كنت الاسبوع الماضي لا أرى انكليزيا وانكليزية في الشارع إلا واعتقد أنه يضربها. واعتقد أن القارئ لا يعرف أن الخامس والعشرين من الشهر الماضي كان "اليوم العالمي ضد العنف ضد النساء"، فاليوم هذا مرّ في العالم كله من دون طبل أو زمر، إلا أنه كان مناسبة في انكلترا لدخول بيوت الناس، والحديث عن العنف العائلي في مقالات عدة ومقابلات تلفزيونية ومؤتمرات، فلم يمض يوم من دون اخبار عن رجال يضربون نساءهم. وفجأة قرأنا ان الممثلة المشهورة غليندا جاكسون، وهي نائبة عمالية ومتنافسة على منصب رئيس بلدية لندن، تعرضت للضرب رغم شهرتها، وهي قالت في مقابلة صحافية انها لا تعرف رجلاً، من زوج أو صديق، إلا ورفع يده عليها ضارباً أو مهدداً بالضرب. وتبعتها الممثلة التلفزيونية اماندا ريدمان، وهي حسناء شابة، فقالت ان صديقها في الجامعة ضربها، ولف شريط الهاتف حول عنقها مرتين محاولاً خنقها. وأن صديقاً آخر ضربها أيضاً، حتى باتت تعتقد أنها سبب العنف ضدها، ومنعها الخجل من التصريح بما يحدث لها. غير أنها في مناسبة اليوم العالمي شاركت في فيلم قصير أعدته منظمة نسائية وتحدثت فيه عن تجربتها مع الرجال. وأشهر "مضروبة" انكليزية هذه الأيام ربما كانت شيريل غاسكوين، مطلقة لاعب الكرة المشهور بول غاسكوين، فهو ضربها مرة بعد مرة، ونشرت الصحف صوراً لها بيد مكسورة، أو كدمات حول عينيها وفي وجهها. وكان بول غاسكوين حصل على أمر من المحكمة الشهر الماضي يمنع زوجته السابقة من الحديث عن مشاكلهما كزوجين، إلا أنها وجدت طريقة للالتفاف حول الأمر، فقرأت لها وحدها بضع عشرة مقابلة، أو رأيتها على التلفزيون تتحدث عن العنف ضد النساء. وهكذا كان، وأصبحت لا أرى انكليزياً وانكليزية، الا وأعتقد أنه يضربها، مع استثناء جار لنا اعتقد أن زوجته تضربه. قرأت على هامش اليوم العالمي معلومات مرعبة عن أوضاع النساء حول العالم. يقدر أن 40 ألف امرأة اغتصبن خلال الحرب في البوسنة، وبعض هؤلاء النساء تعرض لإهانة مزدوجة لأن أسرهن رفضنهن بعد ذلك بسبب ما لحق بشرف العائلة من اهانة. وهناك الآن مئات من نساء كوسوفو يتلقين علاجاً نفسياً في عيادات خاصة في البانيا بعد أن اغتصبهن الجنود الصرب. في الهند تقول المنظمات النسائية ان امرأة بين كل سبع نساء تُحرق في خلافات حول المهر. اما في باكستان فالضرب والاغتصاب وجرائم الشرف تمر من دون عقاب في معظم الأحيان. والحوادث يومية، وقد ثارت في نيسان ابريل الماضي قضية قتل سامية ساروار في مكتب محاميتها لمجرد أنها طلبت الطلاق من زوجها. وتبين أن أسرتها ارسلت قاتلاً مأجوراً يمحو "العار" بقتلها. في دلتا نهر ميكونغ وفي مناطق من الصين وكمبوديا وتايلاند وفيتنام، تمارس قبائل بأكملها عادة بيع البنات الصغيرات، أو ارغامهن على ممارسة البغاء لتأمين دخل لأسرهن الفقيرة. تعتبر كنغستون، عاصمة جمايكا، عاصمة الجريمة في العالم. ومن أصل 953 جريمة قتل السنة الماضية، كانت الضحية في حوالى مئة منها نساء. وسجلت الشرطة في المدينة 109 حالات اغتصاب وحوالى أربعة آلاف اعتداء على نساء في الفترة نفسها. ويظهر تقرير للوبي النسائي الأوروبي ان نصف النساء الايرلنديات اللواتي قتلن سنة 1996 كن ضحية جرائم ارتكبها زوج أو صديق. غير أنني أعود الى انكلترا، ففيما كانت البلاد كلها تبحث في العنف ضد النساء، قرأت خبراً ليس له علاقة مباشرة بالحملة وانما تزامن معها، فقد حكمت محكمة انكليزية على بريان سميث بالسجن مدى الحياة بعد ادانته بطعن عشيقته اماندا هنتر بمدية في بطنها وهي حامل، واصابة الجنين داخل بطنها مرتين. واستطاع الأطباء انقاذ الأم الحامل والجنين، وجاء الوضع قبل اسبوعين من نهاية الحمل. هل يعني هذا ان الطفل يحمل رقماً قياسياً، ففي مقابل اعتداء على الناس لسرقتهم في الشارع، اعتدي على هذا الطفل وهو في بطن أمه. وجمعت من قراءات الاسبوعين الماضيين ملفاً وافياً عن ضرب النساء حول العالم، الا أنني لم أجد معلومات عربية، ولا أتصور ان السبب ان المشكلة غير قائمة عندنا، وانما الأرجح أنه لا توجد معلومات عنها. وقد لاحظت ان الاعتداء على النساء في شبه القارة الهندية أو الشرق الأقصى جزء من "الثقافة" المحلية أو التقاليد، وأنه في الغرب بدافع الغضب قبل أي شيء آخر، ولا أدري موقع العرب بين هؤلاء فالأرجح انه مزيج من الاثنين. هناك حركات نسائية ناشئة في آسيا للدفاع عن النساء، وهناك حركات نشطة في الغرب، ومع أننا نقلد الشرق والغرب، إلا أن الحركات المماثلة في البلدان العربية قليلة وصوتها خافت، مع أن لا مجال للانكار ان المرأة في بلدان عربية عدة لا تزال من دون حقوق. وبما ان كثيراً من حالات الاعتداء على النساء سببه الغضب، وبما ان في الغرب عيادات لتدريب الرجال على كتم غضبهم، وعدم فقدان اعصابهم، وليس عندنا شيء من هذا، فانني اكتفي بتذكير القارئ بالحديث الشريف "ليس الشديد بالصرعة أي الذي يصرع الناس أو يطرحهم أرضاً، انما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"، وبالحديث الآخر "لا تغضب". الحديثان رواهما الشيخان.