في الوقت الذي كانت نساء الأرض، بمن فيهن الفلسطينيات، يحتفلن بذكرى يوم المرأة العالمي، في الثامن من آذار الماضي، كانت جثة ميرفت 22 سنة، لا تزال معلقة على شجرة زيتون في إحدى قرى محافظة رام الله والبيرة، قبل أن يُعثر عليها، وتفتح الشرطة تحقيقاً أفضى إلى أن الحادثة لا تخرج عن إطار ما يسمى"جريمة شرف". أحد أقاربها نفذ فيها حكم الإعدام الذي أصدره بنفسه، في حين أن زوجها وأسرتها تنازلوا عن حقهم في محاكمة الجاني، وكأنهم يباركون له فعلته. ولم تكن ميرفت، الفلسطينية الأولى التي تسقط ضحية هذا النوع من الجرائم، اذ تشير الإحصاءات إلى أن ما مجموعه 48 حالة قتل لفتيات ونساء، بين 2004 و2006، إضافة إلى 32 حالة وثقت رسمياً على أنها"قتل على خلفية الشرف"، أما بقية الحالات فسجل بعضها على أنه"قضاء وقدر"، اذ كان السبب"غامضاً"، ولم تُكشف الملابسات. وراوحت أعمار الضحايا بين 15 و55 سنة، ومعظمهن في العقد الثاني والثالث من العمر، فيما اثنتان منهن دون الثامنة عشرة، ومثلهما فوق سن الخمسين. واللافت هو الارتفاع في عدد"جرائم الشرف"الذي قفز من 14 جريمة إلى 23 في سنة، في حين كان عدد الضحايا في قطاع غزة أعلى منه في الضفة الغربية. والعدد في القرى أكبر بكثير منه في المدن ومخيمات اللاجئين، بينما كانت النسبة الأكبر من الضحايا من غير المتعلمات أو ذوات التحصيل العلمي المتدني. ومن الأسباب المهمة لارتفاع عدد"جرائم الشرف"في فلسطين، غياب الدعم القانوني لحقوق النساء والفتيات في الحماية والأمان. وتؤكد مصادر في التحقيق الجنائي في الشرطة الفلسطينية، أن المشكلة تكمن في القوانين، وليس في تطبيقها، فالقانون المعمول به بالضفة الغربية هو قانون العقوبات الأردني الصادر في 1960. ولا توجد قوانين تعالج العنف ضد المرأة، إلا أن السلطة الفلسطينية لا تزال تطبق القانون الأردني مع أنه خضع للتعديل في الأردن، فالمادة 340 منه تُعفي من المقاضاة أو تقضي بعقوبة مخففة للأزواج أو الأقرباء الذكور بصلة الدم، الذين يقتلون أو يعتدون على زوجاتهم أو قريباتهم الإناث على خلفية"شرف العائلة". أما في قطاع غزة فقانون العقوبات الفلسطيني المعمول به، والذي يعود إلى حقبة الانتداب البريطاني، في 1930، فخص القتل على"خلفية الشرف"في المادة 18 منه، بقوله صراحة إن الشخص الذي يرتكب جريمة قتل أو أذى وهو يدافع عن نفسه أو ماله أو عرضه، فإنه يستفيد من"عذر مخفف للعقوبة". وتسعى منظمات نسوية، ومؤسسات حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، إلى الضغط على صانعي القرار، لتغيير هذه النصوص القانونية، واعتبار هذا النوع من الجرائم، جرائم قتل تنطبق عليها الأحكام التي تسري على غيرها من جرائم القتل. وتستمر هذه المؤسسات، وعلى رأسها منتدى المنظمات الأهلية الفلسطينية لمناهضة العنف ضد المرأة، في تنظيم مؤتمرات وورش عمل لمعالجة هذه القضية. ووثّقت الباحثة لميس أبو نحلة في دراسة جديدة، حالات القتل على خلفية ما يعرف بپ"شرف العائلة"، بين 2004 و2006، وخرجت بتوصيات، أهمها مطالبة المجلس التشريعي بإلغاء كل النصوص الجزائية السارية التي تبيح القتل على خلفية ما يسمى"شرف العائلة"، واستبدالها بنصوص جزائية مشددة، واعتبارها جرائم قتل مع سبق الإصرار والترصد. وطالبت الدراسة، القضاء والنيابة العامة الفلسطينيين بإنزال عقوبات شديدة ورادعة بحق مرتكبي هذه الجرائم، علاوة على دعوة المؤسسات الحكومية والأهلية، والأحزاب السياسية، ووسائل الإعلام، إلى التعاون من أجل أن يتضمن القانون الأساسي نصاً صريحاً لحماية النساء والأسرة من العنف. ودعت المراجع الدينية الفلسطينية إلى إصدار فتاوى تحرم تلك الأفعال، لما يشكل هذا القتل من خروج عن التعاليم الدينية. ويؤكد الشيخ تيسير التميمي، قاضي قضاة فلسطين، أن"القتل على خلفية الشرف"، جريمة تخالف الشريعة الإسلامية، التي تنص على أن الجهة الوحيدة المخولة تطبيق النظام ومعاقبة الخارجين عن القانون والشريعة هي الدولة، والتي تعرف شرعاً بپ"ولي الأمر"، وبالتالي لا يجوز إصدار قرار الإعدام وتنفيذه من جانب أحد الأقارب. ويؤكد التميمي أن جرائم القتل على خلفية الشرف، مخالفة صريحة للشريعة الإسلامية، ما لم يعاقب الحاكم أو الوالي، أي القضاء والشرطة، من يقعن في الزنا، وما لم تثبت عليهن التهم، وفق الشروط التي وضعها الشرع، مشيراً إلى أن"جرائم الشرف"تندرج في إطار العادات والأخلاق المذمومة، التي يجب الإقلاع عنها.