على رغم عدم وجود إحصاءات رسمية دقيقة لعدد النساء والفتيات اللواتي قتلن في الأراضي الفلسطينية على خلفية ما يسمى «شرف العائلة» خلال العام الحالي، إلّا أنّ المؤشرات والمعطيات الواقعية على الأرض، والتي حصلنا على جزء منها من عدد من المؤسسات النسوية العاملة في مجال الدفاع عن حقوق النساء، تشير إلى ارتفاع وتزايد عدد حالات القتل بخاصة في محافظات الضفة الغربية. ففي حين لم تسجل أي حالة قتل في قطاع غزة خلال هذا العام وفق ما أكدته ل «الحياة» المحامية زينب الغنيمي مديرة مركز الأبحاث والاستشارات القانونية للمرأة، سجلت الضفة الغربية حتى منتصف هذا العام أكثر من 8 حالات في مؤشر إلى ازدياد عدد حالات القتل مقارنة مع العام المنصرم 2010، والذي سجل 7 حالات. وفي جرائم قتل كهذه في مجتمع تحكمه العادات والتقاليد المحافظة يكتنف الحديث عن جرائم الشرف الغموض والتستر عن تفاصيل تلك الحوادث، والتي تسجل في كثير من الحالات على أنها حالة وفاة طبيعية أو بسبب مرض عضال نظراً إلى حساسية المشكلة، إذ يعتبر الحديث عن جرائم الشرف بخاصة في المجتمعات الريفية من المحرمات ولا يتم نشر معلومات كافية عن تفاصيل هذه الحوادث والجرائم، لذلك قد تبدو أعداد من لقين حتفهن نتيجة القتل على خلفية «شرف العائلة» قليلة أو غير دقيقة فهناك حالات قتل تسجل ضد مجهول، أو مثلاً سقوط الفتاة عن سطح المنزل، أو إقدامها على الانتحار وما شابه ذلك، تجنباً وفق المختصة النفسية والاجتماعية إنعام سيف «للسمعة السيئة التي قد تلحق بعائلة الضحية، وللهروب من المساءلة القانونية التي تمنح عادة أحكاماً مخففة للجناة الذين تتنوع طرق وأساليب قتلهم النساء بين الطعن بأداة حادة أو الخنق أو غير ذلك، نظراً إلى عدم وجود قانون عقوبات فلسطيني رادع. السلطة الفلسطينية تطبق حتى الآن قانون العقوبات الأردني الذي تم وضعه عام 1960 في الضفة الغربية والقانون المصري في قطاع غزة، إذ لم تتمكن من إنجاز وإقرار قانون العقوبات الفلسطيني الذي تم العمل عليه مع مختلف المؤسسات الحقوقية الرسمية والخاصة منذ سنوات، نتيجة للشلل الذي يصيب المجلس التشريعي الفلسطيني، على رغم مرور ما يقرب من 15 سنة على تأسيسه، بسبب الانقسام الذي حدث في غزة، فالمجلس التشريعي هو الجهة المخولة إقرار التشريعات وتعديلها. لكن قصة مقتل الفتاة آية براذعية 22 سنة، من بلدة صوريف بمحافظة الخليل جنوب الضفة الغربية والتي تم اكتشاف قتلها على يد عمها وعدد من أصحابه في شهر أيار الماضي بعد عام على اختفائها والعثور عليها داخل بئر مهجور، كانت الدافع الأكبر للرئيس الفلسطيني محمود عباس لتعديل فقرتين من قانون العقوبات المعمول به في الأراضي الفلسطينية حيث أصدر مرسوماً بتعديل نص المادة 240 بفقرتيها من قانون العقوبات الرقم 16 والمعمول به في المحافظات الشمالية. وكذلك عدل القرار نص المادة 18 من القانون الرقم 74، وذلك من خلال إضافة عبارة يستثنى من ذلك قتل النساء على خلفية ما يعرف بشرف العائلة، وذلك من أجل أن لا يترك المجال للاجتهاد الخاطئ، وبالتالي يفلت الجاني من العقاب. نشير هنا إلى أنه وبحكم القانون الأردني المذكور فإن عقوبة القاتل على هذه الخلفية وهي «جرائم الشرف» هي السجن من ثلاثة أشهر وحتى ثلاثين شهراً فقط. إنعام سيف أوضحت أن القرارات التي صدرت عن الرئيس محمود عباس أخيراً هي خطوة مهمة ولكن تحتاج إلى إجراءات عملية فالمؤسسات النسوية تنظر بقلق كبير إلى تزايد حالات قتل النساء، وأضافت سيف أن قتل النساء على خلفيات اجتماعية «الشرف» من أقسى أنواع العنف الممارس بحقهن وهي قضية تخص المجتمع بأكمله وليست فردية، وكشفت سيف أن معظم الحالات التي تمت تحت ذريعة الشرف تبين في التشريح أنهن لم يفقدن عذريتهن وأن أكثر هذه الحالات تكون بسبب الكراهية أو على خلفيات الميراث. وأكدت المحامية زينب الغنيمي ل «الحياة «أن أكثر ما تتعرض له النساء في المجتمع الفلسطيني هو العنف بأشكاله المختلفة «ضرب، حبس في المنزل، شتم، إساءة، منع خروج من المنزل»، لكنها أكدت أن القتل على خلفية ما يسمى شرف العائلة يتناقص في الأراضي الفلسطينية، وغالبية حالات القتل التي تتم تكون غامضة ويجب ألا نفترض أنها على خلفية الشرف، فمن الممكن أن تكون خلفياتها تتعلق بالكراهية أو الميراث. وتشاطر الغنيمي الرأي آمال صيام المدير التنفيذي لمركز شؤون المرأة والتي تقول «إن ظاهرة القتل تتزايد ربما في الضفة الغربية، ولكنها تتناقص وفي شكل واضح في قطاع غزة، وهذا متعارف عليه منذ زمن «وفق وصفها»، وتعلل ذلك بأن قطاع غزة محصور في بقعة جغرافية ضيقة لا تتيح للجناة القيام بحرية بهكذا جرائم، بينما الضفة الغربية فيها مساحات جغرافية واسعة، وأضافت صيام أن الكثير من الجرائم يتم تصديرها بحجة القتل على «خلفية الشرف» بينما لا تكون خلفيتها الحقيقية كذلك.