لا يلتفت الجمهور كثيراً إلى اسم شاعر الأغنية التي يستمع إليها، ولا إلى اسم ملحّنها. يهمه اسم المغني، ونجوميته. وحتى حين يحكم على أغنية بأنها جيدة أو سيئة يقول "أغنية فلان ... أعجبتني أو لم تعجبني"... وفلان المقصود هو المغني. من هنا، فإن الأثر السلبي أو الإيجابي الذي يتكوّن تجاه أغنية معينة يناله المغني وحده. فغالبية الجمهور العربي اعتاد النظر إلى الأعمال الفنية من خلال"الشاشة"وما يظهر عليها لا من خلال الاشخاص الذين أنجزوها كتابة أو تلحيناً أو إخراجاً. فالفيلم السينمائي مثلاً هو من بطولة فلان وفلانة، فإذا نجح كان النجاح لفلان وفلانة من الممثلين، أما الكاتب والمخرج وهما ركنان أساسيان تفوق أهميتهما أهمية أبطال الفيلم، فنادراً ما يذكرهما الجمهور. كذلك الأمر يحصل في المسلسلات التلفزيونية، وفي المسرحيات. من يظهر على الشاشة أو على الخشبة هو البطل، وله"العمل الفني"في حسبان الجمهور. غير ذلك... ليس مهماً! في الأغنية العربية اليوم، هذه المعضلة متمادية. ومع ان بعض شعراء الأغنية وملحنيها يذكرون في الإعلام بكثافة، ويُحتفى بهم أحياناً على انهم لا يقلّون نجومية عن بعض نجوم الغناء، فإن الجمهور لا يزال بعيداً عن حفظ أسمائهم، وحتى عن تكوين رأي عنهم مبني على براهين وشواهد. عموماً، يسمع الجمهور أسماءهم لينساها فوراً وينتقل إلى كلمات الأغنية ولحنها وأدائها على أنها... للمغني طالما انه يغنيها! في الماضي المصري القريب ارتبط اسم الملحن صلاح الشرنوبي بالشاعر أحمد شتا. خلال عقد من الزمن كانت الأغاني من"تأليف أحمد شتا وتلحين صلاح الشرنوبي"كما كان يذكر الفنانون بالسليقة في المقابلات الإعلامية بالحرف. في الماضي اللبناني القريب كانت أغان كثيرة من"تأليف الياس ناصر وتلحين عازار حبيب"... اللذين شكلا ثنائياً ناجحاً. حالياً، أغان كثيرة من"تأليف نزار فرنسيس وتلحين سمير صفير"، ومنذ سنوات عدة يتكرر هذان الاسمان في تقديم أعمال غنائية طبعت مرحلة من مراحل الأغنية اللبنانية المعاصرة. قبل ذلك كانت لازمة أخرى تتكرر في الأغاني"كلمات وألحان الياس الرحباني"وثمة إنجازات طيبة وأكيدة مع هذه اللازمة. الآن لازمة متشابهة يسمعها الجمهور"كلمات وألحان مروان خوري"، وأيضاً هناك إنجازات ومستوى رفيع. كل هذا مرّ ويمرّ أمام ذاكرة الجمهور مروراً عابراً. أما ما يعلق فيها ويبقى فهو اسم المغني وصوته. قد يحفظ بعض الجمهور أحياناً ان هذه الأغنية أو تلك لهذا الشاعر أو ذاك الملحن، لكنه حفظ هشّ. الحفظ الحقيقي من نصيب المغني. لذلك، نرى بعض الشعراء والملحنين في المقابلات الإعلامية، وكذلك المذيعين والمذيعات في تلك المقابلات،"مضطرين"لتعداد بعض أنجح الأغاني التي قدموها لهذا المغني أو ذاك أو تلك المغنية على سبيل تذكير الجمهور بأعمالهم. والغريب أنهم الشعراء والملحنون والمذيعون يفعلون ذلك في كل مقابلة، كل مقابلة، في شكل يكاد أن يكون"استعراضياً"يفقد التعريف هدفه الإخباري ليضعه في خانة ذكر"محاسن"... لا الموتى لا سمح الله بل المضروبين بالتجاهل، وقوة التجاهل أحياناً تعادل الموت لولا أن نجاح أغاني الشعراء والملحنين وانتشارها وحبّ الجمهور لهم يصلهم كاملاً من خلال صدى ما ينجزون لا من خلال معرفة ذلك الجمهور بمن كتب هذه الاغنية الناجحة أو تلك... والصدى في هذا المقام هو صوت الكفاية النفسية التي يعيشها هؤلاء بمجرد شيوع أعمالهم الغنائية ووصولها ذاكرة الناس ومحبتهم. والأغرب أن بعض نجوم الغناء يتجاهلون تأثير أي شاعر وأي ملحن في تجاربهم، ويرفضون أن يكون لأحد منهم دوراً جدياً في مسيرتهم، على رغم أن بعض الأغاني قد يكون نقطة تحوّل في شهرتهم وفي تكريس نجوميتهم! فهل قدر شعراء الأغنية وملحنيها أن يستمروا جنوداً مجهولين، وأن تكون أي ثورة على هذا الواقع غروراً وتنطحاً وادعاء... الى الأبد!؟