بول وولفوفيتز اعتذر وقال إنه لن يستقيل من رئاسة البنك الدولي بعد أن استغل نفوذه لزيادة مرتب عشيقته شاهه علي رضا، والرئيس بوش أعلن أنه يدعمه للبقاء في منصبه بعد ان اعتذر. ربما كان الاعتذار كافياً في موضوع البنك، غير أن هناك العراق وضحايا حربه، والاعتذار لن يرد الموتى الى الحياة، ولن يزيل حزن الأهل عليهم، مع العلم أن عصابة الحرب لم تعتذر بعد، فالرئيس لا يزال يصر على أن قرار الحرب كان سليماً، وأن النجاح ممكن. بهذا المنطق الفِيَلة تطير، ولكن أبقى على الأرض مع وولفوفيتز، فهو صهيوني متطرف كأبيه جاكوب يعقوب من قبله، وأخته لورا تعيش في اسرائيل، والأسرة كلها ليكودية متطرفة. هو درس العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، وتأثر بمحاضرات ليوشتراوس، منظّر المحافظين الجدد وبأستاذه أثناء اعداد أطروحة الدكتوراه اليوت وولستر. ومنذ بدأ نجمه يصعد وهو متطرف بامتياز، فقد كان أول عمل له مع مجموعة لوبي تسعى لبناء نظام دفاع ضد الصواريخ، وعندما انضم الى وكالة السيطرة على التسلح ونزع السلاح عارض اتفاق الحد من الأسلحة النووية الذي توصل اليه هنري كيسنجر مع السوفيات، ثم عمل في"الفريق بي"الذي كانت مهمته تحليل النيات العسكرية السوفياتية، وقدر خطأ أن الاتحاد السوفياتي يعتقد بأنه يستطيع الانتصار في حرب نووية، وان عدم وجود أدلة على أسلحة سرية عند السوفيات لا يعني أن هذه الأسلحة غير موجودة. الحرب على العراق لم تأت من فراغ، ودور وولفوفيتز فيها مرسوم قبل سنوات من إرهاب 2001، فقد شارك في تأسيس مشروع القرن الأميركي الجديد سنة 1997، واعلان مبادئ المعهد الذي يحمل تاريخ حزيران يونيو من تلك السنة وقعه 25 من أبرز دعاة الامبراطورية الأميركية والحرب على العرب والمسلمين، وكان وولفوفيتز في مقدمهم. المعهد دعا بصراحة الى هيمنة عسكرية أميركية على العالم، ورسائل الأعضاء الى الرئيس بيل كلينتون، ثم الى جورج بوش حثت على مهاجمة"حزب الله"وسورية واسقاط نظام صدام حسين. والأعضاء الصهيونيون الليكوديون قدموا مصلحة اسرائيل على كل مصلحة أخرى. هذه الخلفية وحدها تكفي دليلاً على أن عصابة الحرب لم تخطئ في جمع المعلومات عن أسلحة الدمار الشامل في العراق، والعلاقة مع"القاعدة"، بل كذبت في شكل متعمد لتحقيق أحلام قديمة مسجلة في بناء امبراطورية أميركية تكون اسرائيل شرطيّها في الشرق الأوسط. وولفوفيتز كان"مهندس"الحرب، وهو أشرف على عمل دوغلاس فايث في مكتب الخطط الخاصة، فلا آتي بأي رأي من عندي وانما أترجم حرفياً عن تقرير المفتش العام لوزارة الدفاع الأميركية بعد أن درس معلومات الاستخبارات التي استعملت لتبرير الحرب. هو قال: ان مكتب وكيل وزارة الدفاع للسياسة أَعد ووزع معلومات استخبارات بديلة عن العراق وعلاقته مع"القاعدة"توصلت الى استنتاجات خالفت توافق أسرة الاستخبارات، ونُقلت الى كبار صنّاع القرار. وفي حين أن هذه الأعمال لم تكن غير شرعية، أو غير مصرح بها، فإنها في رأينا كانت غير صحيحة لأنها لم تشرح اختلافها مع توافق أسرة الاستخبارات، والسبب أن دور مكتب وكيل الوزارة للسياسة وسَّعت مهمته من رسم السياسة الى جمع معلومات استخباراتية بديلة وتوزيعها. والنتيجة أن المكتب لم يقدم تحليلاً دقيقاً للمعلومات الى صنّاع القرار. أقول إن ما سبق جزء من الصورة، فالمكتب الذي أداره فايث تحت اشراف وولفوفيتز على علاقة مباشرة بأوقح كذبة سبقت الحرب، وهي تزييف وثائق ورسائل تزعم ان العراق حاول شراء يورانيوم، أو ما سمي الكعك الأصفر، من النيجر. هنا يبرز اسم مايكل ليدين الذي لا يزال يدعو الى حرب على إيران، فقد زار ايطاليا حيث سبق أن عمل، وكان على تعامل مع مكتب الخطط الخاصة الذي أرسله الى روما حيث اتصل بأصدقائه في الاستخبارات الإيطالية"سيسمي"، ولو كنت أملك فائضاً من المال لكنت كلفت محققين خاصين متابعة التزوير، وتحديد هوية كل شخص شارك فيه. فهنا أيضاً يبرز دور وولفوفيتز في التحقيقات الرسمية الأميركية، ويبدو أنه أقنع نائب الرئيس ديك تشيني بمتابعة معلومات الاستخبارات الايطالية عن يورانيوم النيجر. نعلم جميعاً اليوم أن الصحافة الإيطالية قررت أن الرسائل مزورة، والدكتور محمد البرادعي، رئيس وكالة الطاقة الذرية الدولية في فيينا، ألقى نظرة سريعة على الرسائل ثم قال إنها مزورة، الا ان الرئيس بوش ضمَّن خطابه عن حالة الاتحاد، في كانون الثاني يناير 2003 المعلومات المزورة، ولم يسحبها الا بعد الحرب. وولفوفيتز كان لاعباً أساسياً في دفع الولاياتالمتحدة نحو حرب على العراق، وبعد أن ثبت زيف المعلومات البديلة كافة، وبعد أن دفع جنود أميركا الثمن مع مئات ألوف العراقيين، لم يحاكم وولفوفيتز وأركان العصابة الآخرون، وانما كوفئ بتعيينه رئيساً للبنك الدولي حيث تصرف بغطرسة، وتفرد بالقرارات الى أن وقع في جنحة محاباة عشيقته لا جريمة القتل المتعمد، فهو اذا كان دمر بلداً على رأس أهله ولم يحاسب، فمن حقه أن يتوقع عدم محاسبته على ترقية موظفة. ألف وولفوفيتز لا يساوون دمع امرأة عراقية على رجُلها أو ابنها.