الى أن اتخذ قراره بالبحث عن مكان تاريخي فوجد في مصر غايته عندما زارها نهاية القرن التاسع عشر واتخذ قراراً مصيرياً بالبقاء فيها وأوصى أن يدفن فيها. بدأ البارون البحث عن مقر دائم لإقامته واختار صحراء القاهرة، وعكف على دراسة الطراز المعماري الذي يريده لسكناه. وقرر شراء مساحة كبيرة من الأرض ليشيد عليها ضاحية هليوبوليس وذلك في عام 1905. وقد شكل البارون إمبان ونوبار باشا ابن رئيس وزراء مصر في ذلك الوقت فريقاً ضخماً من المهندسين المعماريين الفرنسيين والبلجيكيين لإقامة مبان على غرار الطراز البلجيكي، ولكن مع إضافة لمسات خاصة تميز الطراز المعماري الإسلامي. وتتراوح البنايات في هليوبوليس بين شقق سكنية تعلو المناطق التجارية ومراكز للتسوق ذات الطابع الواحد وفيلات متعددة الطوابق وحتى العديد من القصور. وصمم القصر مهندس فرنسي يدعى مسيو مارسيل وعرض التصميم في معرض في العاصمة الفرنسية عام 1905 وأعجب به البارون واشتراه ليكون من أولى البنايات التي زينت هذه الصحراء في عام 1907. وشيد القصر على الطراز الهندي، وتحمل شرفاته تماثيل على شكل أفيال وبه برج يدور على قاعدة متحركة دورة كاملة كل ساعة ليتيح لمن يجلس فيه أن يشاهد ما حوله من كل الاتجاهات. وكان الطابق الأخير من القصر هو المكان المفضل للمليونير البلجيكي ليحتسي فيه الشاي وقت الغروب. وأقام حول القصر حديقة غنّاء فيها زهور ونباتات نادرة، كما يوجد نفق يصل ما بين القصر والكاتدرائية العريقة كنيسة البازيليك في نهاية شارع العروبة، وهي الكنيسة التي دفن فيها البارون عام 1929. وبعد رحيل البارون تم الاحتفاظ بالقصر كما هو، ولم يعرف إلى من آلت ملكيته. ووصف أمين عام المجلس الأعلى للآثار الدكتور زاهي حواس القصر بأنه تحفة معمارية نادرة حيث يعد المثال الوحيد للعمارة الهندية الوافدة على أرض مصر ما يتطلب الحفاظ عليه من خلال ضمه إلى الجهة الأثرية المختصة باعتباره أثراً تاريخياً مسجلاً في عداد الآثار الإسلامية والقبطية وخاضعاً لقانون حماية الآثار لعام 1983. ومن جانبه قال مدير عام الآثار الإسلامية والقبطية في القاهرة والجيزة محسن سيد علي إن القصر شيد عام 1905 بعد ثلاث سنوات من العمل المتواصل ليظهر بهذا الطراز الفريد كواحد من أفخم وأضخم قصور القرن العشرين وبحيث لا تغيب عنه الشمس على مدار فصول السنة. ويتكون القصر من طابقين استخدم في بنائهما المرمر والرخام، وتزيّن مدخله مجموعة من التماثيل الرخامية والحجرية تمثل أشكالاً حيوانية وآدمية شبه عارية، كما يظهر في جانبه الشمالي برج ضخم مشيد من أربعة طوابق له سلم خشبي حلزوني، وتحيط بالقصر مساحة واسعة تصل إلى أربعة أفدنة تعبر عن فخامة التصميم.