«ساما» يرخّص ل31 شركة تقدم التمويل للمنشآت «الصغيرة والمتوسطة»    المفتي للطلاب: احذروا الخوض في منصات التواصل وتسلحوا بالعلم    سيراً على الأقدام .. المستكشفة «موريسون» تصل العلا    الراجحي يستعرض الخطوات الرائدة للمملكة في تمكين القوى العاملة    لأول مرة.. إطلاق التقويم المدرسي برياض الأطفال والطفولة المبكرة والتربية الخاصة    مواجهات «الملحق» الأوروبي.. «نار»    وزير الداخلية يستقبل أعضاء هيئة أمناء جائزة الأمير نايف للأمن العربي    علاقة خفية بين «الأجهزة الرقمية» وأوزان الأطفال    ولي العهد يبحث القضايا الإقليمية وأوجه التعاون مع رئيس المجلس الأوروبي    أصغر متسابقة راليات عربية.. «أرجوان» .. جاهزة للمنافسة في رالي حائل الدولي الاستثنائي    محمد المنجم رئيس نادي الشباب ل(البلاد): هدفنا التتويج ب «كأس الملك».. و «الليث» عائد بين الكبار    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال (15) إلى سوريا    البهكلي والغامدي يزفان "مصعب" لعش الزوجية    الفايدي يحتفي بزواج سالم    مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون يكرم وزير العدل    المملكة تؤكد دعمها لاستقرار وتنمية اليمن    وسط حضور فنانين وإعلاميين .. الصيرفي يحتفل بزواج نجله عبدالعزيز    «بينالي الفنون» يُثري زواره بكنوز الحضارة الإسلامية    مجمع الملك سلمان العالمي يُطلق «تقرير مؤشر اللغة العربية»    تعزيز العلاقات البرلمانية مع اليابان    إعلان أسماء الفائزين بجائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام للعام 2025    عشر سنبلات خضر زاهيات    «سيكاي إشي» أغلى تفاح في العالم    الهلال والأهلي والنصر يعودون ل«تحدي آسيا».. في فبراير    مختبر تاريخنا الوطني    غداً.. محمد عبده يُجسد فلسفة الخلود الفني على مسرحه في الرياض    المسلسل مستمر    الذهب يستقر مع أسعار الفائدة وسط تهديدات التعريفات الجمركية    حرب الذكاء الاصطناعي.. من ينتصر؟!    ولي العهد يؤدي الصلاة على محمد بن فهد ويتقبل التعازي    استبدال الصمام الأورطي عن طريق الرقبة    احتفالات في عموم المدن السورية احتفالاً بتعيين الشرع رئيساً لسوريا    الشخصيات الترويجية ودورها في التسويق    شخصية الصرصور    إطلاق حملة للتبرع بالدم في الكورنيش الشمالي بجازان    «الجوازات» تستقبل المعتمرين في ينبع    1716 موظفا سعوديا جديدا يدخلون سوق العمل يوميا    5 تريليونات ريال قيمة احتياطي المملكة من المعادن    أمير حائل يناقش خطط القيادات الأمنية    حسام بن سعود يستعرض مشروعات المندق    جازان.. الحالمة وجمعية كبدك    الشباب يتعاقد مع البرازيلي لياندرينهو    «السياحة الثقافية».. عندما تصبح الفنون جواز السفر    ندوة الأدب والنخبوية تثير المفهوم المجتمعي والثقافي    رحيل زياش عن غلطة سراي وسط تقارير عن انضمامه للدحيل    النصر يدعم صفوفه بهزازي    خطورة الاستهانة بالقليل    الإرجاف فِكْر بغيض    إعلان أسماء الفائزين بجائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام للعام 2025    وزير الموارد البشرية يكرّم 30 منشأة فائزة بجائزة العمل في نسختها الرابعة    بويدن الشرق الأوسط في المملكة العربية السعودية: تعزيز القيادة ودعم التحول الاقتصادي    بوتين: المفاوضات مع أوكرانيا ممكنة دون زيلينسكي    الشيخوخة إرث وحكمة    انطلاق مؤتمر السكري والسمنة في جدة «5 فبراير»    محافظ محايل يرأس اجتماع لجنة السلامة المرورية    ولي العهد يؤدي صلاة الميت على الأمير محمد بن فهد    قبائل الريث تعزي الأمير عبدالعزيز بن فهد في وفاة الأمير محمد بن فهد    أهالي الشرقية ينعون الأمير محمد بن فهد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ديوان الشعر العراقي ... بتناقضاته
نشر في الحياة يوم 10 - 03 - 2007

الفكرة التي سعى اليها وبدأ بتنفيذها مشروع "كتاب في جريدة" حول ما سمّاه "ديوان الشعر العربي في الربع الأخير من القرن العشرين"، فكرة ثقافية، نقدية، سبقتها مشاريع متفرقة، لم تكن تتمتع بنظرة نقدية لاختياراتها، فغلب عليها العمل التجميعي مع ما يرافق هذا العمل من ارتجال، وقرن الغث بالسمين، وسوء اختيار لتجارب شعرية لا تتمتع بالحد الأدنى من الجودة... ذلك لا يمنع من أن تكون الفكرة أي مختارات شعرية من مرحلة ما فكرة ذات نفع وقيمة في التعريف بالشعر خلال هذه الفترة... إلا أن لذلك شروطاً نقدية تضعها لنفسها لجان ذات معرفة بالشعر والشعراء، تترسّم خطاها وتلتزم بها، وتثبتها في مقدمة ما تختاره...
بالعودة الى ما تحقق بين يدينا من"ديوان الشعر العربي في الربع الأخير من القرن العشرين"، في حلقته الأولى عن العراق، من إعداد وتقديم هاشم شفيق، يلاحظ المقدمة المختصرة لعمل الشاعر... والمقدمة التي تنطلق من تاريخية الشعر العراقي باعتبار العراق"الأرض الأولى للشعر في العالم"، تنتبه لتواصل المدّ الشعري من خلال"سلالات يغذّي جديدها قديمها"... وصولاً للرواد العراقيين الأربعة للشعر العراقي الحديث وهم نازك الملائكة وبدر شاكر السياب وعبدالوهاب البياتي وبلند الحيدري، وهم الأوائل يليهم شعراء ما بعد الرواد وهم، بعبارة هاشم شفيق"بارعون خطرون وراديكاليون في حقل التعبير الشعري الجديد".
ولست أدري إذا كانت هذه الصفات:"بارعون، خطرون، راديكاليون"، تشكل سمات تفرّد اختص بها شعراء ما بعد الرواد، ففي الإمكان مدها على من قبلهم، أيضاً، فتبطل خصوصيتها... وحتى قصيدة النثر، التي صار في إمكانها التعايش مع الأساليب الأخرى، فهي ليست وليدة هذه الحقبة الشعرية، ولا نتاجها الخاص... أما لجهة تطور مهمة الشعر التي غدت"رؤيوية في الدرجة الأولى بدلاً من أدواره النفعية والأيديولوجية"، فإن هذه المهمة الرؤيوية لم تكن لتنقص السيّاب أو بلند، مثلاً... وكان أحرى بالمعدّ تظهير وتفصيل أثر المنفى والحروب على هذا الشعر... فهما عنصران ضاغطان على لغته وأساليبه ومضامينه.
وعلى رغم تنبيه هاشم شفيق، في الأسطر الأخيرة من تقديمه المختصر، لمختاراته، الى أنه قام"بتقديم عينات ونماذج وأساليب العطاء لثلاثة أجيال في الشعر العراقي الستيني والسبعيني والثمانيني"، إلا أن عدداً من الأسماء البارزة والمعروفة، افتقدناه في هذه المختارات. فأين فوزي كريم، على سبيل المثال؟ وأين يوسف الصائغ صاحب"اعترافات مالك بن الريب"وپ"سيدة التفاحات الأربع"؟ وأين حميد سعيد؟ وأين عبد الأمير معلّة؟ ... وهي أسماء ذات فعل إبداعي مؤكد في كتاب الشعر العراقي الحديث. ... لا ننسى محمد سعيد الصكار أيضاً.
لا أستطيع أن أعزو هذا الاستثناء لأسباب سياسية مثلاً. أو إبداعية... إنه نقص واضح. وأرجح أن هذه الأسماء وسواها قد سقطت"سهواً"، وقد صدّق ترجيحي ما ورد في مقال لمؤسس المشروع والمشرف على تنفيذه الشاعر شوقي عبدالأمير، ورد فيه"الخلل ليس منّا وقد سقطت سهواً ملزمة بكاملها في طبعة النهار". فكم من شاعر عراقي سقط سهواً في ملزمة؟
لا يضع هاشم شفيق أسساً نقدية ولو مختصرة، لاختياراته. فهو لا يخرج عن ذائقة شخصية... وكان يعوزها بعض الأسس ليبتعد بها عن هذه الشخصانية... أو، ولمَ لا؟ ليقل الشاعر إنها ذائقته الشعرية... فلكل شاعر شعراؤه، ولكل ناقد أيضاً شعراؤه... وهو أمر مهم في طبيعة الشعر.
وحيث إن عملاً صعباً كهذا العمل، لا يخلو من نقص واعتراض واستدراك، فإن العمل بذاته ضروري ومفيد. فقد وجدت معه أن في الإمكان إعادة اكتشاف بعض الشعراء من خلال السياق البانورامي العام، وبروزهم من جديد، كعلامات شعرية بارزة من مثل عبدالكريم كاصد، وعبدالرحمن طهمازي وكمال سبتي وفاضل العزاوي... وعلى رغم أن بعض القصائد غير مؤرخ له والتأريخ للقصائد ضروري في هذا المقام على ما نرى، وسِيَر الشعراء شديدة الاختصار، وكثيرة التعميم، من نوع القول مثلاً"من الأسماء الشعرية المعروفة"أو"من الأسماء البارزة"... فإن صحبة القصائد والشعراء، طيراناً، يمكن أن تقدم ملاحظات من خلال المقارنة... فعدد المقيمين من الشعراء في العراق، هو قليل جداً بالقياس للخارجين أو المخرجين من العراق. ثمة أربعة شعراء لا أكثر يقيمون بين بغداد وسامراء: ثلاثة في بغداد: خزعل الماجدي وخليل الأسدي وصادق الصائغ، وشاعر في سامراء: عبدالرحمن الطهمازي... أما الآخرون، وعددهم ثلاثة عشرون، فموزعون بين القبور رعد عبدالقادر وكمال سبتي مدفونان في بغداد وبين الخارج الممتد من عمان الى القاهرة الى تونس، ومن ألمانيا الى السويد الى الدنمارك الى فرنسا الى الولايات المتحدة الأميركية الى هولندا الى لندن... الى آخره... تقريباً كل العالم...
قلة عدد المقيمين بالنسبة الى الذين خارج العراق، وتوزّع هؤلاء على امتداد أوروبا وأميركا وبعض العواصم العربية، تسمح ملاحظة أثر الحروب في تشتيت الشعرية العراقية من جهة، وأثر الابتعاد عن المكان العراقي واللغة كحضن مهمّ لتكوين الشاعر من جهة ثانية...
يلاحظ على شعراء الريادة الشعرية العراقية الثانية، مقارنة بالرواد الأوائل، تشتيت للشاعرية، وابتعاد عن البؤرة الشعرية، وابتعاد نسبي عن توظيف الأسطورة، وابتعاد نسبي عن النائية، واحتفال متعدد الاتجاهات بقصائد النثر... وأخيراً تفكك للعلاقات البيانية والبلاغية القديمة في اللغة، في اتجاه اليومي والهامشي والنثري... كما يلاحظ على شعراء الملف بعامة البعد عن الإعلان السياسي على رغم ضغط الحرب، والانكفاء للذات والتأمل الداخلي... وتشتت الذات بل تمزقها الوطني والوجودي معاً. ان ثمة ومضات انخطاف لدى آمال الزهاوي، واختلاطات وضياع البؤرة الشعرية لدى أمل جبوري وجليل حيدر وباسم المرعبي، واللطف والتأمل لدى جمال جمعة، والجوانية لدى خليل الأسدي، ورسم الحياة الكونية لدى سركون بولص، والنكهة المكانية واستنفار الأسطورة في شعر شوقي عبدالأمير، وحوار الأسماء والأصوات في دنيا ميخائيل وصموئيل شمعون، والإحكام والغربة الغنائية لدى علي جعفر العلاّق والتشرّد في عقيل علي، ونار التذكر في عدنان صائغ... إذاً هنا جزء أساسي ومعبّر من شعر العراق، وإن كان غير مكتمل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.