يزخر الاستوديو بجمهور الكومبارس. كلٌ يجلس في مكانه... الجميلات والوسيمون في المقدمة، والأقل جمالاً وأناقة في الخلف، بينما يصطف الضيوف على مقاعدهم من دون إيلاء مستوى جمالهم وحسنهم اهتماماً، فهم"شر لا بد منه"، بما انهم سيملأون الدقائق الستين بآرائهم وخبراتهم ونصائحهم التي جاؤوا خصيصاً من أجل المن بها على المشاهدين. يبدأ البرنامج... يتحدث الضيف ويقول جملة استشعر منها المعد أنها تصب في صميم الرسالة التي يحاول البرنامج أن ينقلها، يشير إلى الجمهور بيديه ويبدو أشبه بقائد الأوركسترا وهو يشب على قدميه بعصبية شديدة داعياً الجمهور للتصفيق. يصفق الجمهور بحرارة، فيهبط المعد مجدداً بقدميه على الأرض ويعيد يديه إلى الوضع الطبيعي استعداداً للجولة المقبلة. وبينما الحديث مستمر، يتضح أن مهمة هذا المعد الأوركسترالي هي تنظيم عملية التصفيق. ففي الغالبية العظمى من الأحوال يكون الجمهور"محترفاً"- أي محترف حضور برامج - وليس من"الهواة"الذين يتكبدون عناء حضور التسجيل لإيمانهم بالقضية المطروحة أو لرغبتهم في التعبير عن خبراتهم الحياتية في القضية المطروحة... وبالتالي يكونون شبه مغيبين عن الدنيا طيلة فترة التسجيل التي يمضونها في الاستغراق في الأحلام النهارية التي لا يقطعها سوى معد التصفيق أو تسليط الكاميرا على أحدهم، ما يدفعه إلى التظاهر بالاهتمام الشديد بما يقال مع هز الرأس بضع مرات للدلالة على الاهتمام كما يفعل الطلاب النيام في الفصل. من هنا السؤال: ما الجديد الذي يضيفه التصفيق إلى أي برنامج مسجل في استوديو مغلق؟ هل هو نوع من التمثيل؟ هل هو ضمن المؤثرات الصوتية؟ هل هو وسيلة لإيقاظ من غلبه النعاس؟ التصفيق مفهوم في الحفلات الفنية التي يحيّي فيها الجمهور المطرب بعد انتهائه من أداء أغنيته. وهو أيضاً مفهوم في الخطب السياسية الحماسية التي يصفق مستمعوها متأثرين بحرارة انفعال القائد أو السياسي البارز... وهو بالطبع مفهوم في المباريات الرياضية لتشجيع الفرق واللاعبين. بل انه قد يكون مفهوماً ومبرراً في برامج التلفزيون لو كان نابعاً من انفعال صادق لرأي لمس أوتار الجمهور الحساسة، أو لموقف شجاع ايقظ نخوتهم، أو حتى بسبب مشاعر حب فياضة لشخصية ذات كاريزما يعتبر محبوها كل ما تتفوه به جديراً بالتصفيق. لكن هل يعلم القائمون على أمر برامج التصفيق الدرامي أن المشاهد في بيته - وإن كان لا يرى المعد الأوركسترالي - يعي تماماً أن موجات التصفيق الحارة ما هي إلا ضحك على الذقون واستهزاء بذكائه التلفزيوني الفطري واستخفاف بقدرته على تحليل الأمور؟ وهل من حق الضيف أن يعترض على موجات التصفيق، حتى وإن كانت من نصيب آرائه الصائبة وأحكامه البصيرة بحكم أنه يرى بأم عينيه أنه تصفيق تمثيلي؟ وهل يقنع المحاور بهذا الاستخفاف من دون تدخل منه؟ أسئلة كثيرة تطرحها هذه الظاهرة الغريبة والمستفزة، وهي أسئلة صائبة وذكية وفي حاجة إلى... تصفيق حاد.