تتراوح نصوص الكاتب الاماراتي سلطان العميمي في كتابه «تفاحة الدخول الى الجنة» (دار مدارك) بين السخرية والطرافة والفانتازيا والغرائبية الملطفة في أحيان. وتصب هذه العناصر كلها في سياق التعبير عن مشكلة الانسان مع ذاته أولاً ثم مع محيطه أو ما يسمى مجتمعاً في صفتيه الخاصة والعامة. وغالباً ما يبدو أشخاص -لئلا أقول أبطال- هذه النصوص القصيرة أفراداً، مغالين في فرديتهم، هامشيين ومهمشين، وعاجزين عن مواجهة مصائرهم الصغيرة عادة، والتي يمكن اختصارها بالخيبة والاخفاق. أما الموضوعات التي تدور حولها هذه النصوص فهي تتمثل في الحب الخائب والعزلة الانسانية والقهر والحرمان... وهي موضوعات تحضر في ما يشبه سرعة البرق تبعاً لطبيعة النصوص نفسها التي تقارب القصة القصيرة والقصيرة جداً في أحيان، كأن يمسي النص-القصة لقطة واحدة أو سطراً. وهذه التقنية السردية بات العميمي يجيدها بحذاقة بعدما تمرس فيها وفي شروطها في كتابه السابق ذي العنوان الطريف «الصفحة 97 من مذكراتي». ولعله يواصل في الكتاب الجديد تجربته هذه ماضياً في ترسيخ عناصرها أكثر فأكثر. إلا أنّ بعض النصوص السردية تستحيل قصصاً صرفة ليس فقط من جراء طولها وتخطّيها بضع صفحات، وإنما لاعتمادها المعايير القصصية المعروفة، نظرياً ونقدياً. على أنها تظل في آن واحد محافظة على الجو الطريف والفانتازي الذي يسم النصوص كلها، والذي يميز أيضاً أسلوب العميمي بعامة. فما من نص أو قصة يخلوان من السخرية والعبث والطرافة والمفاجأة، سواء من ناحية الحدث السردي وهو مختصر جداً أم من جهة الشخصيات نفسها الممعنة في اغترابها او استلابها النفسي والمكاني والزمني. في أحد النصوص-الجمل يقول الكاتب: «كان يتحمل الصدمات، لكنه لكثرة الصدّ... مات». هكذا في اختصار شديد يعبر الكاتب عن مأساة العاشق الخائب الذي يقع ضحية خيبته في الحب. هذه القصة-الجملة يمكن أن تصبح قصة طويلة لو أن الكاتب شاء أن يستفيض في قصة حب هذا الرجل المجهول تماماً. لكنه لعبة السرد الكثيف تجعل المأساة كلها عبارة عن جملة أو لقطة. عاشق آخر في نص آخر يقدم على الانتحار بعدما رفض أهل حبيبته أن يزوجوها منه، وفي لحظة سقوطه من أعلى البرج السكني الذي تقطنه الحبيبة يبصرها مختلية برجل آخر في الفناء الخلفي حيث كان يختلي بها سابقاً. ولا يكون له وقت ليتراجع عن انتحاره او ليندم. وفي نص عنوانه «ماء» يعيش العاشق أحوال الماء عندما أخبرته الحبيبة أنها مائية البرج: «انبجس ونبع وتدفق وترقرق وارتشف وشرب وارتوى وعبّ وسال وتبخر وتقطر...» إلى أن غرق بها. تبلغ السخرية في بعض القصص أوجها، فينقلب الهزل مأساة والمأسوي هزلاً. في قصة «مخبأ» يقول الراوي خاتماً مأساته: «أذكر في ليلتها أيضاً أنني سمعت بعد ثانية من احتراق رأسي صوتاً من بعيد يقول: لا داعي لإشعال عود ثقاب، لقد عثرت على ولاّعتي». وفي قصة «سقوط» الجميلة يطالعنا شخص ينتظر، بعد سقوطه عن الجسر أن يرتطم بالقاع. لكنّ سقوطه يدوم طويلاً وكأنه في فراغ، فيجوع ويبرد ويتمنى لو ينام قليلاً وعندما يحل الليل يعروه الخوف. وخلال سقوطه يروح يتذكر ويتذكر... وفي قصص أخرى تبرز تقنية المفارقة، هذه التي تضفي على النصوص طابع المفاجأة غير المتوقعة. في قصة «في غمزة عين» يظن القارئ انّ من يلاحق الاستاذة الجامعية التي تدخل المبنى الذي تقطنه عائدة الى شقتها في الطابق العاشر هو رجل يبغي التحرش بها، لا سيما انه يطاردها من طابق الى آخر بعدما عجزت عن استخدام المصعد هرباً منه، إثر الغلطة التي ارتكبتها بالابتسام له والغمز بعينيها... لكنّ المفاجأة هي أنّ من يطاردها ليس سوى كلب ظنّ أنها تلاعبه. وفي نص «آخر قطعة» يوهم الكاتب القارئ أن المرأة التي تتمّ تعريتها هي امرأة حقيقية لكنه لا يلبث أن يعلم أنها ليست سوى «مانيكان» في واجهة. وتنحو بعض النصوص منحى غرائبياً أو «فانتاستيكياً» ملطفاً يذكر ببعض القصص المهمة في هذا الحقل (غوغول، بورخيس...)، وهي غالباً ما يتحول فيها الواقع الى كابوس أو تخيلات. في إحدى القصص يستيقظ الراوي ويقترب من المرآة ليكتشف أنّ عينيه ليستا له. وبعد ثلاثة أيام يكتشف أن عينيه القديمتين عادتا الى وجهه لكنّ ما فاجأه في تلك اللحظة أنّ أنفاً كبيراً حل محل أنفه الصغير. وفي نص آخر يسرد الكاتب قصة رجل يؤخذ بفيلم عاطفي كان يشاهده على الشاشة الصغيرة، وعندما تبكي الفتاة في الفيلم يمد يده ليمسح دمعها فتمد هي يدها أيضاً لتأخذه اليها، لكن الفاصل الاعلاني يحول دون إتمام المهمة. وفي قصة أخرى يعبر الكاتب عن تضاؤل الشخص أو الفرد في العالم الحديث، عالم الجماعات والصخب الذي لم يبق فيه مكان للإنسان» «أبتلع حزني ويبتلعني الزحام وأضيع كإبرة في كومة قش... كنت أود ان أقول كلاماً كثيراً، لكن صوتي يصنع وسط الزحام. يضيع والزحام يبتلعني أكثر». قصص سلطان العميمي أو بالاحرى نصوصه القصيرة في كتابه «تفاحة الدخول الى الجنة» هي لحظات من السرد الجميل، المختصر والمكثف، الذي يتحايل على الكتابة نفسها، ناصباً للقارئ أشراكاً سهلة وغير معقدة أو متاهية. وكم نجح في الجمع بين السخرية والعبث والطرافة لينسج نصوصاً يتآلف فيها الواقعي واللاواقعي، الاليف والمستغرب، الوجداني والحلمي.