لا ريب في أن قول رئيس الجمهورية الإسلامية أحمدي نجاد إن "مؤامرة خارجية" وراء ارتفاع سعر الطماطم هو دليل على ضعف سيطرته على اقتصاد بلاده. ويستنجد نجاد بالسماء لحل"قضية اللحوم والدواجن. فزمام الامور أفلت من يديه. وفي إيران، بلغ التضخم 16 في المئة، بحسب الارقام الرسمية. ويثير ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاستياء العام والغضب العارم، وخصوصاً بين الفقراء الذين غرتهم وعود المرشح محمود أحمدي نجاد في أثناء حملته الانتخابية، في 2005. وفي 2006، وجه 150 نائباً من 290 نائباً، رسالة مفتوحة طالبوا فيها بخفض الإنفاق في القطاع العام، والتخفف من الاعتماد على عائدات النفط. وحذر حاكم المصرف المركزي من حجم التضخم. ودعا خمسون أكاديمياً الرئيس الى فتح اقتصاد البلاد أمام المستثمرين الاجانب، ورفع القيود عنه. وفي 21 كانون الثاني يناير 2007، تضاعف قلق الايرانيين غداة تقديم أحمدي نجاد موازنة سنوية تقضي برفع معدلات الإنفاق العام 20 في المئة. فالإيرانيون تساءلوا عن قدرة اقتصادهم على مواجهة العقوبات الاقتصادية المشددة. وعلى رغم العقوبات الدولية، لم ينكمش نمو الاقتصاد الايراني، وحقق الميزان التجاري فائضاً. ويعود الفضل في هذه المؤشرات الايجابية الى ارتفاع اسعار النفط. ولكن ديني بوشار، من المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية يخالف هذا التحليل المتفائل. فالقطاع الانتاجي الايراني مؤمم، ومعظم فروعه من القطاع العام. ومعدلات انتاجية هذا القطاع ضعيفة، وهو لا يخلق فرص عمل ولا يسدد ضرائب. وتحول الرسوم الجمركية المرتفعة دون منافسة المؤسسات الأجنبية المؤسسات الحكومية الجشعة، والطامعة بالمساعدات المالية. وتصدر طهران، يومياً، نحو ثلاثة ملايين برميل نفط. وعائدات التصدير هذه هي في مثابة بنك المساعدات الكبير. فإيران أنفقت كمية كبيرة من عائدات النفط، وهذه بلغت 55 بليون دولار في 2006، على مساعدات اجتماعية شملت تأمين المسكن والعمل والرز والقمح والدواء، وحتى وقود السيارات. والحق أن نظام الملالي لا يعتبر مداخيل النفط وسيلة لتطوير الاقتصاد والمجتمع، بل سندات سياسية مالية ووسيلة جباية ريع سياسي. فمن يوزع عائدات النفط، وهي بلغت نسبتها 11 في المئة من الناتج المحلي الخام في 2005، يكسب ولاء الناس، وهو ولاء زبائني. وجليّ أن أكثر المستفيدين من هذه الأموال - المساعدات هم سائقو السيارات. ففي إيران يبلغ سعر ليتر البنزين 8 أعشار اليورو، وهو اكثر الاسعار تدنياً في العالم! وتستورد ايران نحو أربعين في المئة من حاجتها الى النفط المكرر، وتتحمل خزينة الدولة خسارة الفرق بين كلفة الاستيراد من الاسواق العالمية المرتفعة وبين سعر بيع النفط المكرر المتدني. وسوق النفط السوداء مزدهرة بين ايران ودول جوارها. ويستفيد المزارعون، كذلك، من المساعدات العامة. فبحسب المصرف المركزي الايراني، بذلت الدولة الايرانية نحو بليوني يورو، في 2005، لمنتجي الرز واللحوم والألبان والاجبان والمزارعين مقابل خفضهم أسعار المواد الاستهلاكية. ولكن المزارعين، شأن تجار الوقود، صرفوا قسماً كبيراً من منتجاتهم في دول الجوار، وباعوها بسعر مرتفع. وأدت هذه التجارة الزراعية الى ارتفاع اسعار الخضار في الداخل، على خلاف ما اشتهت الحكومة. وعندما لاحظت الحكومة أن نفقات شراء الحامض ارتفعت، خفضت رسوم استيراد الحمضيات الجمركية على انتاج المنتجين المحليين. فخسر هؤلاء أرباحهم. ومنذ الاجتياح الاميركي في 2003، أصبح العراق سوق تصريف المنتجات الايرانية بامتياز. فطهران تصدر الى السوق العراقية الآلات الكهربائية والسيارات والسجاد ومعدات البناء والاسماك والبهارات والكتب. وشأن التبادل التجاري مع العراق توطيد العلاقات مع بلد الشيعة فيه 60 في المئة من السكان. ولا شك في أن اسلوب الملالي في إدارة الاقتصاد عوقت تحديث القطاعات الإنتاجية، بما فيها قطاع النفط. فمصافي تكرير النفط تسرب كميات كبيرة منه من النفط، وتهدر، تالياً، 6 في المئة من الانتاج النفطي. ولا تزال إيران عاجزة عن التزام"كوتا"منظمة الدول المصدرة للبترول أوبك. وقد يؤدي تقويم خلل الاقتصاد الايراني الى زعزعة أسس النظام كله. ويرسل نحو4 ملايين مغترب ايراني، ويعيش هؤلاء بأوروبا واميركا واسرائيل وغيرها من الدول، سلعاً غير متوافرة في السوق المحلية قيمتها مئات ملايين الدولارات، سنوياً. وفي طهران، يعلو صوت الموسيقى الاميركية المنطلقة من جهاز"آي بود"جهاز موسيقى متطور من التشادور النسائي. فالاقتصاد الموازي، أو غير الرسمي، مزدهر، ودور المرأة راجح فيه. وهو يقوض محافظة النظام الاسلامي الايراني. فالايرانيات يحتكرن سوق الثياب الداخلية وأدوات التجميل في البازار. والحق أن شرط استمرار هذا الاقتصاد الخفي هو محافظة أسعار النفط على ارتفاعها في السوق العالمية وعدم حظر التبادل التجاري مع ايران. ومن شأن تزامن العقوبات الاقتصادية الدولية المشددة والقاسية مع انخفاض سعر النفط، اخراج الغضب الايراني الشعبي من عقاله. ولكن هل يكون مصير إيران مشابهاً لمصير الاتحاد السوفياتي السابق؟ يحذر الباحث الجغرافي، روجر ستيرن من جامعة جونز هوبكينز الاميركية، من انخفاض عائدات النفط الايراني ونضوبها بحلول 2015، جراء ضعف الاستثمار في تطوير قطاع انتاج النفط. ويقول"ما يفعله الايرانيون بأنفسهم أفدح بكثير مما قد نفعله بهم". عن جان ميشال بيزات وإيف مامو، "لو موند" الفرنسية، 28 /3/ 2007