من دون الدخول في تفاصيل تكشف هوية أصحابها، وباختصار شديد أقول انني قبل حوالى سنة سمعت شابة في عاصمة عربية تقول ان أخاها ضربها. وسُئلت لماذا فقالت انها رأت صديقات لها، وجلسن في مقهى، فتأخرت في العودة الى البيت، وضربها أخوها. وكان يمكن أن أنسى الموضوع، لولا أنني بعد أسبوع واحد فقط سمعت القصة نفسها في عاصمة عربية أخرى، وزادت البنت هنا أن أخاها الذي ضربها أصغر منها، كأنها تقول انها ما كانت شكت لو أن الضارب أخ أكبر أو الأب مثلاً. ربطت القصتين بموضوع أعرفه عن زميلة دراسة في الجامعة من بلد عربي آخر تزوجت أشهراً وطلقت، ولم تتزوج بعد ذلك. وكنت رأيتها بعد طلاقها بسنوات، وقلت لها انه كان يجب عليها أن تصبر، وتعطي تجربة الزواج فرصة، فربما تعودت على حلوها ومرّها. ونظرت الي طويلاً من دون كلام ثم قالت: ضربني. وعندما بدت على وجهي علامات عدم التصديق قالت ان العريس ضربها خلال أيام من الزواج، فتركته الى بيت أهلها، وقد شفيت من الرجال والزواج. قررت بعد ذلك أن أكتب مقالاً عن العنف ضد المرأة العربية، وبما أن الموضوع غير مربوط بمدة زمنية لأن العنف مستمر، فقد جمعت مادة كثيرة، من مصادر عربية وغربية، وبدأت كتابة المقال في أوائل هذه السنة بعد أن قرأت في مجلة"الصنارة"، وهي للفلسطينيين في اسرائيل، عن مصيبة الفلسطينيات في الأراضي المحتلة بالاحتلال والعنف المنزلي. توقفت في منتصف الموضوع، فقد خفت أن أدخل في جدال ديني غير مقصود، لأن قضية الحجاب والنقاب كانت انفجرت في آخر شهرين من السنة الماضية، من لندن الى القاهرة، وكل عاصمة وبلد، ولم أرد أن أصبح طرفاً في جدال آخر، فأنا لست مقاتلاً، وعندي آراء في الحجاب وغيره إلا أنه ليست عندي قضايا أبذل النفس في سبيلها، فاحتفظ بآرائي الجدلية لنفسي. شجعني على العودة الى موضوع العنف ضد المرأة بعد شهرين من تمزيق صفحات المقال غير المكتمل، كتاب بعنوان"المرأة في عالم غير آمن"أصدره مركز الرقابة على القوات المسلحة في جنيف، وترجمته الى العربية مكتبة الاسكندرية وقدم له الدكتور اسماعيل سراج الدين. اذا كان من عزاء للنساء العربيات فهو أن ظاهرة العنف ضد المرأة تلف العالم كله، وفقرة في بداية الفصل الرابع من الكتاب تغني عن شرح، فهي تقول:"وفقاً لدراسة استندت الى 50 مسحاً ميدانياً أجري حول العالم هناك ما لا يقل عن امرأة واحدة من بين كل ثلاث نساء تعرضت للضرب أو أرغمت على ممارسة الجنس أو أسيئت معاملتها في شكل من الأشكال خلال حياتها، وعادة ما يكون الجاني أحد أعضاء أسرتها أو شخص تعرفه". الكتاب عن العنف ضد المرأة شمل دراسات من زوايا العالم الاربع، من الولاياتالمتحدة الى زيمبابوي واليابان وأميركا الجنوبية وغيرها، وهو يظهر عنفاً في كل بلد يأخذ أحياناً اشكالاً تتجاوز الضرب الى ارغام النساء على ممارسة البغاء، أو ارغام الزوجة على الجنس، مع زيادة الانتهاكات في زمن الحرب، فهناك تفاصيل مريعة عن نساء الشيشان وكوسوفو وحروب أفريقيا. ومن دون حروب، هناك أمثلة عن حرق النساء أو تشويههن بالأسيد في باكستان وبنغلادش والهند وغيرها، والأسباب كثيرة من الخلافات الزوجية، الى عدم كفاية المهر، الى الرغبة في الزواج من أخرى. البلاد العربية لا تعرف الحرق أو الأسيد، إلا في ما ندر جداً، غير أن جرائم الشرف كثيرة، وهذه غالبيتها العظمى في المجتمعات الاسلامية. وفوجئت بأن الكتاب يتحدث عن مواد في قوانين عربية تبرر قتل زوجة أو قريبة، أو تخفف العقوبة مثل المادة 340 في الأردن التي عدلت أخيراً، والقانون 548 في سورية والقانون 111 أيام صدام حسين. الاحتلال الأميركي سعى الى تحسين ظروف المرأة العراقية، غير أن الحرب الدائرة في البلاد أدت الى تراجع فرص تقدم المرأة، والى ضغوط من كل جانب، وقرأت في"واشنطن بوست"تحقيقاً طويلاً يقول ان المرأة العراقية خسرت منذ الاحتلال وتشعر بأنها تعيش في سجن. وأرى أن هذا أهون من اليتم أو الترمل مع قتل مئات ألوف الرجال. مع الاحتفال بيوم المرأة العالمي في الثامن من هذا الشهر أصدر مركز الميزان الفلسطيني لحقوق الانسان تقريراً يتحدث عن مأساة المرأة الفلسطينية، فالاحتلال في قطاع غزة وحده قتل 93 امرأة وشرد 140 ألفاً، وتضاف الى ذلك جرائم شرف مستمرة، مع فقدان النساء الأزواج أو الابناء في القتال المستمر، أو الاصابة بأمراض نفسية حتى قرأنا عن التي قتلت طفلها أو ألقت رضيعاً في الشارع. وأصدر مركز الأرض المصري لحقوق الانسان في مناسبة يوم المرأة تقريراً يشكو من أن المرأة المصرية"تعاني من حقوق غائية وإهمال وعنف حكومي وإيذاء بدني ونفسي ومجتمعي". خارج نطاق عيد المرأة كانت هناك بحوث ميدانية شملت مصر والضفة الغربية وقطاع غزة واسرائيل أظهرت أن 16 الى 52 في المئة من النساء تعرضن لاعتداء جسدي خلال 12 شهراً سبقت اجراء البحوث. هذا هو العنف ضد المرأة العربية الذي بدأت رصده، ثم أقلعت لأعود اليه، وقد تشعب الموضوع ليشمل العالم كله. أتهم كل رجل عربي يضرب امرأة بأنه جبان لا يجرؤ على مواجهة رجل، أو أنه ينفس عن تقصير جنسي فيه أو عجز. ونبقى في عالم رجال، فالأرقام مخيفة والأممالمتحدة تقول ان 2.5 بليون امرأة دون حد الفقر، أي أن دخل الواحدة أقل من دولارين في اليوم. وفي كل بلدان العالم، بما فيها الولاياتالمتحدة وأوروبا، دخل المرأة أقل من الرجل حتى وهي تعمل أكثر منه، وهناك 113 الى 200 مليون امرأة "مختفية"، بحسب احصاءات الأممالمتحدة، أي أنهن قتلن أو خطفن. وأسوأ ما قرأت بين أرقام الأممالمتحدة هو أن نسبة النساء المسلمات المتعلمات هي 23 في المئة، أي الأقل في العالم كله. هذه جريمة لم ترتكبها اسرائيل، وإنما ارتكبها الرجل المسلم بحق المرأة، زوجة أو أختاً أو بنتاً.