نشر الداعية والشاعر السعودي الدكتور عائض القرني قصيدة بعنوان "أنشودة الطفولة" في ملحق "الرسالة" الصادر في السعودية في 16 آذار مارس الجاري. ويبدو أن القرني كان متأثراً بقصيدة "البلبل الغريب" للشاعر بدوي الجبل، التي أهداها إلى حفيده محمد، فجاءت قصيدة الشيخ القرني على نسق قصيدة بدوي من جهة الوزن والقافية، لكن الذي يلفت هو تشابه الموضوع والألفاظ والصور، وتقارب مضمون بعض الأبيات، حتى أن قارئ القصيدة العارف بقصيدة بدوي الجبل لا بد من أن يلحظ أوجه الشبه القوية بين القصيدتين. وهذه أبرز تلك الأوجه: في مطلع القصيدة يقول القرني: هبي ليَ من تحنان جفنك دمعة/ أبل بها قلباً عليك تلهبا وهذا يذكر بقول الجبل: هبينيَ حزناً لم يمر بمهجة/ فما كنت أرضى منك حزناً مجربا ويقول القرني: بريئاً كوجه الطفل سمحاً كقلبه/ تمرس في أهواله وتقلبا بينما يقول الجبل: وما نال معنى القلب إلا لأنه/ تمرّغ في سكب اللظى وتقلبا ويقول القرني: سلام على عهد الطفولة إنه/ أشد سرور القلب طفل إذا حبا وهذا يذكّر بقول الجبل: يزف لنا الأعياد عيداً إذا خطا/ وعيداً إذا ناغى وعيداً إذا حبا ويتحدث بدوي الجبل عن"ضحكة"الأطفال، وضحك الأطفال أو كركرتهم هي ما يشد الناس إلى الطفولة، وهو علامة براءتهم وانعتاقهم من أسر التكلف أو الاتزان الذي يتسم به عادة من تجاوزوا مرحلة الطفولة، ولذا فإن نسبة الضحك إلى الأطفال أولى من نسبة التبسم إليهم. وبينما يتغنى الجبل بپ"ضحكة"الأطفال، يلجأ القرني إلى المضمون ذاته، لكنه يورد"البسمة"بدل"الضحكة"، فيقول: ويا بسمة الأطفال أي قصيدة/ توفي جلال الطهر ورداً ومشربا أما بيت الجبل فكان: وصن ضحكة الأطفال يا رب إنها/ إذا غرّدتْ في موحش الرمل أعشبا ويمضي القرني داعياً للطفل بقوله: فيا رب بارك بسمة الطفل كي نرى/ على وجهه الريان أهلاً ومرحبا أما الجبل فيدعو قائلاً: وهيئ له في كل قلب صبابة/ وفي كل لقيا مرحباً ثم مرحبا ويضيف القرني: وحببه للأجيال تحضن طهره/ وتقبس منه الطهر عطراً مطيبا وهو تقريبا المضمون ذاته الذي عناه بدوي الجبل عندما قال: ويا رب حبّب كل طفل فلا يرى/ وإن لجّ في الإعنات وجهاً مقطبا لكن القرني يستعير أيضاً عبارة"وجهاً مقطباً"بعد بيت واحد فقط، فيقول: أخاف على عش الطفولة جائراً/ يرون به فظاً ووجهاً مقطبا ويقول القرني: ويا رب في بيتي عصافير دوحة/ فقلبيَ من خوف الفراق تشعبا وپ"تشعب القلب"صورة رسمها بدوي الجبل بقوله: وتخفق في قلبي قلوب عديدة/ لقد كان شِعباً واحداً فتشعبا ومرة أخرى يستعير القرني صورة للجبل بقوله: ولي من تواقيع الغرام شواهد/ غدت قبلاً لو لاقت الجدب أعشبا وبيت الجبل يقول: وصن ضحكة الأطفال يا رب إنها/ إذا غردتْ في موحش الرمل أعشبا ويورد القرني بضعة أبيات يدعو فيها الله تعالى أن يتوب على المذنبين، منها قوله: ويا رب لا تأخذ بزلّة مذنب/ وجنّبه عن نار الضلالة مذهبا ووشحه من سربال عفوك حلة/ فأنت جعلت الصفح والجود أرحبا ويا رب عن أهل الذنوب تجاوزاً/ ولو عظم الذنب الشنيع وأغضبا وقد أشار الجبل إلى قضية الذنب والتوبة هذه في قوله: ورد الأذى عن كل شعب وإن يكن/ كفوراً وأحببه وإن كان مذنبا ويردف القرني قائلاً: غداً سترى الأيام أعلام عزّنا/ وتحملنا الجوزاء مغنى وملعبا بينما يقول الجبل: سقى الله عند اللاذقية شاطئاً/ مُراحاً لأحلامي ومغنى وملعبا ويذكر القرني صورة"تلهّب القلب"في بيته: فيا لفؤادي كلما عنّ ذكرهم/ خشيت على أحشائه أن تلهّبا وقد أشار الجبل إلى هذا"التلهّب"بقوله: ولا تحرميني جذوة بعد جذوة/ فما اخضلّ هذا القلب حتى تلهّبا ويقول القرني: أظل أراعي النجم والطرف ساهر/ حنانيك من ليل أطال وعذّبا بينما يقول الجبل: سقاني الهوى كأسين: يأساً ونعمة/ فيا لك من طيف أراح وأتعبا هناك تشابه يصعب صرف الطرف عنه بين القصيدتين في الصور والتراكيب والأخيلة والألفاظ وبعض المضامين، إضافة - طبعاً - إلى الجرس والإيقاع، وهو ما دفعني إلى تسجيل هذه السطور النقدية. كان حرياً بالشاعر عائض أن يذكر أنه يعارض بأبياته قصيدة بدوي الجبل، أو أنه ينسج على منوالها. والشعراء ربما اقتبسوا من بعضهم، في إطار ضوابط تعارفوا عليها وتوارثوها، وربما عارضوا بعضهم بعضاً، وكانت القصائد المعارضة أحياناً أجمل وأكثر إبداعاً من القصائد الأصلية. هذه مجرد قراءة سريعة لقصيدة الشاعر عائض، حملني عليها قول الحقيقة وأمانة الكلمة. * صحافي وأكاديمي سعودي.