اتهم الرئيس السوداني عمر البشير أمس جهات لم يسمها بالسعي إلى إجهاض اتفاق السلام في جنوب البلاد، وإثارة الاضطرابات في غربها. وأقسم أنه لن يسلم وزير الدولة للشؤون الانسانية أحمد هارون والقيادي في ميليشيا"الدفاع الشعبي"علي كوشيب إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمتهما على ارتكاب جرائم حرب في دارفور. وأكد البشير خلال لقاء جماهيري في غرب إقليم كردفان الذي يزوره لاحتواء توتر واضطربات شهدتها المنطقة أخيراً، أن العام المقبل سيشهد بداية ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب. وكشف أن مشاورات تجري بين حزب المؤتمر الوطني الذي يتزعمه وشركائه في"الحركة الشعبية لتحرير السودان"من أجل تشكيل ادارة موقتة لمنطقة ابيي الغنية بالنفط المتنازع عليها. وأقسم البشير ثلاث مرات أنه لن يسلم هارون وكوشيب المطلوبين لدى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور. واعتبر خلال لقاء آخر في جنوب كردفان مساء أول من أمس، أن الرئيس الاميركي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير ورئيس وزراء إسرائيل السابق آرييل شارون"هم أول من يجب تقديمهم إلى المحاكمة بسبب التشريد والقتل الذي مارسوه في العراق وافغانستان وفلسطين". ورأى أن"من يتحدثون عن المحاكمات الخارجية هم الذين ارتكبوا الجرائم في هذه البلدان". وتعهد أن لا يجامل أي شخص ينتهك حقوق الآخرين، وقال:"سنحاسب كل من يرتكب خطأ، لكننا في المقابل لن نسمح بأي إملاءات خارجية". غير أن مجلس الوزراء السوداني ارجأ اتخاذ موقف حاسم من المحكمة الجنائية الدولية، على رغم قسم البشير الذي لم يحضر جلسة الحكومة أمس. وقال الناطق باسم الحكومة عمر محمد صالح للصحافيين إن الجلسة التي ترأسها نائب الرئيس علي عثمان طه استمعت إلى تقرير من وزير العدل محمد علي المرضي عن الموقف القانوني في القضية، وأكد الوزير عدم اختصاص المحكمة بمحاكمة أي سوداني. وأشار إلى أن"المجلس أخذ علماً بتلك الجوانب ووجه بالاستمرار في التشاور بين الكتل السياسية المشاركة في الحكومة، على ان تقدم اقتراحات محددة تعرض عليه ليتبناها في جلسة الأسبوع المقبل". وعلمت"الحياة"أن هناك مواقف متباينة بين أطراف الحكم في شأن التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية. وقالت مصادر مطلعة ل"الحياة"إن متنفذين في السلطة يقترحون إعفاء هارون من منصبه أو رفع الحصانة عنه ومحاكمته مع كوشيب في السودان، لقطع الطريق على المحكمة ومنعها من إصدار مذكرة توقيف بحقهما. لكن موقفاً آخر يتبناه البشير يرى"عدم المساومة"ويرفض محكامتهما في الداخل، باعتبار أن تقديمها إلى أي محكمة يعني محاكمة النظام سياسياً، كما أنه سيفتح الباب أمام قوى أجنبية لتشديد الضغوط على حكومته. وفي الشأن ذاته، تلقى النائب الأول للرئيس الفريق سلفاكير ميارديت رداً فاتراً من شركائه في الحزب الحاكم على اقتراحه"التعامل بعقلانية"مع ملف المحكمة والإسراع بتسوية أزمة دارفور عبر تقديم تنازلات كبيرة إلى المتمردين ودفع استحقاقات الاتفاق الذي وقع قبل نحو ثمانية شهور. وقالت مصادر قريبة من نائب الرئيس إنه"محبط"من رد شركائه وتقليل بعض قيادات حزب البشير من شأن اقتراحاته. غير أن مساعد الرئيس نافع علي نافع أشاد بموقف زعيم الحزب الاتحادي الديموقراطي محمد عثمان الميرغني الذي رفض في اتصالات هاتفية بقيادات"المؤتمر الوطني"محاكمة أي سوداني أمام المحكمة الجنائية الدولية. واعتبر موقف الميرغني"امتداداً لمواقفه الوطنية المعلنة حول رفض القوات الدولية". ورأى أن"هذا الموقف الزاهي تقابله أقوال ومواقف مشينة"من بعض أحزاب المعارضة التي تراهن على القوات الأجنبية والمحكمة الدولية، في إشارة إلى حزب الأمة برئاسة الصادق المهدي وحزب المؤتمر الشعبي بزعامة الدكتور حسن الترابي. ووصف قادة هذه الأحزاب بأنهم"جهلاء"، وقال إن"تأييد بعض القوي السياسية للمحكمة الدولية يعكس جهلاً سياسياً ويؤدي الى انتحارها سياسياً وانفضاض أنصارها عنها".