فقد معرض أبو ظبي للكتاب، في انتقاله من باحة المجمّع الثقافي إلى مركز المعارض، القليل من طابعه الشعبي ومن إلفته الثقافية، لكنه اكتسب في الوقت ذاته طابعاً احترافياً، خصوصاً بعد تعاون إدارة المعرض مع معرض فرانكفورت في شؤون التنظيم والبرمجة. وزائر المعرض الذي افتتح قبل ظهر أمس يلحظ للفور الملامح الجديدة التي يتسم بها المعرض في دورته السابعة عشرة حتى ليخال نفسه في معرض أجنبي، نظراً إلى التنظيم الجديد الذي لم يعهده من قبل ويشمل طريقة عرض الكتب وتوزيع الأجنحة وغلبة اللغة الإنكليزية على معظم المنشورات. في السابق كان المعرض امتداداً للمجمع الثقافي وكانت مشاركة الدور فيه مجانية وكانت الندوات واللقاءات التي تحصل على هامشه تقام في المجمع نفسه. أما الآن فاختلفت الصيغة وبات الزائر يسمع"تأفف"بعض الناشرين العرب الذين أضحوا يدفعون مئة وخمسين دولاراً بدل استئجار المتر المربع الواحد في المعرض وهم يوقنون جيداً أن معرض أبو ظبي ليس حيّزاً تجارياً والإقبال عليه ليس شرائياً. هذا ما خبروه من قبل واعتادوا عليه. لكن إدارة المعرض لن تتخلى عن عادتها في شراء نسخ كثيرة من الكتب المعروضة ما يبرّد قلوب الناشرين ويخفف من شكاواهم. معرض احترافي إذاً وتبدو آثار معرض فرانكفورت واضحة في أجنحته وأروقته وخرائطه... مع أن موقعه الجديد ليس بقريب من قلب المدينة ومن الفنادق التي ينزل فيها الضيوف العرب وما أكثرهم. وهم فعلاً يصعب تعدادهم وقد وفدوا من بلدان وعواصم عالمية، ناهيك بالأجانب والمستشرقين الذين يشاركون في الندوات. ويلحظ الزائر وجوداً أجنبياً لافتاً، أوروبياً وآسيوياً، ليس فقط عبر الأجنحة الأجنبية وإنما من خلال الأشخاص الذين يتحدث معظمهم بالإنكليزية. أكثر من أربعين دولة تشارك في المعرض هذه السنة منها سبع عشرة دولة عربية، وعرض الكتب متاح بحرية ولا رقابة داخل المعرض شرط ألا تخرج الكتب المحظورة عربياً إلى المكتبات أو المؤسسات. هكذا يجد الزائر كتباً ممنوعة في بلدان عربية كثيرة ويستطيع أن يقتنيها جهاراً. وهذه بادرة تسجّل في مصلحة المعرض. وكالعادة ترافق أيام المعرض الثمانية ندوات ولقاءات تدور حول قضايا راهنة في عالم الكتاب والنشر والتسويق والترجمة من العربية الى الأجنبية والعكس، ناهيك بشؤون العولمة والحوار الحضاري والتسامح. وسيلتقي أدباء عرب مع مترجميهم وجهاً لوجه فيتناقشون في مسألة الترجمة ومشكلاتها. ومن الأدباء المشاركين: أدونيس، هدى بركات، أحمد العايدي، إبراهيم الكوني، ويلتقي الشاعر الهندي كاداميتان راماكرشينان مترجمه إلى العربية شهاب غانم. وتبدو الخطوة الجديدة التي حققها معرض أبو ظبي للكتاب في انتقاله من مرحلة أولى إلى مرحلة أخرى أشدّ احترافاً، جزءاً من مشروع ثقافي عام تسعى"هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث"الى ترسيخه وسيبلغ ذروته في تأسيس"لوفر الصحراء"الذي سيقام في أبو ظبي في السنوات المقبلة. وينتهز المكتب الإداري لجائزة الشيخ زايد للكتاب مناسبة المعرض ليوزّع غداً الاثنين الجوائز على الفائزين بها في حقوقها المختلفة محتفياً بهم وبالدورة الأولى للجائزة التي يبلغ مجمل مكافآتها نحو مليوني دولار. إلا أن السؤال الذي يطرحه الناشرون العرب: هل سيتوافد الجمهور الى المعرض في مركزه الجديد البعيد عن قلب المدينة؟