شيّعت بيروت ظهر أمس جثماني زياد الغندور 12 عاما وزياد قبلان 25 عاما، وسط مشاعر الحزن والغضب من قتلهما الوحشي من قبل خاطفيهما، ورميهم جثتيهما في منطقة جدرا - اقليم الخروب الساحلية، فيما التقت مواقف القوى السياسية قاطبة على عدم الانجرار الى الفتنة والتحذير من ردود الفعل على الجريمة. وساهمت مواقف رئيس"اللقاء النيابي الديموقراطي"رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في احتواء الاحتقان في الشارع، بدعوته منذ خطف الغندور وقبلان الاثنين الماضي حتى الأمس، أثناء التشييع الى التهدئة وعدم تسييس الجريمة التي أفزعت اللبنانيين نظراً الى هولها. وعلى رغم حال الأسى واللوعة التي حلّت بالعائلتين المكلومتين، فقد كانتا أول المستجيبين لدعوات جنبلاط وزعيم تيار"المستقبل"النائب سعد الحريري، ولملاقاتهما من جانب رئيس المجلس النيابي نبيه بري و"حزب الله"اللذين استنكرا الجريمة وطالبا بالاقتصاص من الفاعلين، إضافة الى سائر الأطراف السياسية في الموالاة والمعارضة والقادة الروحيين. راجع ص7 و8 ومُنع أقارب المغدورين إطلاق بعض الهتافات المذهبية عند بدء مسيرة تشييعهما. وفيما واصلت القوى الأمنية تحرياتها عن المشتبه بارتكابهم الجريمة استناداً الى بعض الخيوط التي تملكها كما سبق لوزيري الدفاع الياس المر والداخلية حسن السبع ان أعلنا، فَتَحَت رغبة القيادات في تنفيس اجواء الاحتقان، قنوات الاتصال بين بري وجنبلاط مجدداً، فشكر الأول الثاني على مواقفه الساعية الى التهدئة، قبل التشييع، فيما أبدى الثاني ارتياحه الى بياني بري و"حزب الله"حول الجريمة. وقد شُيّع جثمانا الغندور وقبلان من مستشفى المقاصد حيث رقدا ليل أول من أمس الى منطقة وطى المصيطبة حيث منزل العائلتين ثم الى الطريق الجديدة حيث انضم حشد كبير من أنصار وشباب تيار"المستقبل"، انتهاء بمسجد الخاشقجي. وانضم جنبلاط الذي غامر بالتدابير الأمنية المحيطة بتنقلاته وسار خلف النعشين يحيط به وزراء الاتصالات مروان حمادة والاعلام غازي العريضي والسياحة جو سركيس والاصلاح الاداري جان اوغسابيان ونواب الاشتراكي وقادة قوى 14 آذار. وتدخل جنبلاط عند سماعه بعض الهتافات ضد بعض قوى المعارضة لمنعها. ونثر المواطنون الرز والورود على النعشين اللذين حملا على الأكف. وأطلقت الاسهم النارية. وشارك وفد من كتلة بري النيابية ضمّ النواب ياسين جابر، عبداللطيف الزين وأنور الخليل في التشييع بعد الصلاة على الجثمانين، ومثّل رئيس الحكومة وزير الداخلية حسن السبع اضافة الى العديد من نواب كتلة"المستقبل"حيث مثّل النائب عمار حوري الحريري لوجوده خارج لبنان. وألقى جنبلاط كلمة كرر فيها الدعوة الى عدم تسييس الجريمة وترك كشف ملابساتها للقضاء والدولة والاقلاع عن الإشاعات المغرضة. وإذ انتقد بعض الاعلام بتحريك الفتنة المذهبية، سأل:"ما الفرق بين بيروت والضاحية الجنوبية؟ لا شيء... يجمعنا النضال وتجمعنا المقاومة". ونقل زوار بري عنه ارتياحه الشديد الى الخطاب الذي ارتجله جنبلاط في تأبين الشهيدين والذي تابعه على شاشة التلفزة. وقال بري:"انه وليد جنبلاط، ليس غريباً في الأزمات الكبرى ان يأخذ الموقف المسؤول". وفهم زوار بري من كلامه ان جنبلاط"أراد ايجاد مناخ سياسي جديد في البلد بخلاف المناخ الذي كان سائداً قبل ارتكاب الجريمة"، وان"هذا المناخ إذا أحسن الجميع توظيفه يمكن ان يفتح آفاقاً لإعادة الحوار الداخلي، وأن بري التقط الاشارات الايجابية التي أطلقها جنبلاط". وأكدت مصادر جنبلاط وصول الاتصال بين بري ورئيس"الاشتراكي"، وقالت ان الأخير كرر شكره لرئيس البرلمان ول"حزب الله"على المواقف التي صدرت عنهما. لكن المصادر نفت حصول أي اتصال بين جنبلاط والأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، بخلاف ما جاء في بعض وسائل الاعلام، فيما أشارت مصادر قيادية في قوى 14 آذار الى ان جنبلاط أراد من التهدئة ان يقطع الطريق على من يراهن على احتمال اندلاع حرب أهلية في لبنان. وأوضحت المصادر ل"الحياة"ان جنبلاط والحريري أرادا التصدي لكل من حاول توظيف هذه الجريمة من أجل تهديد السلم الأهلي. ولفتت مصادر قوى 14 آذار الى ان تركيز جنبلاط على ان الدولة وحدها هي الملاذ الأخير، قطع أكثر من منتصف الطريق في اتجاه"حزب الله"و"أمل"، وأنه يفترض ان يلاقياه في النصف الآخر منها للخروج من الازمة أو لقيام هدنة جديدة، تمهّد لمراجعة المواقف. وتوافقت مصادر في حركة"أمل"مع مصادر الأكثرية في الدولة الى الإفادة من الصدمة الايجابية التي أحدثها التلاقي على دعوات جنبلاط لوأد الفتنة. وليلاً ترأس رئيس الحكومة فؤاد السنيورة اجتماعاً وزارياً - أمنياً، اطلع خلاله المجتمعون من النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا وقادة الأجهزة الأمنية على المعلومات التي توافرت لدى المؤسسات الأمنية بالتنسيق بينها ومن جانب كل الأجهزة القضائية المختصة أيضاً"، بحسب ما قال وزير الإعلام غازي العريضي عقب الاجتماع. وأضاف:"إن التحقيقات بلغت مرحلة متقدمة وايجابية جداً بوضع اليد على معلومات أولية دقيقة حول الجريمة من خلال عدد من الموقوفين والتحقيق معهم... وان كل المعطيات والمعلومات والتي عندما تصبح كاملة تعلن للرأي العام". وأشار الى أن السنيورة"أكد خلال الاجتماع اهمية المواقف المسؤولة التي صدرت عن القيادات السياسية وتعاطي الموطنين مع الجريمة ورفضهم الجامع لها والتأكيد أن الدولة هي ملاذ الجميع والاحتكام لا يكون الا الى القانون". وتابع العريضي:"أكد المجتمعون ارتياحهم الى التقدم الحاصل في التحقيقات... وكان تقدير للمواقف السياسية المسؤولة التي صدرت عن مختلف القوى والتي ساهمت في ضبط الوضع وتجنيب البلاد الوقوع في فخ الفتنة"، وانهم"يدعون الجميع الى البناء على المواقف السياسية التي أعلنت ليكون ما جرى عبرة وتأكيداً لعودة الجميع الى الدولة والقانون". وأشار العريضي رداً على أسئلة الصحافيين، الى المواقف التي أعلنها جنبلاط واتصالاته بالرئيس بري، معتبراً أن"المواقف السياسية التي أعلنت تشكل مبادرة كبيرة وشجاعة أقدم عليها كبار ويجب تلقفها من قبل الجميع".