تنتج البرازيل الايثانول من قصب السكر منذ عام 1975 لاستخدامه وقوداً لسياراتها، فيما تنتج الولاياتالمتحدة هذا الوقود الكحولي من الذرة. وتستأثر هاتان الدولتان بنحو 90 في المئة من الانتاج العالمي، في حين بدأت بلدان اخرى مشاريع جدية لانتاجه قد يغني الوقود الحيوي عن كميات كبيرة من صادرات النفط، ولكن ثمة محاذير بيئية وأضراراً يجب التنبه اليها في عمليات انتاجه وتطويره ليصبح سلعة متداولة في السوق العالمية. وقَّعت البرازيلوالولاياتالمتحدة الشهر الماضي اتفاقية تعاون لتطوير تكنولوجيا الوقود الحيوي وتشجيع إنتاجه في بلدان أخرى ووضع مقاييس مشتركة لتجارة الايثانول. وفي جولة تفقدية لمصنع الايثانول التابع لشركة"بتروبراس"الحكومية خارج ساو باولو، قال الرئيس الأميركي جورج بوش والرئيس البرازيلي لويس ايناسيو لولا داسيلفا ان الجهد المشترك سوف يساعد في تنظيف البيئة العالمية وينتشل فقراء أميركا الجنوبية من الفقر. وعلى رغم رفض بوش طلب لولا داسيلفا بخفض التعرفة المفروضة على الايثانول البرازيلي الذي تستورده الولاياتالمتحدة، والبالغة 54 سنتاً على الغالون، انتقدت اتحادات المزارعين الأميركيين الاتقاقية مع البرازيل، قائلة إنها سوف تحرمهم من مساعدات حكومية هم بأمس الحاجة اليها. أحد معوِّقات تحوّل الايثانول سلعة عالمية واسعة الانتشار أن البرازيل هي المصدّر الرئيسي الوحيد الى السوق العالمية. لذا تخشى البلدان التي تفكر في الاستيراد أن تعتمد مزائج الايثانول في وقود النقل من دون تأمين مصادر تموينية أخرى. وستعمل البرازيلوالولاياتالمتحدة، بصفتهما المنتجين الرئيسيين للايثانول اذ تستأثران بنحو 70 في المئة من الانتاج العالمي، على جعل هذا الوقود الحيوي سلعة عالمية تبادلية من خلال وضع عقود وقواعد موحدة لصادراته. ويتوق لولا داسيلفا الى ترويج التجارة العالمية بايثانول قصب السكر البرازيلي، الذي هو أرخص ثمناً وأكثر كفاءة طاقوية ثماني مرات من ايثانول الذرة المصنوع في الولاياتالمتحدة. وفي الوقت نفسه، يريد بوش استبدال نسبة مئوية من بنزين الولاياتالمتحدة بايثانول الذرة لمساعدة المزارعين الأميركيين وتخفيف الاعتماد على النفط في آن، خصوصاً أن بلداناً"غير صديقة"، مثل فنزويلا وإيران، تعتمد على عائدات النفط. ويناصر معظم البيئيين استعمال الايثانول، لأن الغازات الكربونية المحتبسة للحرارة التي تنطلق منه عندما يحترق تمتصها نباتات جديدة. لكن المدير التنفيذي لبرنامج الأممالمتحدة للبيئة أخيم شتاينر يرى أن سوق الايثانول العالمية لن تخفض بالضرورة كمية ثاني اوكسيد الكربون المنبعثة في الهواء، ما لم تعتمد قواعد صحيحة لانتاج الوقود الحيوي وما لم تطوَّر تكنولوجيات مبتكرة لصنع الايثانول من مواد سلولوزية قاسية مثل الأعشاب وقش الذرة. وهو قال بعد لقاء مع الرئيس البرازيلي سبق اجتماعه مع بوش:"من المبكر جداً القول ان الايثانول سيساعد على إبطاء الاحتباس الحراري. نحن نشهد التوسع في انتاج هذا الوقود الحيوي في مناطق كثيرة من العالم، وما زلنا في المراحل الأولى لفهم ملابسات هذا التطور". ويجري خبراء أبحاثاً على النمل الأبيض ليعرفوا كيف يهضم العشب ليصنع السكر، وهي عملية قد تساعد في جعل ايثانول الذرة أكثر رفقاً بالبيئة. وفي الوقت الحاضر، يستهلك تسميد الذرة وتحويلها الى ايثانول كمية الوقود الأحفوري نفسها التي يوفرها تقريباً. أما ايثانول قصب السكر البرازيلي، الأكثر كفاءة، فقد يخسر هذه الميزة اذا احتسبت الكلفة والطاقة التي تستهلك لشحنه عبر البحار في ناقلات مسرفة بحرق الوقود. سوق عالمية للوقود الحيوي الوقود الحيوي، كالايثانول والبيوديزل، قادر أن يقلص اعتماد العالم على النفط. ففي عام 2005 تجاوز انتاجه 670,000 برميل في اليوم 79 مليون ليتر، ما يعادل 1 في المئة من السوق العالمية لوقود النقل. ومع أن النفط ما زال يشكل أكثر من 96 في المئة من هذه السوق، فان انتاج الوقود الحيوي يتزايد بوتيرة سريعة مع ارتفاع أسعار النفط واستجابة الصناعة والسياسات الحكومية الداعمة. والايثانول، الذي يتم انتاجه أساساً من قصب السكر والذرة، يشكل أكثر من 90 في المئة من مجمل انتاج الوقود الحيوي في العالم. أما البيوديزل المستمد من زيوت نباتية، فهو النوع الرئيسي الثاني من الوقود الحيوي، وقد قفز انتاجه عام 2005 بنسبة 60 في المئة. وجاء في تقرير حديث أصدره معهد"وورلد واتش"للأبحاث في واشنطن أن البرازيل أنتجت عام 2005 نحو 16,5 مليار ليتر من وقود الايثانول، اي 45,2 في المئة من المجموع العالمي، وبذلك تصدرت انتاج الوقود الحيوي. وجاءت الولاياتالمتحدة في المرتبة الثانية بانتاجها 16,2 مليار ليتر، أي 44,5 في المئة من المجموع. وقد هيمنت هاتان الدولتان على سوق الايثانول منذ ثمانينات القرن العشرين، واستأثرتا بنحو 90 في المئة من الانتاج عام 2005، ويقدر أنهما تنتجان الايثانول بأقل من الكلفة الحالية للبنزين. في المقابل، استأثرت أوروبا بنحو 90 في المئة من السوق العالمية للبيوديزل عام 2005. وأتت ألمانيا في الطليعة إذ أنتجت نحو نصف الحجم الاجمالي، لكن القدرة الانتاجية تنمو سريعاً في اسبانيا وايطاليا وبولونيا وبريطانيا. وعلى رغم أن الولاياتالمتحدة تحتل مرتبة أدنى، فان انتاجها تضاعف ثلاث مرات عام 2005. تصاعد انتاج الوقود الحيوي مؤخراً حفزته تطورات عدة. ففي الولاياتالمتحدة، يُمزج الايثانول مع البنزين بحيث يمكن التخلص تدريجياً من مادة MTBE السامة التي تضاف اليه. وفي أوروبا وكندا واليابان، يعتبر الوقود الحيوي وسيلة رئيسية للتقيد ببروتوكول كيوتو لتخفيف انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون. كما أن المزارعين ومصنعي المحاصيل الزراعية سعوا الى دخول أسواق جديدة في مواجهة انخفاض أسعار المنتجات الزراعية وتنامي الضغط الدولي لخفض الدعم الحكومي للمزارعين. وأدى تصاعد أسعار النفط الخام دوراً كبيراً. فمع تجاوزه عتبة الستين دولاراً عام 2005، أصبح انتاج وقود الايثانول أقل كلفة من البنزين في كثير من البلدان، حتى من دون الاعانات التي دعمت حتى الآن معظم برامج الوقود الحيوي. وفي البرازيل، ازدادت شعبية"السيارات المرنة في استخدام الوقود"Flex Fuel vehicles، التي تعمل على مجموعة من مزائج الايثانول والبنزين الرخيصة الثمن. وفي أنحاء العالم، تجذب هذه الصناعة الرابحة استثمارات جديدة لم يسبق لها مثيل، من رجال أعمال بريطانيين الى مستثمرين في وادي السيليكون معقل صناعة الكومبيوتر والالكترونيات في كاليفورنيا. وقد اعتمدت بلدان كثيرة مؤخراً برامج جديدة للوقود الحيوي، منها كندا والصين وكولومبيا وجمهورية الدومينيكان والهند وملاوي والفيليبين وتايلاند. هذه البرامج جذابة خصوصاً في البلدان الاستوائية التي لديها القدرة على انتاج ايثانول قصب السكر المنخفض الكلفة وزيوت استوائية مثل زيت النخيل. وعلى رغم الفوارق الاقليمية في تكاليف الانتاج، يتم الاتجار عالمياً بنحو 10 في المئة فقط من الايثانول. بالمقارنة، يعبر حدود البلدان المنتجة للنفط 50 في المئة من النفط الخام في العالم. هذا الوضع سببه الى حد بعيد التعرفات وتحديد حصص الاستيراد لمصلحة المنتجين الزراعيين المحليين في البلدان الصناعية، حيث يزداد الطلب على الوقود الحيوي. ارتفاع أسعار السكر يلفت تقرير"وورلد واتش"الى أن سوق الوقود الحيوي بدأت تؤثر على أسواق المواد الغذائية. ففي البرازيل، التي تتقدم دول العالم في انتاج السكر، يذهب نحو نصف محصول قصب السكر لانتاج الايثانول. وارتفاع الطلب على الايثانول مؤخراً قلل من قدرة البرازيل على تصدير السكر، مما ساهم في مضاعفة السعر العالمي بين عامي 2004 و2006. وفي أوروبا، يخصص ما بين 40 و60 في المئة من محصول بزر اللفت لانتاج البيوديزل، مما أدى الى ارتفاع سعر زيت بزر اللفت. واستخدم نحو 15 في المئة من محصول الذرة في الولاياتالمتحدة لانتاج الايثانول عام 2005، مما ساعد المزارعين في تصريف الفائض. تنامي الطلب يدفع الى تطوير تكنولوجيات جديدة لانتاج أنواع أكثر كفاءة من الوقود الحيوي ومن اللقائم، أي المواد الأولية التي ينتج منها. ويمكن انتاج أنواع من الوقود الحيوي السيلولوزي من سيقان النباتات وأوراقها وألياف أقل قيمة. ويتكهن كثيرون أن هذه ستصبح مجدية اقتصادياً خلال عقد من الزمن. ويتوقع أن يواصل انتاج الوقود الحيوي ارتفاعه الصاروخي. وسوف يؤدي"مقياس الوقود المتجدد"الوطني في الولاياتالمتحدة الى مضاعفة انتاج الايثانول في البلاد بحلول سنة 2012. وتوقع تقرير"وورلد واتش"ان يوفر الوقود الحيوي 37 في المئة من وقود النقل في الولاياتالمتحدة خلال السنوات الخمس والعشرين المقبلة، وما لا يقل عن 75 في المئة اذا تضاعفت كفاءة السيارات في استهلاك الوقود. ويمكن للوقود الحيوي أن يحل محل 20 الى 30 في المئة من النفط الذي يستخدم في بلدان الاتحاد الأوروبي خلال الفترة الزمنية ذاتها. تكمن امكانات الاستفادة من الوقود الحيوي على المدى البعيد في استعمال غير غذائي يشمل مخلفات زراعية وبلدية وغابية، اضافة الى محاصيل طاقوية سريعة النمو وغنية بالسيلولوز، مثل النبات العشبي switchgrass الذي ينمو في مناطق هامشية غرب الولاياتالمتحدة ويجفف لاستعماله علفاً للحيوانات. وعن طريق الجمع بين موارد الكتلة الحيوية السيلولوزية"والجيل الثاني"من تكنولوجيات تحويل الوقود الحيوي، بما في ذلك انتاج الايثانول باستعمال الانزيمات وانتاج ديزل اصطناعي، يتوقع أن ينافس الوقود الحيوي البنزين والديزل التقليديين. مخاطر زراعية وبيئية الوقود الحيوي يمكن ان يخفف من بعض الأخطار البيئية الناتجة عن التنقيب عن النفط وحرقه، وأن يخلق فرصاً اقتصادية جديدة في المناطق الريفية، وأن يخفض التلوث المحلي وانبعاثات غازات الدفيئة. لكنه قد يسبب مشاكل زراعية وبيئية اذا لم تتم ادارته بشكل جيد. وأخطر هذه المشاكل امتداد المحاصيل المنتجة له الى البراري مما يضرّ بالتنوع البيولوجي. كما أن ازدهار الوقود الحيوي يمكن أن يرفع أسعار المواد الغذائية بسبب تحويل المحاصيل الزراعية الى انتاج الوقود، مما يصعّب امداد الفقراء بالطعام. ثم ان محاصيل الايثانول السائدة، مثل الذرة في الولاياتالمتحدة والسكر في البرازيل، يمكن أن تستنزف طبقات المياه الجوفية. وإذا تم انتاج الوقود الحيوي من محاصيل تستخدم في زراعتها كميات كبيرة من مشتقات الوقود الاحفوري، مثل الأسمدة المصنّعة، فان عملية الزراعة والتصنيع وحرق الوقود الحيوي يمكن أن تطلق من انبعاثات غازات الدفيئة أكثر مما يطلقه النفط. ويحذر خبراء طاقة من التفاؤل المفرط باستعمال الايثانول. فقد اعتبر رئيس شركة"شل"جون هوفميستر ان الهدف الأميركي عدم الاعتماد على الطاقة المستوردة هو هدف خاطئ، لكنه حذر من الاعتقاد بأن الايثانول هو العلاج الناجح لكل مشاكل الطاقة، قائلاً:"الناس لا يدركون انه باستخدام وقود الايثانول E85 تقل نسبة الأميال المقطوعة بكل غالون بمعدل 25 في المئة"، علماً أن أنقى نوع متوافر من وقود الايثانول هو مزيج 85 في المئة ايثانول و15 في المئة بنزين. ومضى محذراً:"سينتهي المطاف بالناس الى أن يدفعوا أكثر على البنزين ليقطعوا مسافة أقل بنسبة 25 في المئة". ان سياسة التعجيل في تطوير الوقود الحيوي يجب أن تترافق مع زيادة الفوائد وخفض المخاطر البيئية وتطوير السوق على أساس حوافز مالية سليمة. وهذا يستدعي دعم الاستثمار الخاص، وتطوير البنى التحتية، وبناء أساطيل نقل قادرة على استخدام أنواع الوقود الجديدة. واستمرار النمو السريع في استخدام الوقود الحيوي سوف يتطلب تطوير سوق دولية حقيقية لا تعوقها القيود التجارية المفروضة اليوم، مع فرض مقاييس اجتماعية وبيئية ونظام موثوق للمصادقة على صحة الامتثال لهذه المقاييس.