بعد مجموعتين هما"بقعة ضوء تحت الرماد"و"دمي يزهر في راحتك"صدرت للقاصة الفلسطينية سلوى الرفاعي مجموعة قصصية جديدة بعنوان"دنيا"دار الحوار، وتضمنت المجموعة قصصاً متقاربة الطول ومشتركة في الاختزال، إذا استثنينا القصة الأخيرة التي حملت المجموعة اسمها واستأثرت بپ15 صفحة. تكتب سلوى الرفاعي قصصها بأشكال متنوعة، جامعة بين مقتضيات القصة التقليدية، من مقدمتها إلى خاتمتها المفاجئة، كما في قصص مثل"المولوية"وپ"الأستاذ حسن"وپ"رئيس التحرير"، وهذا النوع من القص لا يخلو عادة من ضربة النهاية التي قد تكمن في مفارقة أو مفاجأة من نوع الخاتمة غير المتوقعة. لكنها تغادر هذا الأسلوب الذي تبرع فيه كما تشهد على ذلك خصوصاً قصص"أحذية على الورق"وپ"المولوية"وپ"عن قلب ظهر"وكذلك قصة"رئيس التحرير"التي تضمنت خاتمتين"واحدة على لسان مدقق الجريدة، والثانية على لسان الراوي، أو القاصة نفسها إلى شكل آخر للقصة يعتمد على المونتاج والسرد المفتت الذي سرعان ما يستجمع القارئ في نهايته معطيات الحكاية وخاتمتها التي قد يكون تم الإعلان عنها منذ بدايتها ويبرز المونتاج في عدد من القصص أبرزها القصة التي حملت عنوان"يدُه". ويمكن التحدث عن نوع ثالث في قصصها، ويتمثل في بطولة اللغة بلا منازع إلا ما يضفي على شخوص الحكاية، وبقية عناصرها، شفافية شعرية تتنكب لغة البوح في أغلب الأحيان. ذلك أن سلوى الرفاعي تتميز في كتابتها بلغة رقراقة مجنحة بالأمل والفرح مع نبض متسارع للجملة واختزال لها. وهذه المميزات تكاد تقتصر على القصص التي محورها العلاقة الأبدية بين الرجل والمرأة، سواء في لحظات الفرح أم في ما يعقبها من فراق وما أكثر الفراق في قصصها:"بعد الزوال"،"يدُه"،"أهديك صيفاً آخر"،"أزهار الرغبة"،"الهارب من أحلامي".... غير أن قصص المجموعة لا تقتصر على هذه الطريقة وحدها في القص"ويمكن القول إن هموم قصصها تشمل أيضاً هموم الناس، أو المجتمع في شكل عام قصص"المولوية"وپ"الأستاذ حسن"وپ"مندوبة مبيعات"وپ"أحذية على الورق"...، تماماً كما تحوم حول السيرة الذاتية واقتباسات من دفتر العائلة كما في قصة"دنيا"وكذلك القصة الطريفة"الهاتف"وتتحدث عن التاريخ العائلي لجهاز الهاتف. وإذ تظل فلسطين في نسيج الشخوص وذكرياتهم وأحلامهم وإحباطاتهم، فإنها لا تكاد تطل إلا بطريقة إيحائية. والإيحاء عنصر مهم في كتابات سلوى الرفاعي، كما يشير إلى ذلك الروائي نبيل سليمان بقوله في تصدير الكتاب:"أما القصص فلا تفتأ تعدد شخصياتها، مقتصدة في التفاصيل، تسبر الحنايا وتُؤْثر الإيحاء". وتخصص سلوى الرفاعي حيزاً مهماً للوسط الثقافي، من الطموحات والأحلام والانكسارات"كما في قصة"مرحباً أنا جئت"أو قصة"القصيدة والشرطي"وكذلك قصة"الهارب من أحلامي"، إلى مهمة كشف الزيف والوصولية الممنهجة كما في قصة"رئيس التحرير"الذي يقرر أن يصير روائياً ما دام الذين يكتبون في مجلته ليسوا أحسن منه! وسيجد الإطراء من كل الذين يحيطون به، موظفين ومستكتبين، حتى ليقرر تنظيم حفل توقيع في فندق فخم. كل الحاضرين يساهمون في مدحه إلا"الشاب الصغير مأمون الذي يعمل مدققاً للغة العربية في المجلة... والذي دقق كل كلمة من الرواية بأمانة وإخلاص..."هو الذي سيرفع إصبعه ويشير، كما أشار طفل في إحدى الحكايات القديمة، إلى عري الملك! -"فما الذي سيكتبه بعد أن رفعتموه إلى قمة المجد لأجل كتاب وحيد متواضع؟ أعدكم أن يظل كتابه هذا يتيماً إن صدقكم..."ويكون مصيره الطرد طبعاً. ومن باب الإمعان في السخرية تضيف الكاتبة ملاحظة في نهاية القصة، تقول فيها:"لم تتحقق نبوءة الشاب مأمون، لأن محمد الناصر يصدر رواية مطلع كل سنة، ويفكر في أن يجعل إصداراته نصف سنوية، وقد شرع الآن في كتابة رواية جديدة بعنوان: حياتي". وهذا الزيف في الوسط الثقافي ترصده قصة أخرى أكثر طرافة ابتداء من عنوانها المقلوب والموحي في آن واحد:"عن قلب ظهر". قصة لا تكاد تحتل صفحتين من المجموعة وبطلتها"شاعرة رقيقة وحساسة"كما يقول عنها صديقها. لقد جربت كل الوسائل من أجل الوصول إلى مبتغاها من الشهرة، وها هي تتأهب لأمسيتها الشعرية الأولى في أحد المهرجانات"وفي ذلك الكثير من التوتر والاضطراب، لأن مسألة مواجهة الجمهور"ليست كمن تقرأ قصيدة لصديقها المعجب بعينيها". وستنصحها صديقتها الشاعرة ذات التجربة العريقة في فن الأمسيات بتفاصيل ما ينبغي عمله:"قبل أن تبدئي القراءة سينظر الناس إلى مظهرك، لذلك سرحي شعرك عند الحلاق."الميك آب"مهم جداً. سيعطي لوجهك رونقاً تحت الأضواء ويخفي شحوب وجهك. لا تنسي"الآي لاينر"وليكن أحمر الشفاه غامقاً ليعطي مسحة سحرية لشفتيك الباهتتين، احرصي على اللباس القاتم، ويفضل الأسود لأنه يكشف لون بشرتك. احذري أن ترتدي البنطال. ثم إن طلاء الأظافر أساسي جداً، فمن لا ينظر الى وجهك سيدقق في يديك وهما تمسكان الورق. ثقي بنفسك. ابتسمي ابتسامة ساحرة. اقرئي بهدوء وبلا انفعالات قوية، وستنتزعين الإعجاب والتصفيق. أنصحك أن تجري تجربة أمام مرآتك وآلة التسجيل وكأنك أمام الجمهور. وبهذا تضمنين نجاحاً مؤكداً". بعد كل هذه النصائح والتحضيرات، وحين يحين موعد الأمسية وخروج الشاعرة إلى منصة الإلقاء"تحيي الجمهور بابتسامة ساحرة على رغم ارتفاع ضربات قلبها. تفتح حقيبتها بثقة... تتحرك يدها بعصبية... فتلفظ الحقيبة محتوياتها على المنصة. تطل"الماسكرا"برأسها. تتدحرج أقلام"الروج". تتكسر علبة"الآي لاينر". تنهمر دموعها. يختلط الأسود بالأحمر بالذهبي بالأخضر... ولا تجد الأوراق، ولكن الجمهور يصفق ويصفق ويصفق".