يصح تشبيه المدخّنين بهاربين من وجه "العدالة"، انقطعت بهم السبل وحوصروا من كل الاتجاهات، ولا مفر لهم سوى وقف إشعال السجائر لإيجاد مخرج مشرّف من مخابئهم. ففي أول شباط فبراير المنصرم، تبدّدت سحابة من سحب النيكوتين الكثيفة، عندما وُضع موضع التنفيذ في فرنسا، بلاد"الغولواز"، قانون يحظّر التدخين في الأماكن العامة، ليطاول تدريجاً المقاهي والمرابع وعلب الليل. فارتاحي يا سُبابة ويا وُسطى من الشد على اللفافة، والبقاء منتصبتين وقوفاً، بينما قريناتك الأصابع تنط على مفاتيح البيانو أو الكومبيوتر، أو تمسك بصحيفة أو مكنسة أو هاتف خليوي، أو تستبدل عجلة مثقوبة، أو تلف سندويتشاً، أو تفكّ برغياً، أو تناول سائق سيارة أجرته، أو تقدّم إلى حسناء وردة فتدمع عيناها من دخان يتسلل إلى أنفها الأبيّ الجميل، لا من هيام. قريباً، يزول عنكما الاصفرار، فلا تخجلان من المصافحة. قريباً، لن تعودا تستفيقان، من سهوة حالمة، على لسع جمرة السيجارة، ولن يعود أحد ينتهركما على الإمعان في ثقب القميص أو الفستان أو قماشة الكنبة الجديدة. وحتى يتحقق هذا"النعيم البيئي"، ينبغي لصاحب كل ُسبابة ووسطى مصفرّتين، أن ينهيهما عن الاقتراب من الفم الفاغر التائق إلى مجّة عميقة فنفخة طويلة، لتنجلي الهموم من دماغه المثقل وقلبه التعبان! بدأت هاتان الإصبعان تتماثلان إلى الشفاء في أصقاع كثيرة من الأرض، لا سيّما في كندا والولايات المتحدة وأجزاء من أوروبا. والمدخّنون هناك، إذا ضُبطوا يدخّنون، ولو في الخلاء أو الزقاق، يدفعون غرامات كبيرة تصل إلى 68 يورو في فرنسا. وأوروبا كانت مرتعاً لهؤلاء: وصل صديقنا من مطار مونتريال إلى مطار باريس، نفَسه مقطوع من كثرة ما توتّر بعد ثماني ساعات على متن طائرة ممنوع فيها التدخين. وما إن وطئت قدماه الأرض حتى هرع إلى المنطقة"الضبابية"واستل سيجارة أشعلها على الفور. مجّ مجّة أطلق دخانها ابتسامة ارتياح عريضة. ولكنّه فجأة عاد وتجهّم وجهه، إذ فكّر في طريق العودة. إذاً، يمكن تصوّر أولئك مثل"مساكين"مطاردين من حي إلى سطح ومن غرفة إلى شرفة، يسترقون شفطة من سيجارة، ولا يلبثون أن يرموا بها في المجاري الصحية أو المغاسل أو الحمامات ثم يسارعون إلى رش الروائح الطيّبة، لئلا تنكشف فعلتهم السيئة. "الاقلاع عن التدخين من أهون الأمور"، قال الكاتب الايرلندي برنارد شو، وأردف"أنا أقلعتُ عنه أكثر من ألف مرة". ووقف التدخين نهائياً يمكن أن يحصل بقرار حاسم يتّخذه"الشجاع"فجأة، فتنتهي معاناته. هكذا فعل كثيرون، من دون تدريب أو تأهيل. ولكن للذين أدمنوه"بلا رجعة"، تقدّم الحكومات والمنظمات الصحية والأهلية برامج تساعدهم على الحد من إلحاق الأذى بأنفسهم والآخرين. وفي فرنسا، جاء القانون الجديد واضحاً وصريحاً، ليجعل استعادة وظيفة حُجر التدخين أمراً مستحيلاً. فقد فرض في الأماكن الداخلية إغلاق الأبواب أوتوماتيكياً وتكرير الهواء وتحميل رب العمل أو صاحب المكان المسؤولية عن الإصابات المحتملة لشاغليه بأمراض متّصلة بالتبغ والتدخين. وأول تأثير لتطبيقه كان اختفاء الأقبية التي تُحفظ فيها علب"السيغار"من المطاعم الكبرى، كما جاء في مجلة"ألّ"الفرنسية، 15 كانون الثاني يناير 2007. ومما أفضى إلى هذا التشدد، نتائج دراسة، عن"المعهد العالمي للسرطان"، تشير إلى أنه، في تصنيف نقاء الهواء عالمياً، تأتي فرنسا في المراتب الأخيرة، قبل سورية ورومانيا ولبنان وبلجيكا وسنغافورة. وفي 42 في المئة من الأماكن العامة، يصبح الهواء خطراً على الصحة بسبب استهلاك التبغ. أما في ايرلندا، ونتيجة لمنع التدخين في الأماكن العامة، فتدنّت الإصابات بالجلطة أو الذبحة بنسبة 12 في المئة. ولمساعدة المدمنين على الإقلاع عن التدخين، هناك مرافق ووسائل كثيرة، منها: - في موقع www.way2quit.com، برنامج كومبيوتر خاص يستطيع أن يبيّن لشابة، مثلاً، كيف سيكون وجهها عندما تبلغ الثامنة والستين، إذا كانت مدخّنة لمقارنته بوجهها إذا لم تكن مدخّنة. والتبغ يحتجز الأوكسيجين الضروري لتجدد الخلايا، فتظهر التجاعيد باكراً. - عقاقير بديلة عن النيكوتين وتفعل فعله، وتزيل أسباب الأرق والتوتر. - مواقع إنترنت رسمية تقدّم، مجاناً، تدريبات تساعد على الإقلاع عن التدخين. - حيلة القجّة. بدل شراء علبة سجائر أو أكثر يوضع ثمنها في قجّة. فتوفّر مبلغاً يفيدك في أيام الشح، ويطول عمرك. - الاستفسار عن الوجبات التي لا تزيد الوزن في حال الإقلاع عن التدخين.