يخلط غلاة المحافظين الدينيين بين افول النظام الملكي الأوروبي وانتشار الديموقراطية. فالمثقفون الكاثوليك التقليديون تساءلوا، يومها، عن أسباب اضطراب النظام السياسي على وقع الثورة الفرنسية. ورأى هؤلاء أن هذه الثورة هي فاتحة الانهيار والانزلاق نحو الفوضى التامة وبداية سيرورة دمار العالم المسيحي. فالمساواة والفردية قوضتا نظام المراتب، وأطاحتا سلطة الأب من الأسرة، وآذنتا بانهيار العائلة، ركن المجتمع. ونصب هؤلاء عالم المؤامرة الخيالي نواة لأفكارهم. وعزا المحافظون المتطرفون الأفول الى"سيطرة اليهود"على المجتمعات الأوروبية. وبعث الباحثون في فلسفة التاريخ الفكر الرمزي الغني بالتشبيهات العضوية والاستعارات. وعزا بعضهم الانهيار الى الاختلاط العرقي والنازع الشكلي. وعلى خلاف معظم مناوئي الثورة الفرنسية، رأى شارل موراس ان العودة الى عهد الحكم الملكي الذهبي ممكنة. فالسلطة في هذا العهد كانت مقدسة وإلهية، وكانت رأس هرم مجتمع تراتبي منظم يرسو على ركن ثابت ومستقر. ونبذ المفكرون المتطرفون والتقليديون الديموقراطية، وجوهرها المساواة والجامع العام. فهذه تيسر الاختلاط على أنواعه، اختلاط الأعراق والمراتب. وتدعو إليه. وفي نهاية القرن التاسع عشر، عزيت معظم المشكلات الى الانحطاط والتقهقر على سلّم الزمن وفي ميزانه. وتوسل هذا الخطاب مجموعة من العبارات تدلل على أعراض نفسية - بيولوجية مَرَضية. واستعمل مثقفون ألمان، مثل ألفرد بلويتز وويلهام شالماير واوجين فيشر، عبارة"النظافة العرقية". وجمع منظرو النازية بين ايديولوجيا الانحطاط، ونظرية الاعراق، ووسواس اختلاطها. وفي نهاية القرن التاسع عشر، قلق الناس من آفات الحياة الحديثة، وتوجسوا الاصابة بمرض الزهري والامراض العقلية والادمان على المشروبات. وكثر الكلام على المدن التي تفسد الناس، والدعارة المترتبة على التمدين، والامراض المعدية. ولا شك في أن الحرب العالمية الاولى وما خلفته من دمار وموت فظيعين، حملت على نقد الرؤية التقدمية نقداً مريراً. وبحث المثقفون من أمثال بول فاليري وأوزوالد شبينغلر وغيرهما في أسباب انفصال التقدم التقني ? العلمي من التقدم الاجتماعي والاخلاقي. وفي ثلاثينات القرن الماضي، راج فكر الأفول والانحطاط في المجتمع الفرنسي. وربط الفرنسيون بين التردي وبين"الأمركة". وكثر الكلام على انحطاط الأقوام التي تزاول التجارة، أي الانغلو - ساكسون، وعلى نقل هؤلاء عدوى التردي والانحطاط الى الشعب الفرنسي"الحقيقي"، وقوامه الفلاحون والمحاربون. ومنذ 1960، انتبهنا الى الوجه الصناعي والبيروقراطي في كارثة هيروشيما، والإبادة الجماعية اليهودية. فالحداثة لم تطو صفحة المجازر الجماعية، بل أباحت للبشرية حرية تدمير نفسها. وفي السبعينات، جدد فكر الأفول والتردي عباراته مع نشوء حركة مناوءة السلاح النووي. وتندد هذه الحركة بالتقدم العلمي والتقني. ويذهب خبراء البيئة ودعاة المحافظة عليها الى أن الإنسان هو"مرض أديم الأرض"أو جلدها، وان فناءه يخدم بقاء التنوع البيولوجي. وبُعثت نظرية مالتوس. فهناك من يحذر من خطر فناء الكوكب، عوض التحذير من خطر فناء البشر. عن بيار - اندري تاغييف مدير أبحاث في مركز الأبحاث الوطني الفرنسي، "ليستوار" الفرنسية، 1 / 2007