هل الجمهور حقيقي؟ عن أي جمهور نتكلم؟ رجل أو امرأة، شاب أو فتاة، يقضون وقتاً طويلاً خلف الكاميرا. ربما يظهرون في التلفزيون أكثر من العاملين فيه. ماذا يفعلون؟ هم يمثلون. يمثلون دور الجمهور. يتقاضون أجراً مقابل الظهور في التلفزيون والتصفيق والابتسامة. تخيل: تأخذ أجراً مقابل ابتسامة! كل ما عليك فعله، التسجيل في إحدى الشركات التي توفر لكل برامج الفضائيات الحوارية كومبارس جمهور. تتقاضى الشركة عن كل فرد نحو 10 دولارات، تدفع منها نحو 7 للفرد. هل يبدو الأمر سهلاً؟ كل ما عليك فعله، أن تأخذ الموعد، وترتدي هنداماً مرتباً، وتتجه إلى مكان الشركة التي ستتكفل بنقلك إلى موقع التصوير الأستوديو ثم ترجعك إلى المكان ذاته. ربما لو كنت فتاة أو امرأة فستحتاج إلى تصفيف شعرك. الأكيد أن ليس للأمر علاقة بالظهور في التلفزيون، للأمر علاقة بالأجر. لكن هل تجزي 7 دولارات؟ إذا ظهرت في 20 برنامجاً في الشهر فهذا يعني 140 دولاراً. هل تجزي؟! حسناً... وصلت عند الساعة السادسة مساء إلى الأستوديو. لا بد من أنك كنت واقفاً الخامسة مساءً عند موقع الشركة. قالوا إن التصوير سيبدأ الساعة السابعة. مدة البرنامج ساعة ونصف الساعة. لأنه مسجل قد يستغرق ضعف هذا الوقت. لا يهما ثلاث ساعات وساعة انتظار، وساعتان قبل وبعد البرنامج للوصول إلى البيت. إذاً 7 دولارات مقابل ست ساعات. تخرج عند الخامسة وتعود عند الپ11 ليلاً. تأخر التسجيل نصف ساعة لأن المذيعة والضيفة المطربة وضيوفاً آخرين تأخروا في تصفيف الشعر واللبس ووضع الماكياج. هم يجلسون ويثرثرون في غرف خاصة، ينتظرون دور الماكياج، يشربون عصيراً ويقهقهون ويدخنون سيجارة، وأنت تنتظر في إحدى الصالات واقفاً لأن عدد الكومبارس لا يقل عن 120 ولا توجد كراس للجلوس سوى في الأستوديو. لا يهم تنتظر ساعة، واقفاً، وستجلس بعدها، فليس مسموحاً الآن دخول الأستوديو. الساعة الثامنة. جلست المذيعة والمطربة، لكن أحد الضيوف تأخر. ربما هو في الحمام. تحمد الله بعد دقائق لأنه لم يتأخر كثيراً. جلس على كرسيه، وبدأ مدير المسرح بإطلاق صيحاته وبتحذير كل الكومبارس من الثرثرة أو الهمس أو عدم إظهار الابتسامة، أو حتى عدم التصفيق بحرارة. يطلب منك أن تبتسم حتى لو أطلقت المطربة أو أحد الضيوف نكتة"بايخة". صفق بحرارة وابتسم واضحك أحياناً. دارت الكاميرا. تلعثمت المذيعة، صرخ المخرج المنفذ:"كوت". ستعيد تصفيق البداية وسنبدأ من جديد. إعادة التصفيق والصراخ والابتسامات تتكرر طوال الليل. الساعةپ12، ولم ينته التصوير. تشير الساعة إلى الواحدة ولا تزال الكاميرا تدور. تنظر إلى ساعتك التي قاربت الثانية ولا يزال مدير المسرح يصرخ في هذا الكومبارس أو ذاك لأنه نعس ولا يبتسم. حسناً... أنت الآن فتاة عمرها 16 عاماً في الصف الأول الثانوي. غداً ستختبرين في مادة الرياضيات. ذاكرت، لكن تحتاجين إلى النوم ومراجعة ما ذاكرته صباحاً. لكن ماذا جاء بك إلى هنا، خصوصاً أنك تعرفين ظروف التصوير الذي لا يحكمه الوقت؟ جوابها بريء، واختصرته بكلمة:"ظروف". حسناً... لا يهم، تدور الكاميرا وتبتسمين وتنسين كل تلك الظروف واختبار الرياضيات غداً. أوف... الحمد لله، انتهى التصوير. الساعة تشير إلى الرابعة صباحاً. هل هذا معقول؟ هذه هي ظروف التصوير في التلفزيون يا عزيزتي. وظروف الحياة أيضاً التي تدفعك إلى تحمل كل هذا من أجل 7 دولارات. تدور الكاميرا. نتفرج على البرنامج. نسخر من المذيعة. نسخر من المطربة. لا نلتفت إلى الجمهور. نتصل بالهاتف بينما البرنامج يعرض. نحكي نصف ساعة في الهاتف المحمول، والبرنامج يعرض. ندفع مقابل تلك المكالمة 4 دولارات. لو حكينا نصف ساعة أخرى سندفع 4 دولارات أخرى، ليكون المجموع 8 دولارات.