تتعرّض الأراضي الفلسطينية، خصوصاً قطاع غزة، لموجة عنف شملت قتل عشرات، بينهم نساء وأطفال، وعمليات اغتيال وخطف، وقصف جامعات وإحراق مكتبات ومتاجر. المجرم هذه المرة ليس اسرائيل، بل الفصائل الفلسطينية التي قررت، وقد عجز العدو على امتداد 60 عاماً عن الغاء القضية، ان تقوم بالمهمة نيابة عنها، فما تفعل هذه الفصائل الآن هو انتحار جماعي. الملك عبدالله بن عبدالعزيز دعا"حماس"وپ"فتح"الى مكة المكرّمة، وسيحاول القادة الفلسطينيون، بدعم سعودي وتشجيع، ان يتفقوا على حكومة وحدة وطنية تخرج الشعب الفلسطيني من الكارثة التي أوقعتهم فيها قيادات الفشل والأنانية والجهل. قرأت ان الرئيس محمود عباس ونصر يوسف ونبيل عمرو وآخرين من"فتح"سيكونون في مكة المكرّمة مع خالد مشعل وموسى أبو مرزوق واسماعيل هنيّة ومحمود الزهار وآخرين من"حماس". وأعرف بعض هؤلاء معرفة شخصية وأقول للجميع ان دم الفلسطينيين على أيديهم، وان القضية نفسها ستروح ضحية تناحرهم. الملك عبدالله صريح، وأرجو ان يتجاوز أدب الضيافة، ويقول للفلسطينيين الحاضرين بصراحة انهم يدمرون قضيتهم، وانهم اذا استمروا في طريقهم الحالي من قتال وهدنة ثم قتال، وهكذا دواليك، فهم يعملون لإسرائيل لا الشعب الفلسطيني. اذا لم ينتهِ اجتماع مكة باتفاق نهائي ينفّذ فوراً لتشكيل حكومة وحدة وطنية تدير شؤون الاراضي المحتلة وحدها، بدل الميليشيات - العصابات المتناحرة، فإن رجائي التالي هو ان تسحب المملكة العربية السعودية ومصر والأردن اعترافها بحماس وفتح، وان تبحث عن قيادة فلسطينية بديلة موقتة تهتم بشؤون الفلسطينيين وقضيتهم بدل طلب المناصب والغنائم. فتح فشلت في الحكم وفشلت في المعارضة، وحماس فشلت في المعارضة ثم الحكم، وفشل مضروب بفشل لا يصنعان نجاحاً مثل ناقص في ناقص وإنما فشلاً مزدوجاً، أو كاملاً. القضية الفلسطينية ربما كانت أكثر القضايا عدالة في التاريخ الحديث، وتأييدها والعطف على أبنائها، والتفاعل معهم يتجاوز العرب والمسلمين الى شعوب الأرض كلها، كما نرى كل سنة في التصويت على أي قرار فلسطيني في الجمعية العامة للأمم المتحدة. غير ان الالتزام بالقضية ليس"شيكاً على بياض"حتى بين العرب والمسلمين، وعندما يرى هؤلاء الفلسطينيين يتصرّفون بحق بعضهم بعضاً باسرائيلية حاقدة، فإن مدى الالتزام والاهتمام والعطف لا بد من ان يتراجع. قادة حماس وفتح ليسوا في وارد ما ينفع قضيتهم او يضرّها، فحماس وقد وصلت الى الحكم تريد ان تبقى فيه بأي ثمن، على رغم فشل حكومتها في تلبية أدنى حد من الحاجات اليومية للشعب، وفتح التي خسرت الحكم كما تستحق، تريد ان تنقضّ على انتخابات ديموقراطية وتعود لتمارس في الحكم ما طردها الناخب الفلسطيني لأنها مارسته. سياسة اليوم هي مسودّة التاريخ الذي سيكتب في المستقبل، ولن أعود الى أي تاريخ أو جغرافيا في عجالة صحافية، وإنما أسأل ماذا قدّمت فتح وحماس للفلسطينيين في العقدين الأخيرين فقط، كما تابعنا جميعاً وسط الألم والدموع؟ لا شيء سوى ان تركت الشعب الفلسطيني يقف متسوّلاً على أبواب"الأجاويد"مع انه من أكثر شعوب المنطقة تعليماً، ونشاطه جعله يطلب العمل في محيطه، وفي أرض الله كلها. كم جيل يجب ان يعيش على"الإعاشة"قبل ان يقوم جيل يقف على قدميه؟ هل نحن أمام وضع يعبّر عنه المثل"الشحادة عادة"؟ المسؤول هو القيادات الفلسطينية كلها منذ ضياع فلسطين وحتى"الأبطال"المجتمعين في مكة المكرّمة. مرة أخرى، أرجو أن يتفق الفلسطينيون على حكومة وحدة وطنية، ثم أرجو ان يفقد الملك عبدالله صبره إن لم يفعلوا فيطردهم ويسحب الاعتراف بهم، مع وقف جميع المساعدات السعودية للفلسطينيين الى حين قيام قيادة نزيهة واعية تعمل لمصلحة الشعب. ولعلّ الدول العربية القادرة كافة تتخذ موقفاً مماثلاً. رجائي الى الله، ثم الى المجتمعين في مكة المكرّمة، ان يكون هناك اتفاق يمنع الكارثة، فالوضع الفلسطيني، بفضل حكمة القادة وعمق فهمهم السياسي، لم يتدهور إلا عندما أدركت الادارة الاميركية انها فشلت نهائياً في العراق من دون اعلان أو اعتراف، وقررت ان تحاول إيجاد حل للنزاع الفلسطيني - الاسرائيلي، فالنجاح هنا يكفي للتغطية على كل فشل آخر للادارة، ويضمن إرث جورج بوش للمستقبل، لذلك سنرى وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في المنطقة قرب منتصف هذا الشهر. لا أقول ان ادارة بوش ستنجح وإنما أقول ان القيادات الفلسطينية تمنعها من محاولة النجاح، هذه القيادات قتلت من الفلسطينيين في اسبوع ما لم تقتل اسرائيل، لذلك فالمطلوب من القيادة السعودية، وأيضاً المصرية والأردنية، ان تهددها لا ان تسترضيها أو تحاول ان تستميلها بوعود، فعندما يكون الملك عبدالله مع ناس"تخاف ما تختشيش"، يكون التعامل معها باللغة التي تفهم.