عندما يصل خبر مقتل أحد الشبان السعوديين في العراق إلى أسرته داخل السعودية، تتوجه مجموعة من "الدعاة والداعيات" إلى هذه الأسرة لتذكيرها بفضل "الجهاد"، وبأن أبناءها "الشهداء" سيكونون شفعاء لهم في الجنة، ويحثونهم على مسامحة أبنائهم"الشهداء"الذين ذهبوا إلى العراق من دون إذنهم، ما يمثل ضغطاً على الأسرة، يجعلها تكتم ألمها. أم سامي الرويلي من منطقة الجوف شمال السعودية تنتابها حتى الآن حالات من البكاء والألم كلما تذكرت ابنها عبدالله 25 سنة، الذي قتل في العراق قبل أكثر من 3 سنوات. رفضت أم سامي مكالمة ابنها حين كان يطلب منها بأن تسامحه على ذهابه الى العراق، وكانت تطلب من شقيقاته حين يتصل بهن أن يعلمنه أن أمه لن تسامحه على ذهابه إلى العراق، أملة بأن يعود لها يوماً! خالد الخالدي قتل في العراق قبل نحو أربعة أشهر، ويؤكد والده لپ"الحياة"أنه لم يكن يعلم بنية ولده التوجه إلى العراق، ويضيف:"لو علمت بنيته هذه لمنعته من التوجّه إلى هناك". وأشار إلى أنه كان يرفض الرد على أي مكالمة من خالد حين كان يتصل من العراق، وقال:"كان يكلم والدته وأشقاءه، وتلح والدته في كل مكالمة على أن يحضر إلى السعودية في أقرب وقت". ولم يدر بخلد أسرة الفهيقي عندما وافقت على سفر ابنها فهد نومان 24 سنة إلى القصيم للدراسة في فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية هناك، أن ينقله"التغرير"إلى بلاد الرافدين من دون أن يحيطها علماً. وتفاجأت عائلته بخبر ركوبه سيارة مفخخة من العراق ومحاولته تفجير معبر الكرامة الأردني عام 2004، بدلاً من أن يعود من مقاعد الدراسة بشهادة جامعية. ومع أن الزرقاوي الذي قتلته القوات الأميركية منتصف السنة الماضية هو المتهم الرئيسي بتحريض الفهيقي وغيره من الشبان السعوديين المغرر بهم، إلا أن الفهيقي حوكم في قضية محاولة التفجير المشار إليها باعتباره المتهم الأول، فيما جاء الزرقاوي في المرتبة الثانية في لائحة الاتهام. الزواج هو الحل! تنبهت الأسر في منطقة الجوف إلى خطورة ذهاب أبنائها بكثرة إلى العراق، ويقدر شبان في المنطقة عدد زملائهم في العراق بنحو300، وذلك على رغم نشر فتاوى مجموعة من العلماء السعوديين تحذر الشبان من الذهاب إلى هذا البلد. لذلك، فإن أهالي الجوف وضعوا لوقف هجرة شبانهم، إستراتيجية تعتمد على محاولة تزويجهم بأسرع وقت ممكن. وقال شاب في العشرين من العمر فضل عدم ذكر اسمه لپ"الحياة"، إنه عاد إلى منطقة الجوف من العراق، بعدما طلب منه المسؤول عن تجنيده في العراق، تنفيذ عملية انتحارية ضد أهداف مدنية، يحددها القائد في ما بعد - بحسب قوله - مؤكداً أنه رفض هذا النوع من القتال، لأنه كان يعتقد بأنه ذهب للجهاد هناك ضد"الأميركان". وأوضح الشاب أنه عاد إلى السعودية بالطريقة نفسها التي دخل بها العراق، إذ أعطى أحد الأشخاص مبلغ 5 آلاف ريال لقاء إيصاله إلى الأراضي السورية، ومنها إلى وطنه. وأضاف، إن أهله بعد هذه الحادثة سارعوا إلى تزويجه، حتى لا يفكر في الذهاب مجدداً إلى العراق، مشيراً إلى أن نسبة كبيرة من أهالي الجوف أصبحوا يخشون على أولادهم أن يذهبوا إلى العراق. طرق الوصول... يعبُر غالبية الشبان الراغبين في التوجه إلى العراق أعمارهم بين 18 و25 سنة من طريق منفذ الحديثة الحدودي بين السعودية والأردن، ومن الأردن إلى سورية ثم يتفقون مع أشخاص معروفين في سورية على تهريب المقاتلين إلى داخل العراق في مقابل أجر مادي يتراوح بين خمسة آلاف وعشرة آلاف ريال. أما الشبان الممنوعون من السفر وهم العائدون من أفغانستان، فيدخلون العراق بطريقة غير مشروعة، بتخطي الحدود السعودية - العراقية، بعد التنسيق مع الجماعات الإرهابية هناك. ومن وسائل الشبان الأخرى الاتفاق مع بعض الحجاج العراقيين الذين يتوجهون إلى مكةالمكرمة بواسطة الحافلات، على الركوب مكان هؤلاء الحجاج في رحلة العودة إلى العراق، إذ يتخلف حاج أو حاجان من الجنسية العراقية عن التوجه إلى العراق، ويحل محلهم الشبان الراغبون في التوجه إلى العراق للقتال. تجنيد هاتفي وكشف مصدر أمني سعودي لپ"الحياة"أن هناك من قبض عليهم في السعودية، إثر تلقيهم اتصالات من قيادة الجماعات المتطرفة المقيمة في العراق تحرض هؤلاء على تجنيد الشبان للتوجه إلى العراق. وعن كيفية إجراء تلك الاتصالات قال المصدر:"إن الشبان الذين يتوجهون إلى العراق، يتم تجنيد بعضهم من قبل تلك الجماعات المتطرفة داخل العراق من أجل تزويدهم بأسماء بعض الأشخاص من داخل السعودية، ويعتقد قادة تلك الجماعات بأن هؤلاء الأشخاص المستهدفين بالاتصالات من داخل السعودية سيقومون بتجنيد بعض الشبان وتحريضهم على التوجه إلى العراق، وتسهيل مهمتهم وإرشادهم إلى الطرق التي توصلهم إلى داخل العراق". وذكر المصدر أن الشبان الذين يتم تسلمهم من السلطات السورية بتهمة محاولة التسلل إلى العراق للقتال هناك، يحاكمون بحسب دور كل واحد منهم،"إذ يتم إطلاق سراح الشبان الصغار المغرر بهم، أما البعض الآخر فيقضي فترات أطول في السجن لدوره في التجنيد". * غداً حلقة ثانية من الملف