فشلت الحكومات الأردنية المتعاقبة في الحد من ظاهرة جرائم الشرف التي يذهب ضحيتها سنويا فتيات كثر غالبا ما اكتشف الطب الشرعي بأنهن عذراوات. وتشير آخر إحصائية رسمية صادرة العام الماضي إلى مقتل ( 17) فتاة في إطار ما عرف بجرائم الشرف. قصص كثيرة تروى في المجتمع الأردني عن ضحايا جرائم الشرف حتى يكاد لا يمر شهر ، الا ويتفاجأ الرأي العام الأردني بجريمة شرف راح ضحيتها فتاة اكتشف الطب الشرعي عذريتها. " طلب منها نطق الشهادتين قبل إغراقها " قبل شهر نشرت الصحف المحلية خبرا بعنوان "شاب يسلم جثة شقيقته الى مركز امني في العاصمة "، وفي التفاصيل: " سلم شاب جثة شقيقته الى المركز الأمني في جبل الحسين "وسط العاصمة " ، واعترف أنه قام بإغراقها في البحر الميت "غرب العاصمة عمان " ، في أحدث جريمة فيما يعرف ب"الدفاع عن الشرف". وأفاد مصدر أمني اردني أن : " إغراق الفتاة آيات (20 عاما) جاء بعد أن انهال أشقاؤها وشقيقاتها عليها بالضرب بذريعة " غسل شرفهم"، في أعقاب شكوى زوجها بأنها كانت " على علاقة بشاب ". وأوضح المصدر أن "شقيق آيات اصطحبها عنوة الى البحر الميت وأغرقها في مياه البحر شديدة الملوحة ليغسل شرفه". وقال شقيق الفتاة في اعترافاته بأنه:" اصطحب شقيقته إلى البحر الميت، وهناك سألته ، عما يود فعله، فأجابها أريد قتلك، فقام بغمس رأسها في المياه حتى لفظت أنفاسها الاخيرة ، وفي غضون ذلك كان الشاب يلح على شقيقته بترديد الشهادتين كما جاء في إفادته، وبعدها قام بوضعها جثة هامدة في المقعد الخلفي لسيارته". وبين المصدر الأمني أن "شقيق آيات لم يشف غليله بقتل شقيقته وإغراقها، بل اقتحم مركز أمن الحسين في عمان وهو يحمل شقيقته بين ذراعيه قائلا بزهو: "لقد قتلتها دفاعا عن الشرف". وبحسب مصدر أمني فإن آيات دفعت حياتها ثمنا لشكوى من زوجها الذي ارتبطت به منذ أسبوعين قبل وقوع الجريمة، حيث أبعدها الى اهلها بعد ان طعن بأخلاقها، لتذهب بعدها الى "مقصلة الشرف" بذريعة أنها تعرفت على شاب في زمن سابق على زواجها. " 6 رصاصات و48 طعنة " تلقت فتاة في جسدها ست رصاصات و48 طعنة من شقيقها ووالدها اللذين أملا محو ما يعتقدان أنه "عار" لحق بهما، لتقضي "العذراء" وخطيبها الذي تلقى جسده إلى جانب 4 رصاصات 29 طعنة أيضا . ولم تكن هذه القصة التي وقعت فصولها في محافظة الكرك "جنوب البلاد " فريدة من نوعها في بلد يسجل في المعدل 12-18 جريمة شرف سنويا . وفي التفاصيل، تقدم الشاب لخطبة الفتاة فوافق الأهل نتيجة ضغوط اجتماعية تتعلق ب"كلام الناس" الذين كانوا يزعمون بوجود علاقة "غير مشروعة" بين الشاب والفتاة، وقبل موعد الزفاف المتفق عليه بأيام استدرج والد الفتاة خطيبها بحجة الاتفاق على ترتيبات الزواج. ووقعت الجريمة التي أظهر الطب الشرعي لاحقا أن استنادها إلى دواعي "الشرف" لم يكن صحيحا حين أثبت أن الفتاة الضحية كانت "عذراء". " قانون عاجز " ويسند المدعي العام للجنايات الكبرى في جرائم الشرف للمتهم جناية القتل العمد والتي تصل في حال ثبوتها الى عقوبة الاعدام. بيد ان المحكمة في معظم قضاياها تعدّل وصف التهمة الى "القتل تحت تأثير " سورة الغضب" والتي تصل عقوبتها إلى الحبس ستة أشهر، ليكون المتهم قضاها موقوفا بعد ان يثبت بالتعاون مع أسرته، بأن أفعال شقيقته الضحية أثارت غضبه الى حد ارتكابه جريمة القتل بحقها. وتشير التقارير الأمنية والطبية إلى أن 80% من ضحايا جرائم الشرف كنّ عذراوات. وغالبا ما ترتكب هذه الجرائم في المجتمعات الشرقية وتوكل مهمة "غسل العار " إلى الأطفال القصر خصوصا وأن القضاء لا يصدر أحكاما بالإعدام بحقهم فيما لو ثبتت عذرية الفتاة بعد أن يدربوا على كيفية القيام بهذه المهمة من قبل ذويهم. وغالبا ما يكون المحرض من العنصر النسائي في العائلة اللواتي يستقبلن نبأ غسل العار بالفرح والزغاريد وتوزيع الحلو , في حين يستغل البالغون نص المادة " 340 " من قانون العقوبات الاردني التي تنص على وجود العذر المحل او المخفف لارتكاب مثل تلك الجرائم والتي تنص على الاستفادة من العذر المحل او المخفف فيها من فاجأ زوجته أو احدى محارمه حال التلبس بالزنا مع شخص اخر واقدم على قتلهما أو جرحهما أو ايذائهما كليهما أو احدهما، كما يفيد القاتل من المادة 98 من قانون العقوبات المخففة للحكم تحت وطأة سورة الغضب وفي هذه الحالة يستطيع القاتل وذووه رسم سيناريو ينطبق على المادة قبل ارتكابها. "المجتمع يجرم الضحية !" ويقول الرئيس السابق لمجلس امناء المركز الوطني الاردني لحقوق الانسان احمد عبيدات ان :" القتل تحت شعار الدفاع عن الشرف جريمة تستوجب عقوبة رادعة وهو أيضا انتهاك جسيم للحقوق الانسانية للمرأة " .واضاف ان: "حركة حقوق الانسان تدين العنف بكل اشكاله وترفضه من حيث المبدأ كاسلوب لمعالجة المشكلات جملة وتفصيلا سواء اكان العنف فكريا ام سياسيا ام اجتماعيا " مشيرا الى ان :" الحوار والتوعية وتحكيم العقل هو الخيار الامثل " . وقال ان :" الاردن صادق على معظم الاتفاقيات والعهود والقرارات الدولية الخاصة بحقوق الانسان وفي مقدمتها اتفاقية القضاء على كافة اشكال التمييز ضد المراة " واكد عبيدات : " ضرورة التعامل مع هذه الظاهرة بشجاعة ومسؤولية وطنية بعيدا عن الارتجال والعواطف ". وقال ان :" ممارسة العنف ضد المراة ينبع في الاساس من التمييز الذي يمارس ضدها ..كما انه يصادر ارادتها ويفقدها حرية الاختيار ويحط من كرامتها كانسان". واشار الى ان :" الاحصائيات والحقائق تدل على انخفاض ملحوظ في جرائم الشرف في ضوء تسارع بناء المجتمع الاردني الديمقراطي والمدني حيث استطاع الاردن تحقيق انجازات في مجال حماية حقوق المرأة واتاحة الفرصة لها لتاخذ مكانها الملائم في عملية البناء والنماء". وترى المديرة التنفيذية لمركز ميزان لحقوق الانسان ايفا ابوحلاوة ان :" قتل المرأة في ما يعرف بجرائم الشرف هو احد اشكال العنف ضد المراة ". واوضحت ان :" العنف ضد المرأة موجود في كل المجتمعات لكن المشكلة في الاردن هي في كيفية التعامل مع هذه المشكلة ". وبينت ان: " المجتمع الاردني لا يتعاطف مع الضحية في حال جريمة الشرف " واعتبرت ان : " القانون احيانا يشجع القيام بالجريمة ضد المرأة لان هناك مواد تخفف من العقوبة". وتشير الى : " اهمية التوعية داخل المجتمع الاردني لتغيير النظرة تجاه الضحية وتعديل مواد القانون التي تعطي العذر المحل او المخفف حتى يكون هناك رادع لمرتكب الجريمة بحق المرأة ". وقالت الناشطة بحقوق المرأة الصحافية سمر حدادين إن :" استمرار مسلسل قتل الفتيات تحت مسمى "الشرف" يؤشر على حقيقة لا يمكن اغفالها ، وهي فشل البرامج والخطط التي يقودها المجتمع المدني والمنظمات النسائية للحد من هذه الجرائم". وأشارت إلى أن الأرقام الرسمية تدل على أن: " المعدل السنوي لهذه الجرائم يتراوح مابين (15 إلى 20) فتاة تقتل بذريعة الدفاع عن شرف مسلوب!!!. وبحسب حدادين فإن: " ما يبعث على الأسى أن نسبة كبيرة من هذه الضحايا قتلن وهن عذراوات كما أثبت ذلك الطب الشرعي ". وترى أن: " القضية تحتاج إلى تغيير نظرة مجتمعية حول هذا الأمر، فالمجتمع يجرم الفتاة ويغض البصر عن شريكها، ويزيد على ذلك بأن القانون يخفف الحكم عن الجاني". وبينت أنه: " لا يكفي أن تعقد المؤتمرات وورش العمل في الفنادق لمعالجة القضية، بل على مؤسسات المجتمع المدني أن تنطلق نحو الشباب لتغيير مواقفهم ونظرتهم السلبية". وطالبت حدادين بتشكيل لوبي ضاغط يؤدي بالنهاية إلى تعديل المادة 340 من قانون العقوبات الأردني الذي يبيح قتل النساء بعدم معاقبته الجاني على فعلته. " زواج لا يمنع الجريمة " وفي مسعى للحد من هذه الجرائم، وتفاديا لتطور الخلاف بين طرفي العلاقة ليصل إلى خلافات عشائرية، يلجأ الحكام الإداريون إلى ما يعرف شعبيا باسم "الزواج بقرار إداري"، إلا أن ذلك لم يحل دون إقدام البعض على "مسح عاره" بقتل الفتاة التي يزوجها القانون للشخص الذي ارتبطت معه بعلاقة قبل الزواج. ويلجأ المحافظون والمتصرفون إلى تزويج الفتيات اللواتي يضبطن بعلاقة غير مشروعة أو يتعرضن لاعتداء جنسي بعد التأكد من موافقة كافة أطراف القضية. وبحسب مصدر قضائي في محكمة الجنايات الكبرى فإنه: " في هذه الحالة يتوقف القضاء عن ملاحقة أي شخص اعتدى على فتاة باغتصابها أو هتك عرضها "حماية للأسرة"، على أن "شبح جرائم الشرف" يظل يلاحق الفتيات وأزواجهن في بعض تلك الحالات.". ويعتبر مسؤول في الطب الشرعي الاردني ان تزويج الفتيات بقرار اداري "لا يمنع الجريمة"، لافتا الى ان العديد من الضحايا اللواتي يقتلن بدافع الشرف هن متزوجات. ويؤيد المصدر القضائي المطالبة بمحاكمة مرتكب جريمة شرف على أنها جريمة قتل عمد تصل عقوبتها الى الاعدام، وليس حسبما تتعامل معها محكمة الجنايات الكبرى استنادا الى المادة 98 من قانون العقوبات التي تنص على أن عقوبة القتل تحت سورة الغضب تصل عقوبتها الى 6 أشهر. وحسب المصدر القضائي، فإن ذوي المجني عليها يختارون عادة الشقيق أو ابن العم أو اي شخص من ابناء الاسرة، وفي اول لقاء يتم ترتيبه لارتكاب الجريمة يفتعل القاتل مشادة كلامية مزعومة تنتهي بقتل الضحية وأحيانا قتل زوجها الذي تزوجها بقرار اداري. ويدعي القاتل، وفق المصدر انه: " ارتكب الجريمة بعد ان افقدته المجني عليها السيطرة على مشاعره، وهنا تعدل المحكمة وصف التهمة من القتل العمد مع سبق الاصرار والترصد الى المادة 98 الى القتل تحت سورة الغضب. واستنادا الى احصائيات محافظة العاصمة (عمان) فإنها تعاملت في عام 2007 مع اكثر من 160 قضية تتعلق بالمرأة، اضطر فيها الحاكم الاداري الى تزويج بعض الفتيات سواء اللواتي وقع عليهن اعتداء جسدي أو شاركن بإقامة علاقة غير مشروعة مع شخص اخر. وفي مثل تلك القضايا يتم رفع المهر المؤجل وذلك كإجراء الزامي لحماية الفتاة. وبعد الاتفاق على تزويج الفتاة من الشخص الذي ارتبطت معه بعلاقة خارج إطار الزوجية ، يتم احضار اهلهما الى الحاكم الاداري و"الشاب والفتاة " تحت الحماية الامنية وتتم مرافقتهما حتى وصولهما الى القاضي الشرعي، ويوقع ذوو الفتاة على كفالات لمنع الاعتداءات على الزوجين وعدم التعرض لهما. ولا يلجأ الحاكم الاداري، الى عملية الزواج الا بعد الاستناد الى التحقيقات الأمنية المدعمة بتقرير طبي شرعي يشخص حالة الفتاة، خصوصا في حالة وجود حمل غير شرعي لم يعترف والد الطفل، إذ يتم اللجوء إلى الحمض النووي لتثبيت ابوة الجنين. ويذكر أن منظمة العفو الدولية تناهض استخدام المواد القانونية المخففة للعقوبة، وتحث السلطات الأردنية على تعديلها وقد بعثت منظمة العفو الدولية العام الماضي برسالة موجهة إلى السلطات الأردنية تعرب فيها عن بواعث قلقها بشأن ما يبدو أحكاماً متساهلة. "تدابير للتخفيف لحماية المعنفات " وقد اتخذت السلطات الأردنية عدة تدابير في السنوات الأخيرة لحماية النساء من العنف، بما في ذلك إنشاء "دائرة حماية الأسرة" داخل مديرية الأمن العام (الشرطة)، وقد ساعدت هذه على ضمان إخضاع مزاعم العنف ضد المرأة لمزيد من التحقيق الدقيق، وفتح أول الملاجئ النسائية الحكومية تحت اسم "دار الوفاق" لتلجأ إليها النساء من ضحايا العنف المنزلي. وفي يناير/ كانون الثاني 2008، أقر البرلمان قانون الحماية من العنف الأسري. وييسر القانون الإبلاغ عن الإساءات العائلية العنيفة وينص على تلقي الضحايا التعويض، لكنه يمتنع صراحة عن تجريم العنف المنزلي على الرغم من توصية لجنة الأممالمتحدة الخاصة بالقضاء على التمييز ضد المرأة بذلك في العام الماضي.