السعودية تستضيف الاجتماع الأول لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب    المياه الوطنية: خصصنا دليلًا إرشاديًا لتوثيق العدادات في موقعنا الرسمي    ارتفاع أسعار النفط إلى 73.20 دولار للبرميل    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غرباء يأتون في "موسم القاعدة" لتجنيد انتحاريين للعراق . "تكفيريون" جاؤوا من أوروبا إلى مجدل عنجر وزعيمهم اللبناني صار مساعداً للزرقاوي ... وقتل 2 من 2
نشر في الحياة يوم 01 - 03 - 2008

تناولت حلقة أمس قضية"الخروج"أو"رحلات الجهاد"من مخيم عين الحلوة في جنوب لبنان الى العراق، حيث سقط عشرات القتلى الشبان أثناء عملهم مع جماعات"جهادية تكفيرية"في العراق وفي عمليات انتحارية، ونعاهم تنظيم"قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين". اما حلقة اليوم فتتناول مصير عشرات العائدين من العراق بعدما امضوا أوقاتاً في العمل مع جماعات وشبكات قاعدية وعادوا بعدها الى لبنان، وماذا تعني عودتهم اذا قيست بعودة مماثلة لعربپ"هاجروا"الى بلاد"الجهاد"، فتحولوا خلايا نائمة تنتظر إيقاظها في مهمات وأدوار عانت بلادهم منها. ولم تقتصر ظاهرة العائدين من العراق في لبنان على ناشطين اصوليين من مخيم عين الحلوة وإنما شملت أيضاً مناطق أخرى من لبنان، لا سيما البقاع وبلدة مجدل عنجر تحديداً.
يصر مسؤول ميليشيا حركة"فتح"في لبنان منير المقدح على ان ليس لتنظيم"القاعدة"وجود في مخيم عين الحلوة، ويقول ان الساحة الفلسطينية خالية من التنظيمات السلفية الجهادية. وعن"عصبة الأنصار"يقول انها ليست تنظيماً سلفياً، ويشير الى أصول مؤسسها هشام شريدي الذي تأثر بأفكار حزب التحرير الإسلامي قبل ان ينشئ تنظيمه الصغير."الخروج"الى العراق لا يعني بحسب كثير من فعاليات المخيم انتماء الى"القاعدة"، فالتنظيمات التي ترسل ناشطيها الى ذلك البلد معروفة وعلى رأسها"عصبة الأنصار". لكن السؤال يكمن في أساليب الذهاب والشبكات التي تتولى تأمين الطرق والجماعات التي تستقبل المتطوعين في العراق، والسؤال الأهم طبعاً مرتبط بوظيفة العائدين من هناك وهم كثر ومرشحون لأن يصبحوا اكثر. فمن المعروف تقليدياً ان الشبكات"القاعدية"الناشطة في معظم الدول تتشكل من أفراد خاضوا تجربة"الهجرة"وعادوا الى بلادهم محملين بأفكار وميول مختلفة عن تلك التي كانوا يحملونها قبل"هجرتهم"، وتحولوا في بلادهم الى خلايا نائمة مرتبطة الى حد كبير بالجماعات التي عملوا معها في بلاد"الجهاد". انها تجربة"الأفغان العرب"في كل من مصر والسعودية والأردن والجزائر والمغرب واليمن وغيرها من البلدان التي أرسلت بعض ابنائها الى افغانستان وعادوا اليها على نحو لا تشتهيه. ولبنان والمخيمات الفلسطينية فيه، لن تشكل استثناء.
للبنان تجارب طفيفة على هذا الصعيد، فالمجموعات التكفيرية الصغيرة التي ظهرت فيه، او تلك التي لعبت ادواراً امنية في حقبات سابقة لطالما تشكلت قياداتها من شبان خاضوا التجربة الأفغانية. هذه هي حال بسام كنج ابو عائشة الذي قاد مجموعة الضنية عام 2000 والتي تألفت من مجموعة شبان اضطهدتهم الأجهزة الأمنية اللبنانية، وأنشأ كنج معسكراً لهم في جرود الضنية، وخاضوا مواجهات مع الجيش اللبناني أدت الى سقوط قتلى من الطرفين على رأسهم"أبو عائشة"نفسه. علماً ان الأخير وشخصاً آخر من هذه المجموعة كانا الوحيدين من بين أفرادها اللذين ذهبا الى افغانستان. وكذلك حال احمد الكسم الذي كان على رأس المجموعة التي اغتالت رئيس"جمعية المشاريع الإسلامية"الشيخ نزار الحلبي، فأحمد هو من اللبنانيين القلائل الذين"هاجروا"الى افغانستان.
وربما يكون أحد أسباب ضعف نشاط"القاعدة"في لبنان ندرة الذين"هاجروا"من اللبنانيين الى افغانستان، وسبق للشيخ عبدالله عزام الملقب بشيخ الأفغان العرب الذي اغتيل أواخر 1989 في مدينة بيشاور الباكستانية ان اشار الى هذه"الندرة"أثناء تشييع شاب فلسطيني من مخيم صبرا في مدينة بيشاور، وشرح عزام في حينها ان الإغراءات التي يمثلها لبنان للشباب، هي التي تعيق اندفاعهم الى"الجهاد".
لماذا لا تكون"الهجرة"الى العراق هذه الأيام موازية لپ"الهجرة"الى افغانستان في ثمانينات القرن الفائت وتسعيناته؟ فالشروط متشابهة في"الهجرتين"، وربما تجمعت في"الهجرة"الى العراق شروط أكثر تدفع الى تشكل العائدين منها في جماعات، وارتباطهم بشبكات تتعدى أوطانهم. الأرجح ان لبنان لم يرسل أعداداً تذكر الى افغانستان، لكنه في المقابل أرسل عشرات وربما مئات الى العراق. هناك، من الذي استقبلهم وأعاد تشكيلهم؟ الإشارات التي أطلقها أهل بعضهم عن تبدل في أحوالهم وأذهانهم لمسها الأهل من الاتصالات الهاتفية الدورية التي يجرونها معهم، وهي تفيد ان هؤلاء انخرطوا في سياقات وضائقات غير"محلية". وهنا يصبح القول إن لبنان أو مخيم عين الحلوة خالٍ من اي وجود لتنظيم"القاعدة"، أمراً يحتاج الى تدقيق. ناهيك عن أن الإقامة في مخيم عين الحلوة إقامة في"هجرة"أصلاً، اذ تتوافر فيها الشروط"الجهادية"التي يؤمنها الألتحاق ببلاد الجهاد.
يقول منير المقدح ان"عصبة الأنصار"ليست جماعة سلفية، وهذه إشارة أولى الى كونها ليست فرعاً لتنظيم"القاعدة"في لبنان أو في المخيم. ينفي هذا الافتراض أحد الناشطين"الجهاديين"اللبنانيين، اذ يؤكد"ان الأخوة في العصبة في طريقهم الى إكمال سلفيتهم الجهادية. قد تنتشر بينهم بعض العادات المخالفة، كالتدخين مثلاً، وبعضهم الآخر ولأسباب امنية لم يطلق لحية يتجاوز طولها قبضة الكف، لكن هذه اشارات خارجية وربما املتها الضرورات".
المخيم بيئة أمنية نموذجية لتوطن شبكات وأشخاص منقطعين عن سياقات أمنية وسياسية محلية. ثمة لاجئون عراقيون وسوريون، وهناك أفراد جاؤوا من بلاد بعيدة وأقاموا في المخيم أو عند أطرافه. هذه حال أبو محمد المصري، وهو إسلامي مصري جاء الى المخيم أواخر العقد الفائت وأقام فيه وافتتح محلاً لبيع الفول قرب مسجد الطوارئ الى ان اغتيل على نحو غامض عندما انفجرت سيارة قرب محله. ويتردد في المخيم ان المصري كان عضواً في تنظيم"القاعدة".
المخيم، وعلى رغم الإجراءات الأمنية التي تتخذها السلطات اللبنانية في محيطه، ليس جزيرة معزولة عن بيئة نشاطات"الجهاديين"اللبنانيين. فلجوؤهم اليه بعد كل حادثة مع الجيش اللبناني ليس العلامة الوحيدة على امتداد"الشبكات الجهادية"وتواصلها. إذ اثبت التحقيقات في ملفات كثيرة ان المخيم حلقة متصلة بسلسلة من الحلقات الممتدة الى خارجه وفي كثير من الأحيان الى خارج لبنان. وربما كان موضوع الذهاب الى العراق احدى القضايا التي تختبر فيه هذه الحقيقة، فتختلط الوظائف وتتشعب المهمات. الشبكة الأخيرة التي فككت في بيروت وتضم ناشطين لبنانيين وسوريين إضافة الى أردني وسعودي، والتي ترجح الأجهزة الأمنية اللبنانية ان تكون وظيفتها الأساسية تجنيد متطوعين الى العراق، جاء أفرادها من سورية بحسب معلومات رسمية لبنانية. وألقي القبض على أفرادها أثناء التحقيق في قضية احمد ابو عدس، اذ تعتقد سلطات التحقيق اللبنانية والدولية بأن ناشطاً"جهادياً"فلسطينياً يدعى خالد طه هو من اصطحب ابو عدس الى سورية قبل أسبوعين من جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
اذاً، نحن أمام شبكة تعمل لتجنيد متطوعين الى العراق، جاءت من سورية ومن بين أفرادها ستة سوريين، ويُعتقد بوجود خيوط بين نشاطها وجريمة اغتيال الحريري، وتتداخل انتماءات ناشطيها بين بؤر"جهادية"لبنانية وفلسطينية، إضافة الى قدرات مالية ولوجستية كبيرة لوحظ تمتع عناصرها بها. وترجح مصادر امنية لبنانية ضعف علاقة هذه الجماعة بتنظيم"القاعدة"، وتؤكد لپ"الحياة"انها تميل الى الاعتقاد بعلاقة ما تربط هذه المجموعة بالسلطات السورية وبأبي مصعب الزرقاوي من دون ان يعني ذلك"قاعديتها". لكن تشعب الوظائف وتداخل المنابت وأداء الخدمات لجهات مختلفة، تدفع الى السؤال عن جدوى المقصود في ما اذا كانت هذه الشبكة"قاعدية"ام لا طالما ان الوظيفة واحدة، علماً ان بين الموقوفين بتهمة الانتماء الى الشبكة ثلاثة أشقاء لبنانيين كان ثالثهم يعيش خارج لبنان وفوجئ أهله باعتقاله في لبنان، إذ كانوا يعتقدون بأنه يعمل في الخارج.
حين يسأل أهالي بلدة لبنانية او مخيم فلسطيني في لبنان عن جماعة أصولية"جهادية"في البلدة او المخيم، يبادرون الى نفي اي علاقة لهذه الجماعة بتنظيم"القاعدة"مشيرين الى ان هؤلاء الشباب يعملون في"الموضوع العراقي". في العراق ربما تعاونوا مع"القاعدة"او عملوا معها، اما في لبنان فهم"مقاومة عراقية". ويشير الجميع الى ان الأجهزة الأمنية اللبنانية والسورية كانت على علم بنشاط هؤلاء، وشجعته في أحيان كثيرة. هذا ما قاله عدد من سكان مخيم عين الحلوة وكثيرون من أهالي بلدة مجدل عنجر البقاعية المعروفة بإرسال أبناء منها الى العراق. وقد يصح بعض هذا الكلام قبل انطلاق هؤلاء الناشطين الى العراق، خصوصاً ان هذا الانطلاق كان برعاية أهلية وسياسية تمثلت الأولى بموافقة اجتماعية ضمنية على هذه"الهجرة"، وتمثلت الثانية بالرعاية الأمنية شبه الرسمية التي أمنتها السلطات اللبنانية في حقبة الوجود العسكري السوري في لبنان. ولكن هذا الكلام يفقد معناه ما ان يعود من يبقى حياً من هؤلاء في العراق الى لبنان، اذ ان اقامته في"جماعة جهادية"تجعل احتمال تجنيده وإرساله"نائماً"الى بلده في انتظار إيقاظه في مهمة أخرى، امراً راجحاً، وهذا ما أثبتته مئات التجارب على هذا الصعيد.
النموذج الثاني
تعتبر بلدة مجدل عنجر اللبنانية المحاذية للحدود مع سورية نموذجاً لبنانياً ثانياً من الممكن ان يبحث من خلاله مدى تغلغل تنظيم"القاعدة"او الشبكات المتماهية معه في لبنان. كما يكشف هذا النموذج طبيعة العلاقة التي كانت تربط أجهزة في لبنان وسورية بهذه الجماعات في أطوار تشكلها الأولى. فقد قتل من ابناء البلدة في العراق ثلاثة شبان هم حسن صوان وعلي الخطيب ومحمد ابو نوح، كما قتل مصطفى رمضان ونجله محمد هناك ايضاً، ومصطفى كردي بيروتي متزوج من سيدة من مجدل عنجر، وله دور كبير في مسألة تجنيد شبان من البلدة وإرسالهم الى العراق.
بدأت قصة مجدل عنجر مع"السلفية الجهادية"وفق منطق مجيئها الى كثير من المناطق التي حلت بها، اذ تزاوج ميل تقليدي وإيماني محلي مع شحنات عنف آتية من الخارج وتولّد منها فكر تكفيري. فمجدل عنجر تقليدياً من البلدات التي تشهد ميولاً تدينية ووصلتها السلفية الدعوية الهادئة منذ عقود. اختيرت البلدة كمقرٍ لأزهر لبنان، وذهب من البلدة مشايخ كثر الى الجامعات الإسلامية في مصر والسعودية للدراسة، وعادوا أئمة لمساجد توزعت في أنحاء البلدة التي يبلغ عدد سكانها نحو عشرين الف مواطن.
وقبل نحو ثلاث سنوات وصل الى البلدة من الدنمارك مصطفى رمضان الذي اصبح يسمى في الوسط"الجهادي"ابو محمد اللبناني. وهو بيروتي من اصل كردي تزوج من سيدة من البلدة أواخر ثمانينات القرن الفائت وذهب بزوجته الى الدنمارك ثم عاد قبل ثلاثة اعوام تقريباً وقرر الإقامة في البلدة. لكن مجيئه في المرة الثانية ترافق مع تبدل في هيئته وطباعه، فقد لاحظ ابناء البلدة ان الآتي اليهم من الغرب صار يرتدي ثوباً"شرعياً"ويطلق لحية طويلة. وكالعديد من سير الناشطين التكفيريين يبدأ السكان بسيرة مصطفى شارحين بداياته غير الدينية واهتداءه بعد سنوات أمضاها في اللهو وشرب الخمر.
بدأ مصطفى العمل في أوساط الشباب المتدينين من ابناء البلدة، لا سيما من وصلتهم أطراف الدعوة السلفية التي جاء بها الى البلدة دعاة تقليديون. ويبدو ان مصطفى تمكن من الوصول الى عقول عدد من هؤلاء. وكانت الخطوة الأولى تكفير هؤلاء المتأثرين بمصطفى، كل من يخالفهم في الدعوة من أبناء البلدة. لذلك نشبت خلافات أدت الى إبعاد مصطفى وعائلته الى بلدة كفر زبد القريبة، لكن الشاب الكردي الدنماركي كان تمكن من تشكيل مجموعة مناصرين له من ابناء مجدل عنجر يؤمنون ب"الفكر الجهادي التكفيري".
لم يكن مصطفى وحده متصدياً لپ"الدعوة"في اوساط"جهاديي"مجدل عنجر، بل ساعدته على ذلك مواقع الكترونية صارت في متناول هؤلاء الفتية الذين يجمع سكان البلدة على ان معظمهم من غير المتعلمين، ويعمل معظمهم سائقي سيارات عمومية كانت تقل ركاباً الى سورية. شرع هؤلاء الشباب بملاحقة فتاوى مشايخ خارج لبنان من خلال الانترنت يستمدون منها احكاماً تتعلق بحياتهم في البلدة. وفي هذا الوقت كان النظام في العراق سقط على أيدي الأميركيين، وكان اول المبادرين لپ"الخروج"مصطفى رمضان الذي اصطحب معه ابنه الذي لم يكن بلغ في حينها سن السادسة عشرة. ويروي ابناء البلدة حكاية رجل يمني يدعى"ابو معاذ"جاء صيف 2003 الى المنطقة عبر الحدود السورية والتقى رمضان، وتولى بعد سفر الأخير الى العراق نقل شبان منها الى هناك.
في العراق تحول مصطفى رمضان الى"ابو محمد اللبناني"وهو اسم ذاع صيته لدى دوائر الأمن العراقية والأميركية. وأكدت مصادر كردية عراقية لپ"الحياة"ان"ابو محمد"اصبح من المقربين جداً الى الزرقاوي ولاحقاً قتل في غارة أميركية على موقع كان يتحصن فيه، وان ابنه محمد قتل قبله بأشهر في احدى مناطق العراق. وأفادت مصادر أخرى ان"أبو محمد"الذي جُنِد في الدنمارك كان قريباً من أصوليين اكراد، وان علاقته بالزرقاوي نشأت من خلال نشاطه مع جماعة"انصار السنة"التي يتزعمها الملا كريكار المقيم في النروج.
في هذا الوقت كانت السلطات اللبنانية، وفي خطوة وصفت بأنها"متسرعة"، اعلنت كشفها شبكة لتنظيم"القاعدة"في لبنان تخطط لأعمال من بينها تفجير السفارة الإيطالية في بيروت، ومعظم اعضاء هذه الشبكة هم من بلدة مجدل عنجر. التسرع الذي وُصفت به الخطوة مرده افتراقٍ في رغبات أجهزة أمنية لبنانية وسورية. هذا الافتراق لا يبدو ان الطرف اللبناني اجاد تقديره. فهدف الإعلان اللبناني كان السعي الى ملاقاة الجهود الأميركية في"مكافحة الإرهاب"، وهو امر لم تكن لترفضه سورية لولا ان على رأس المتهمين هذه المرة، اسماعيل الخطيب الذي توفي أو"قُتِل"في السجن، وكان ناشطاً في الموضوع العراقي الذي ترعاه سورية أو لا تحاربه على الأقل. واعلان"الشبكة القاعدية"كان سيملي على السلطات اللبنانية فتح محاضر التحقيق امام اجهزة امنية غربية قد تتمكن من تحديد نشاط هذه الشبكة في العراق بالعلاقة مع اطراف محلية. فكان ان"توفي"اسماعيل الخطيب في السجن.
يعتقد معظم سكان مجدل عنجر بأن قضية السفارة الإيطالية مختلقة، وان افراد الشبكة التي تحدث عنها وزير الداخلية آنذاك الياس المر كانوا يعملون في تهريب السلاح والمقاتلين الى العراق، وان السلاح والمتفجرات التي ضبطت في منازل عدد من أفرادها كانت ستنقل الى هذا البلد الذي سبق ان دخله معظم افرادها وعادوا منه. ويشير عدد من السكان الى ان نشاط هؤلاء الشباب كانت تعرفه الأجهزة الأمنية اللبنانية، وانها أوقفت اسماعيل الخطيب نفسه ثم أفرجت عنه بعدما اكتشفت ان نشاطه مقتصر على العراق.
اليوم يعيش معظم افراد هذه الجماعة، او من بقي حياً منهم في مجدل عنجر، بعدما شملهم قانون العفو. اما مسألة"الهجرة"الى العراق فتضاعفت صعوباتها بعد تأزم العلاقات اللبنانية - السورية، لكنها لم تصبح مستحيلة. اذ تمكن أحد شباب تلك المجموعة من التسلل مجدداً الى العراق منذ نحو شهر، علماً ان المنطقة التي يتسللون منها هي منطقة نبع شمسين التي لا تبعد اكثر من كيلومتر واحد عن المقر السابق للاستخبارات السورية في لبنان في بلدة عنجر.
ويرفض احد الذين التقتهم"الحياة"من شباب مجدل عنجر ممن ذهبوا الى العراق وعادوا، الإفصاح عن الجهة التي كانت تستقبل المتطوعين هناك، مشيراً الى ان هناك اكثر من جهة ، وكل جماعة تقصد جهة تربطها بأعضاء فيها علاقات سابقة. وقد يُفهم من هذه الإشارة ارتباط شباب مجدل عنجر بجماعة"ابو محمد اللبناني"ابن بلدتهم او"صهرها".
يؤكد بهاء وهو احد شباب"الدعوة السلفية"في لبنان ان"الخروج"الى العراق من لبنان يكاد يكون مقتصراً اليوم على شباب"عصبة الأنصار"، مع بعض الاستثناءات. لكنه يضيف ان ليس هناك شاب ملتحٍ في لبنان الا وجاءه عرض في الفترة السابقة للالتحاق بمجموعات"جهادية"في العراق. ويلفت الى ان هذه المسألة متفاوتة بين جماعة واخرى، وان أجهزة أمنية لعبت ادواراً في هذه القضية. ويشير الى ان سماسرة طرق كثر سلموا مجموعات من هؤلاء الشباب الى القوات الأميركية والعراقية. ويؤكد مصدر امني عراقي لپ"الحياة"ان لدى اجهزة الأمن العراقية نحو 20 موقوفاً لبنانياً ونحو خمسين فلسطينياً بعضهم من مخيمات لبنان. وينبه الى ان لدى الأميركيين اعداداً اخرى لم يفصحوا عنها نظراً الى عدم اكتمال التحقيقات مع كثيرين منهم. ويشير الى ان القوات العراقية اعتقلت أخيراً ثلاثة لبنانيين في مدينة الرمادي غرب حيث تكثر الجماعات المسلحة التي تضم متطوعين عرباً.
الشيخ محمد الزغبي، احد مشايخ الدعوة السلفية في لبنان أكد لپ"الحياة"وجود تيار تكفيري في لبنان، وان عدداً من اعضائه يقصدون المساجد ويدعون فيها ويحاولون تحريض الشباب. ولفت الى ان ائمة مساجد لاحظوا ذلك، مشيراً الى انه تصدى معهم لهذه الممارسات في كثير من الأحيان.
يبدو ان محاولات تفسير مدى اختراق الشبكات"القاعدية"لبنان مرتبطة بتعريفنا لپ"تنظيم"القاعدة. اذ لم تعد هذه الجماعة هيكلاً تنظيمياً واحداً ومنسجماً... انها فكرة وأسلوب عمل وصلة بشبكة خارجية، ويرجح ان تكون هذه الشروط متوافرة لدى الكثير من الجماعات اللبنانية والفلسطينية، ناهيك عن شروط اخرى كالپ"هجرة"الى العراق وتسرب الأفكار التكفيرية من مغتربات اوروبية وعربية، إضافة الى ضعف الدولة وأجهزتها. وقبل هذا كله بنية اجتماعية جاذبة لهذه الأفكار او ضعيفة المناعة حيالها. وهذا الشرط الأخير ناجز في لبنان وان على نحو ضعيف وفي هوامش البنية الاجتماعية. ولكن من قال ان"القاعدة"تعمل في المتن؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.