بطرافة وتهكم، يدخلنا الكاتب المغربي، ياسين عدنان، عالم شخصياته، الذي غالباً ما ينتهي نهاية يتدخل فيها المؤلف. عالم قد يكون بسيطاً، من هاجس شخصي او مركباً، من عوامل عدة، ولكنه غالباً ما يسرق منك ابتسامة، وأنت تقرأ. متانة الصياغة، مع طرافة الأسلوب، جنبت القصص الوقوع في المأساة، حتى بوجودها، ما عدا قصة واحدة، حكت عن حرب العراق، وغلبت عليها النبرة العاطفية. بعض القصص، كپ"درس عذري"وپ"مرآة الجدة"وپ"فيصل العطار"، قد تحمل في نواتها كل معاني المأساة أو الأسى، ولكن المؤلف ألبسها صيغة أسلوبه السلس ليحافظ على نبرة السخرية فيها. قصص قد تكون مواضيعها مطروقة، كپ"نجم فوق السطح"أو"عبدو المسعوف"، أمدها المؤلف بتشابيهه وطرافة الوصف، بما جعلها اقرب الى مادة تلفزيونية. لا يهم الشكل الذي تتخذه القصة، في هذه المجموعة المعنونة"تفاح الظل"، لأن تجانس الأسلوب ينفحها بطابع موحد، يجعلك تشعر بأنك تعايش جواً متواصلاً، بمواضيع عدة. وحيث قد ينحرف موضوع باتجاه إثارة الشفقة، سيتدخل المؤلف لينهيه نهاية باترة، منطقية ونهائية، مؤدياً دوره ككاتب، في معظم القصص، حضوره صريح، يحرص على ألاّ تلقي شخصياته، بحالاتها النفسية على القارئ. في"فيصل العطار"مثلاً يحذرنا المؤلف من انه لا يستطيع الركض، خلف شخصية مجنونة، إلا بضع صفحات. وفي القصة الأولى، حيث هاجس الفن يسكن البطل، يتساءل في النهاية، هل أعجبنا العنوان:"فرح البنات بالمطر الخفيف". وتتكرر شروحه عن أسباب التدخل والنهاية التي اختارها، لمزيد من الطرافة. يجيد المؤلف اختصار واقع عمومي، بجمل قصيرة. كما في"حاطب حب"، حيث يقول:"في هذه المدينة عليك ان تثرثر من دون ان تفعل شيئاً، أو تفعل عكس ما تقوله". ليوحي ببلاد، تنتمي الى العالم الثالث، يعيش سكانها بلا هدف، أو يجنون المال بطرق مواربة. شخصياته رومانسية، يصدمها الواقع، فتعيش في غير واقعها، إن في ذكرى قديمة، لا تزال تفعل فعلها فيها. وهي ذات بُعْد مسلٍ، بقدر ما تختصر حالات صريحة، قد تصادفها في حياتك."تفاح الظل"التي حملت المجموعة عنوانها، تحكي عن تهويمات انسان حتى وهو مع الحبيب، وقد يكون سببها شخص أقل منه جمالاً."فرح البنات بالمطر..."، تتركك متتبعاً الآلات الموسيقية، بين ذكورية وأنثوية. وتنقلك بين احتمالات استعمال لقطة شاعرية، فيها بنات مدارس، يتقافزن تحت المطر. فيتخيلها البطل أولاً، لقطة في فيلم جميل، قبل أن يحولها الى دعاية، فوط صحية،"بأجنحة". لأن الفتيات يتقافزن وكأنهن"بأجنحة". مبرزاً بهذا قدرة الحضارة الاستهلاكية على تحويل الشاعري الى مبتذل. طرافة تطبع معظم قصص المجموعة، وتتركك مشدوداً حتى آخرها. وتحيدها عن التكرار، بألف تعبير وتعبير، موصلة رسالتها النقدية بتفاصيل غير مملة. عرف المؤلف حدود حصرها في الاطار اللازم. ذكرى المعلمة الأولى، في"فيلم حلمي طويل"، والتهويمات في"تفاح الظل"لم تتعديا الجرأة الى الإباحية. أما الطرافة في قصة"حاطب حب"فكانت في اجتماع هامشيين: أحدهما يعرف انه كذلك والأخرى تظن انها لم تعد هكذا. وبالمناسبة فإن كل أبطاله هامشيون بعلمهم أو بغير بعلمهم. والهامشية هي قدرهم بقدر ما هي نتيجة ظروف أو تقاعس، أما احتمال خروجهم منها فقليل، لذا نحا المؤلف نحو السخرية والطرافة بدل العاطفية. المجموعة صدرت عن"مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب"، دار القرويين، الدار البيضاء 2006 وتميزت بغناها، على قلة صفحاتها، وصغر حجمها. قصص تميزت بشاعرية لافتة، في اختيار التشابيه والاستعارات، كما في الصياغة الرشيقة السلسة، التي لن تستوقفك إلا في حدود استيعاب الكلام. سخرية مندسة في كل تفاصيل السرد، كما في مضمون الكلام، وكأنها تقول انه الأسلوب الأمثل، لمقاربة واقع كواقعنا. مجموعة قد تقرأها وأنت تتذكر مشاهد من أفلام تعرفها، يصعب ربطها بها تحديداً. تذكرك بأن الناس مهرجون محترفون، أو فاشلون يدعون الأهمية، يمثلون في"مسرحيات كئيبة سوداء"، هي فصول حياتنا اليومية والسياسية، في بلاد تعيش تراكماً من السوريالية.