تدير الممثلة والمخرجة الفرنسية مورييل ماييت فرقة "لا كوميدي فرانسيز" المسرحية الوطنية الفرنسية العريقة في منتصف العام 2006، واعتبر الوسط الفني هذا الأمر بمثابة حدث استثنائي أقدم عليه وزير الثقافة الفرنسي رونو دونوديو دو فابر. فالفرقة المذكورة يديرها الرجال ولا أحد سواهم منذ تأسيسها في مطلع القرن السابع عشر. ومورييل ماييت عمرها 42 سنة وهي تمثل في السينما والتلفزيون والمسرح والتحقت بفرقة"لا كوميدي فرانسيز"كممثلة في منتصف الثمانينات من القرن العشرين، أي منذ أكثر من عشرين سنة، وشاركت في الأعمال الكلاسيكية وجعلت لنفسها سمعة ممتازة كممثلة ذات موهبة قادرة على التنويع في أسلوبها التمثيلي وفي نوعية الشخصيات التي تؤديها، اضافة الى توليها اخراج بعض المسرحيات. وبعد مضي عام على تسلمها مسؤولياتها الجديدة قررت مورييل ماييت ان تقدم على خشبة الصالة الفخمة التي تحمل اسم الفرقة ومقرها ساحة كولييت الباريسية الجميلة، إحدى مسرحيات الكاتب الفرنسي الراحل برنار ماري كولتيس وعنوانها"عودة الى الصحراء". وتسرد هذه المسرحية حياة عائلة فرنسية أقامت في الجزائر فترة طويلة قبل أن تعود الى الريف الفرنسي وتستقر فيه. وكان من الصعب عليها التخلص من العادات والتقاليد وطريقة التفكير والأسلوب المعيشي وعوامل أخرى مكتسبة في الجزائر والتأقلم مع الحياة على الطريقة الفرنسية، الأمر الذي سبب لأفرادها الكثير من المشكلات والصعوبات وأثار أسئلة في شأن المستقبل. في المسرحية شخصية عربية واحدة ارتأت المخرجة مورييل ماييت أن يؤديّها الممثل الفرنسي ميشال فافوري الذي لا يتكلم العربية وهو ذو جذور قبيلية من ناحية أمه. وتعلم فافوري العبارات القليلة التي عليه أن يتفوه بها بالعربية على الخشبة كل ليلة، وهو يؤديها على خير وجه لأنه من الممثلين الجيدين في فرقة"لا كوميدي فرانسيز"وذلك منذ سنوات طويلة. إلا أن الحكاية لم تعجب البتة فرانسوا كولتيس، شقيق المؤلف الراحل، الذي اتصل بمورييل ماييت وأكد لها أن شقيقه اذا علم بمثل هذا الأمر لمنعها من تقديم المسرحية، فهو كان يحترم كل البشر بصرف النظر عن جنسهم أو ديانتهم أو لون بشرتهم. وسألها عن سبب عدم لجوئها الى ممثل عربي بدلاً من ميشيل فافوري لأداء الدور العربي الوحيد في النص. وردت ماييت ان فرقة"لا كوميدي فرانسيز"لا توزع أدوار مسرحياتها على ممثلين من غير أعضائها الرسميين. وبما أنّ لا يتواجد بين هؤلاء أي ممثل عربي، كان لا بد من أن يؤدي الدور فنان فرنسي. ثم أضافت ان ميشال فافوري يمثل الشخصية بأسلوب مقنع لا جدال فيه. واستمر فرانسوا كولتيس في الدفاع عن وجهة نظره مؤكداً أن واجبه تجاه شقيقه الراحل يحتم عليه اتخاذ اجراء رسمي ضد الفرقة بتهمة عدم احترام النص المكتوب من حيث توزيع الأدوار، وطلب من مورييل ماييت تبديل الممثل فافوري بآخر عربي في شكل سريع، الأمر الذي رفضته المخرجة بشدة مدعية أنها كمديرة رسمية للفرقة، واضافة الى صفتها كمخرجة، مقتنعة باختيارها الممثل الصحيح في الدور الصحيح، وأكدت مرة ثانية انها عاجزة كلياً عن الاستعانة بفنان من خارج الفرقة. ولم يتمّ التوصل الى أي حل أو تنازل من أحد الطرفين وأصرّ كولتيس على عدم إدراكه سبب امتناع أكبر فرقة مسرحية في فرنسا عن استيعاب ممثلين عرب في إطارها، علماً أن السينما الفرنسية مثلاً تضم أسماء عربية مثل سامي بوعجيلة ورشدي زم وجمال دبوز وسامي ناصري وحميدو وسواهم من الفنانين العرب المقيمين في فرنسا والحاملين في أحيان كثيرة الجنسية الفرنسية، وهم في رأي فرانسوا كولتيس لا يقلون موهبة عن أي ممثل في فرقة"لا كوميدي فرانسيز". ورأت مورييل ماييت في النهاية أنّ من الأفضل توقيف المسرحية والغاء العروض المتبقية وكان من المفترض ان تستمر فترة طويلة، اضافة الى جولة كانت في المدن الفرنسية الريفية وفي مجموعة من البلدان الأوربية. وسيصل الأمر الى المحاكم والقضاء.