علي الحجار اكتسب مكانة فنية مميزة من خلال دقة اختياراته الغنائية، وحرصه على تقديم الفن الاصيل والكلمة المعبرة. عشق الغناء منذ طفولته، من والده المطرب والملحن الأصيل ابراهيم الحجار الذي علمه تجويد القرآن وتقنيات الغناء الصحيح. وفي نهاية السبعينات اكتشفه الملحن بليغ حمدي وقدمه في ألبوم غنائي عنوانه "على قد ما حبينا". بدأ مشواره الفني وقدم ما يزيد على 400 أغنية ذات ألوان عدة، ولأن طموح الفنان الحقيقي لا يتوقف عند حدود، فالحجار يعتبر طموحه في أول الطريق، وأن ما قدمه على رغم غزارته لا يشكل إلا جزءاً بسيطاً مما يصبو إليه. كيف خاض الحجار تجربته وما علاقته بالراحلين بليغ حمدي وصلاح جاهين وما مشاريعه الفنية المسرحية والسينمائية... ؟ انطلاقاً من هذه الأسئلة كان لنا معه الحوار التالي. في بداية مشوارك الفني تعاملت مع الملحن بليغ حمدي، ثم تكرر اللقاء في ألبوم "اعذريني" وكانت آخر ألحانه لك في المسلسل الدرامي "بوابة الحلواني" ما الفرق في التعامل في كل مرة؟ - في أول تعاون مع بليغ حمدي كنا في مرحلة اكتشاف صوتي، ويومياً ولمدة سنة كنا معا يعزف لي على البيانو أو العود وأغني، ليكتشف أجمل المناطق أو منطقة اللمعان في صوتي. إلى أن اختار لي مجموعة من الأغنيات وهي "عل قد ما حبينا، على سفر، قالت، طاب العنب". في هذ الوقت كانت خبرتي الفنية قليلة، وكان صوتي حاداً. وبعد سبع سنوات كان اللقاء الثاني عبر ألبوم "اعذريني" وكانت خبرتي زادت إذ عملت كمحترف في الوسط الفني، مما أعطاني نوعاً من راحة البال. فكنت أقلل من "الحليات والعُرب والزخارف" في صوتي وأغني ببساطة. وعرض علي بليغ حمدي مجموعة أغنيات، واخترت ثلاثاً هي "قولنا، ما بلاش، من عشمهم" إذا كان الاختيار لي. وفي مسلسل "بوابة الحلواني" غنيت بعد ما وضع الألحان والموسيقى التصويرية، والأعمال الدرامية مختلفة عن الغناء. تعاملت مع الوالد ابراهيم الحجار في مجموعة من الألحان في بداية مشوار له، ثم توقفت عن التعامل معه لماذا؟! - والدي توقف عن التلحين منذ الستينات، وما غنيته من تلحينه لم يلحنه لي خصيصاً، ولكنها أغانيه الخاصة واستئذنته وغنيتها!! من أجمل ما غنيت في مشوارك الغنائي رباعيات "صلاح جاهين" كيف تعرفت إليه؟ - حكايتي مع رباعيات صلاح جاهين تعود الى الصبا، إذ استمعت إليها في الاذاعة بصوت الشيخ سيد مكاوي وكان عمري 14 عاماً، وتمنيت أن أغنيها. ونقلت هذه الرغبة لوالدي الذي قال لي بشفقة "بإذن الله تغنيها عندما تكبر وتغني أفضل منها". وبعد فترة طويلة وبالصدفة البحتة، تقابلت مع المذيعة آمال فهمي في برنامج "على الناصية" وعندما علمت أن صوتي جميل طلبت مني الغناء. وبعد نحو سبعة أشهر من المقابلة وكنت في مبنى التلفزيون قابلتها مرة أخرى، فقالت لي أين أنت؟! الشاعر صلاح جاهين والموسيقار محمد عبدالوهاب سألاني عنك، وأعطتني أرقام هواتفهم، فاتصلت بجاهين وقابلني باحتفاء شديد، ورشحني لبطولة مسرحية بعنوان "العاشق والمعشوق" لم تكن خرجت بعد، وبدأت أواظب على مقابلاتي معه، وتوطدت علاقتي به ولا سيما حين علم إنني درست الفنون الجميلة. وفي هذه الفترة طلبت منه أن أغني الرباعيات، واقنع بصعوبة شديدة سيد مكاوي الذي ما إن استمع الى صوتي حتى رحب بغنائي إياها. وللعلم لا يزال البوم الرباعيات الأعلى توزيعاً لي على رغم مرور 22 عاماً على صدوره. هل اختلفت اختياراتك الغنائية حالياً عن الماضي؟ - أكيد، لأن كل مرحلة زمنية لها طبيعتها بالاضافة إلى استفادتي القصوى من قراءاتي الدائمة، ومن أسفاري وزياراتي لمعارض الفن التشكيلي، ومتابعتي واستماعي لأحدث إنتاجات الاسطوانات. كل تلك العوامل تؤثر في اختياراتي الغنائية، وكذلك الحياة السياسية تؤثر فيَّ جداً مثلما حدث عندما نشبت حرب الخليج واستبدلت غنائي العاطفي بغناء سياسي وقدمت ألبوم "لمّ الشمل"، وأيضاً حياتي الاجتماعية الخاصة ومتغيراتها، تؤثر في غنائي!! يلاحظ في غنائك ارتفاع نسبة الشجن لماذا؟ - الشجن جزء من تراثنا، وأضفت إليه جزئي الخاص، إذ أن حياتي الشخصية تركت في داخلي حالة من الشجن والحزن يصعب ان تزول. إضافة الى أن طبيعة صوتي فيها كمية كبيرة من الشجن. قدمت نحو 400 أغنية، وإن أردت اصطفاء عدد منها لتكون تراث علي الحجار فما هي؟ - هذا الأمر متروك للزمن ولأذواق المستمعين بعد وفاتي!! ولكن يمكن ان اختار لك مجموعة من الاغاني تمثل مناطق التحول في حياتي الفنية. أولاً ألبوم "على قد ما حبينا" لأن هذا اكتشاف صوت مطرب جديد اسمه علي الحجار. ثانياً ألبوم "اعذريني" لأنه كان نقطة الانتشار وبداية الشهرة. والجمهور أحب اغنية "داري العيون" التي غنيتها للموسيقار محمد فوزي، وردد أيضاً أغنية "اعذريني". ثالثاً رباعيات صلاح جاهين لأنها كانت حلماً تحقق، علاوة على قيمتها وأهميتها القصوى ونجاحها المذهل. وايضاً ألبوم "لم الشمل" لأنه كان تجربة جديدة في الأغنية المصرية. رابعاً مشواري المسرحي ولا سيما مسرحيتي الاخيرة "رصاصة في القلب". قدمت نقداً لاذعاً للمصريين في اغنيتين "ما تغربناش" و"يا مصري" لماذا؟ - يجب ان نفرق بين نوعين من الغناء، الغناء الوطني، والغناء السياسي، و"ما تغربناش"، و"يا مصري" اغاني سياسية نقدية وليست أغاني وطنية!! ومن خلالها ناقشت عدداً من السلبيات الموجودة فينا كمصريين!. هل قدمت تنازلات فنية في ألبومك "تجيش نعيش"؟ - لم أقدم أي تنازلات، و"تجيش نعيش" أغنية في البوم، وبقية الأغاني تحمل هدفاً وقضية!! كيف توازن بين حفظك للتراث الغنائي ومتطلبات السوق الغنائية؟ - تعلمت في كلية الفنون الجميلة ان أتقن الرسم الكلاسيكي الاكاديمي أولاً، ومنه انطلق الى مدارس أخرى مثل الرسم التجريدي والتكعيبي والسريالي. لذلك فالفنان ذو الجذور الفنية بداية من التجويد مروراً بالأدوار القديمة الصعبة والموشحات يسهل عليه أن يغني الأغنية الخفيفة المنتشرة حالياً. واذا كنت تجد في ألبوماتي أغنية جاز مثلاً فهذا يعود الى انني أتابع تطور الموسيقى في العالم كله. هل أفادتك دراستك للفنون الجميلة كمطرب؟ - جداً فالموسيقى تسمع، لكن الفن التشكيلي جعلني أشاهد الموسيقى والحركة اللحنية التي وضعها الملحن. فعندما أدخل الاستديو لتسجيل اغنية جديدة ارسم لها صورة في خيالي، واشاهد الكلمات وأكوّن لها درجات من الألوان. كما أشاهد في الجملة اللحنية خطوطاً وانحناءات، وأحياناً اشاهد مساحات عندما يكون في الاغنية توزيع!! دائماً يتردد إنك ستقيم معرضاً للوحاتك ما صحة ما يقال؟ - المعرض يتطلب تفرغاً وهذا ليس متاحاً حالياً. لكنني أتمنى اقامة هذا المعرض ولا سيما أن التخطيطات الاساسية لأي لوحة عندي!! قدمت القصيدة في بداية مشوارك الفني، ثم ابتعدت عنها أخيراً لماذا؟ - الاغنية الجيدة ذات المعاني الجديدة تأخذني لأغنيها، سواء بالفصحى او بالعامية. لست ضد الفصحى، وعندما أجد قصيدة تجذبني لغنائها سأغنيها على الفور! على رغم مشوارك الفني الطويل وشهرة الملحن سامي الحفناوي إلا إنكما لم تلتقيا إلا أخيراً من خلال اغاني مسلسل اذاعي، لماذا؟ - هذه كيمياء!! فمثلاً يمكن ان تقابل شخصاً للمرة الاولى وترتاح نفسياً له وكذلك هو، ويمكن أن تجلس مع شخص يومياً ولا يحدث بينكما ارتياح. والحفناوي كشخص أحبه لكن في الفن مثلاً اجلس مع عمار أو أحمد الحجار او فاروق الشرنوبي وأتمنى أن أغني لهما. لكن هذا لم يحدث مع الحفناوي بعد. وكان من المقرر أن أغني له منذ مدة طويلة، لكنه أصر أن يوزع اللحن فرفضت لأنني أرى أن موهبته الحقيقية تتمثل في التلحين. وانقطعت علاقتنا. الى أن التقينا في شهر رمضان الماضي في مسلسل اذاعة صوت العرب "حكايات الزمن الاخضر". في مشوارك الفني الذي يقترب من الربع قرن هل تفوّقت الدموع على البسمات أم العكس؟ - من نعمة الله على الفنان الذي يحب فنه، أنه يعمل في مجال يهواه. صحيح أنني مطرب محترف، لكنني أعمل بروح الهواية دائماً، والتقلبات التي تحدث في الفن تحدث في أي مهنة أخرى، مثل موج البحر. وأنا مع الموجة. ولا أترك نفسي للموجة تغرقني، فلا أتضايق من الأحزان ولا أفرح بالبسمات. فالغرور يمكن أن يضيّع الفنان. وكذلك الاستسلام للمعاناة. هل الجمهور مسؤول عن فساد الذوق بتشجيعه أصواتاً لا تملك الشدو العذب ولا الصوت الجميل؟ - الاجهزة الاعلامية والفضائيات هي المسؤولة عن فساد الذوق، لأنها تسمع الجمهور أنواعاً معينة من الغناء الهابط. فالجمهور يسمع ويشاهد ما يبث له والمنتجون تجار يريدون الكسب السريع، ولا يراعون ذوق الجمهور ولا يهمهم هذا. وساعات البث التلفزيوني لا تتوقف. فدائماً تغطي بالكم وليس بالكيف، ومن هناجاء فساد الذوق، والجمهور بريء!! على أي أساس تختار أغانيك التي تصور فيديو كليب؟ - هناك أمران مؤثران في اختياري اغنياتي التي تصور، أولهما أنني أجلس مع اصدقائي ونختار أغنية تستحق أن تصور من أغاني الألبوم وتصل إلى الجمهور بسرعة. والأمر الثاني ان يطلبني مخرج ويطلب مني ان يصور أغنية لي يحبها فنجلس معاً ونضع تصوراتنا لتصويرها. والفيديو كليب سلاح ذو حدين فالصورة اذا كانت جيدة مع مطرب سيء فهي تعجب الجمهور، واذا كانت الصورة سيئة والمطرب جيد والاغنية جيدة فلن تصل إليه!! ما رأيك في المطربين الذين يقدمون أغاني الغير ولا سيما أنك اقبلت على هذه التجربة؟ - أنا مع الفكرة، لأن عن طريق المطربين الموجودين حالياً، تستمع الاجيال الجديدة الى تراثهم الغنائي في معالجة موسيقية حديثة تتناسب مع التطور الهائل الذي حدث في الموسيقى. لكنني ضد أن يغني مطرب ألبوماً كاملاً لغيره. لماذا لم تغنّ اللون الخليجي؟ - لا أعرف ربما لم تُعرض عليّ كلمات وألحان خليجية، واذا عرضت عليّ اغانٍ ووجدت انها ستضيف الى رصيدي الفني، أغنيها على الفور!! قدمت للسينما أربعة أفلام سينمائية، ثم ابتعدت.. لماذا؟ - هذا راجع الى ظروف السينما إذ انخفض عدد الافلام المنتجة، وابتعد المنتجون عن تقديم الفيلم الغنائي نظراً لكلفته. الوضع تحسن حالياً وهو ما يشجعني على خوض تجربة السينما مرة اخرى من خلال فيلم تشاركني بطولته المطربة انغام ويكتبه حالياً الشاعر بهاء جاهين ويخرجه شريف عرفة!! من المطرب الذي تعجبك اختياراته الغنائية؟ - محمد منير، لأن اختياراته مهمة جداً ومحترمة. ماذا تمثل لك مسرحيتك "رصاصة في القلب" المعروضة حالياً؟ - انضج تجاربي المسرحية. وهي عودة الى المسرح الغنائي الذي افتقدناه، وعودة لصلتي بالمخرج المسرحي حسن عبدالسلام الذي سبق ان تعاونت معه في غير مسرحية مثل "نوار الخير" و"ليلة من ألف ليلة". وفي هذا العمل ابتعدنا تماماً عن الفيلم الغنائي الذي قدم في الاربعينات موسيقار الاجيال محمد عبدالوهاب وذلك من خلال أغان جديدة ابدعها الشاعر بهاء جاهين ولحنها احمد الحجار وامير عبدالمجيد. لمن تسمع مشيرة علي الحجار؟ - تسمعني، وتسمع غيري من المطربين امثال عبدالحليم ومحمد منير ومحمد الحلو. وهي متابعة جيدة لمجريات الأمور في الساحة الغنائية من فرقعات غنائية كاذبة. لكنها بحكم كونها فنانة ورسامة وتعزف على البيانو فتجيد الاختيار وتبتعد عن النشاز!! ما جديدك الغنائي؟ - ألبوم كاسيت يجمعني والشاعر سيد حجاب والموسيقار عمار الشريعي وسيصدر في نهاية الصيف!