تأسيس الحوكمة.. السعودية تحلق في فضاءات «الرقمنة»    «غير النفطي السعودي» يقود تحولات الاقتصاد    «أنوار المباني» شاهد عيان على التنمية المستدامة    66 هدفاً يملكها نجوم «العميد» و«الزعيم»    «التورنيدو» صديق الشباك الاتحادية    السعودية 2034.. حين تلتقي كرة القدم بمستقبلها    يوم التأسيس.. جذور التاريخ ورؤية المستقبل    تاريخ امتد لثلاثة قرون من الأمجاد    لائحة الأحوال الشخصية تنظم «العضل» و«المهور» ونفقة «المحضون» وغياب الولي    الدولة الأولى ورعاية الحرمين    غبار المكابح أخطر من عادم السيارات    السعودية منارة الأمل والتميز الطبي    وزير الاتصالات يجتمع بقادة كبرى الشركات العالمية    ذكرى التأسيس.. بناءٌ وتكريس    سفير جيبوتي: التأسيس نقطة انطلاق نحو نهضة حضارية وسياسية عظيمة    وزير الإعلام يكرّم هاشم عبده هاشم بشخصية العام    السعودية.. «حجر الزاوية» في النظام الإقليمي    النور يواجه العربي القطري في نصف النهائي بالبطولة الخليجية لكرة اليد    مدرب الاتفاق ينتقد رونالدو ودوران    الفتح أول المتأهلين لممتاز كبار اليد    يوم بدينا    "نخبة الطائرة" .. سيدات النصر يُتوّجن باللقب    يوم التأسيس في عيون مجلس وادي القرى الثقافي بالعلا    السعودية من التأسيس إلى معجزة القرن ال 21    الماضي ومسؤولية المستقبل    بدعوة من ولي العهد.. انعقاد اللقاء الأخوي التشاوري في مدينة الرياض    أمانة القصيم تطلق 60 فعالية في 38 موقعًا احتفاءً بيوم التأسيس    ضبط شخصين في الرياض لترويجهما مواد مخدرة    هذا اليوم فخر واعتزاز لكل مواطن بجذور وامتداد وطنه    مدير عام فرع هيئة الهلال الأحمر بمنطقة القصيم يلتقي بمكتبه مدير الدفاع المدني    دورة لمنسوبي نادي جمعية الكشافة للحصول على شارة "هواية الصحفي"    في يوم التأسيس نستذكر تاريخ هذه الدولة العريق وأمجادها الشامخة    رئيس مجلس الشورى يستقبل رئيس مجلس النواب الأردني    تدشين مهرجان البن الثاني برجال ألمع    "مدير تعليم الطائف" يوم التأسيس رحلة عطاء حافلة بالإنجاز منذ ثلاثة قرون    حرس الحدود بمكة: إنقاذ مواطن تعطلت واسطته البحرية في عرض البحر    مستشار الأمن القومي الأميركي: زيلينسكي سيوقع اتفاق المعادن قريباً    شرطة الرياض: القبض على يمنيين لمخالفتهما نظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص    "اكسبوجر 2025" يعرض قصص ملهمة على شاشته السينمائية    قسم الإعلام الإلكتروني بالجامعة السعودية الإلكترونية يشارك في معرض FOMEX بالمنتدى السعودي للإعلام 2025    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الأميرة العنود بنت محمد بن عبدالعزيز آل سعود    الأمير فيصل بن سلطان: يوم التأسيس ذكرى وطنية راسخة تعزز مكانة المملكة ودورها الريادي في العمل الخيري والسلم العالمي    وزارة الشؤون الإسلامية تنظم ندوة علميّة تزامناً مع ذكرى يوم التأسيس    الذهب يتجه لتحقيق ثامن مكاسب أسبوعية وسط مخاوف الرسوم الجمركية    قادة الخليج والأردن ومصر يتوافدون لعاصمة القرار العربي    زيارة "فريق الوعي الصحي التطوعي" التابع لجمعية واعي جازان لمؤسسة دار رعاية الفتيات    قرارات ترمب المتطرفة تفاقم العزلة الدولية وتشعل التهديدات الداخلية    "السهلي"تهنئ القيادة الرشيدة بمناسبة يوم التأسيس    كبار علماء الأمة يثمنون رعاية خادم الحرمين لمؤتمر بناء الجسور بين المذاهب    احتمالية الإصابة بالسرطان قد تتحدد قبل الولادة    ثلاثة قرون .. السعودية شامخة    علاقة وثيقة بين المواطنين والقادة    شخصيات اجتماعية ل«الرياض»: يوم التأسيس ذكرى تجسد الوحدة وتُلهم الأجيال لصنع المستقبل    عم إبراهيم علوي في ذمة الله    الهرمونات البديلة علاج توقف تبويض للإناث    الصداع العنقودي أشد إيلاما    قطر تؤكد أن استقرار المنطقة والعالم مرتبط بحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية    آباء يتساءلون عبر «عكاظ»: لماذا غاب التدرّج في الاختبارات المركزية؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"اعترافات" تنشر للمرة الأولى بعد 42 سنة على رحيله . بدر شاكر السياب "الشيوعي" ... عادى الشيوعية واتهمها بالخيانة
نشر في الحياة يوم 23 - 02 - 2007

كان الشاعر العراقي بدر شاكر السياب في الثامنة عشرة عندما انتسب الى الحزب الشيوعي العراقي. ملأ استمارة الانتساب عام 1944 مع عمه من طريق احد الشيوعيين الإيرانيين. ولكنْ لم تمض ثماني سنوات حتى انسحب منه لاعناً اللحظة التي اصبح فيها شيوعياً. وكانت قصيدته الشهيرة"المومس العمياء"التي كتبها عام 1954 هي التي حملته على الانسحاب، بعدما وجد فيها الشيوعيون نزعة قومية عربية وعادوه من جرائها.
بعد انسحابه من الحزب راح السياب يكتب ما يشبه"الاعترافات"متناولاً سيرته الشيوعية التي امتدت طوال تلك السنوات الثماني، فاضحاً عبرها"الوجه الآخر"للحزب و"الفكرة الشيوعية الهدّامة"، ودأب على نشر هذه"الاعترافات"بدءاً من 14 آب اغسطس 1959 حتى 14 تشرين الثاني نوفمبر من السنة ذاتها، في جريدة"الحرية"الصادرة في بغداد، تحت عنوان شامل هو"كنت شيوعياً". إلا ان هذه"الاعترافات"التي وزّعها على حلقات، ظلّت طيَّ الأدراج على رغم اهميتها المرجعية كوثائق تلقي ضوءاً على النشاط السياسي الذي مارسه شاعر"أنشودة المطر"وعلى نظرته الى الشيوعية هو الذي لم يستطع ان يكون شيوعياً، لا شخصاً ولا شاعراً، تبعاً لإيمانه أولاً ورفضه الإلحاد، ثم لنزعته القوية الى مبدأ الحرية في مفهومها الشامل. هذه"الاعترافات"جمعها الكاتب العراقي وليد خالد احمد حسن في كتاب حمل عنوانها الأصلي"كنت شيوعياً"، أصدرته حديثاً دار"الجمل"ألمانيا، وليته وضع لها مقدمة. ويمكن القول ان كتاباً جديداً صدر للشاعر العراقي الكبير بعد نحو اثنتين وأربعين سنة على رحيله 1964. والكتاب هذا غاية في الطرافة نظراً الى إظهاره صورة أخرى للسياب، المناضل الشيوعي الذي اكتشف في الختام انه ليس أهلاً ليكون شيوعياً.
ولكن، هل كان السيّاب شيوعياً حقيقياً طوال تلك السنوات الثماني؟ هذا السؤال تجيب عنه بوضوح"الاعترافات"البديعة التي اعتمد في كتابتها اسلوباً يتراوح بين السخرية والنقد اللاذع والبوح... واستطاع عبرها ان"يتطهر"من آثام هذا الماضي وأن ينفّس عن همّ طالما أثقل صدره، علاوة على تصفية حساب قديم بينه وبين الشيوعيين الذين لم يتوانَ عن وصفهم بالخونة والملحدين والمتفسخين اخلاقياً كما يقول.
لم ينتسب السياب الشاب او الفتى حينذاك الى الحزب الشيوعي"عقائدياً"أو ايديولوجياً، على رغم اطلاعه على بعض المبادئ الشيوعية، بل كان انتسابه كما يعبَر، ناجماً عن كرهه للظلم وحبه للناس وعطفه"على الفقراء والبائسين"وميله الى الخير والعدل. وكان في ظنه ان"الشيوعية تنادي بالعمل للجميع والطعام للجميع وبالمساواة بين البشر"، وأنها ستحقق"الفردوس"الأرضي المفقود، فانخرط في صفوفها وناضل وتظاهر ووزّع البيانات وطورد، وهرب الى ايران ومنها الى الكويت. وكان اسمه السري في الحزب"جرير"... لكن الشاعر ما لبث ان اصطدم ب"جدار"الشيوعية سياسياً وثقافياً ونضالياً، وراح يعادي الحزب ويكتب ضده، وخاض معه ما يشبه"المعركة"الصحافية. وحاربه الشيوعيون ايضاً وكالوا له التهم وروّجوا انه"جاسوس"يتقاضى راتباً من جهاز التحقيقات الجنائية، وأنه بعثي وقومي سوري. لم يستطع بدر ان يتحمل تبعية الحزب او انحيازه الأعمى للاتحاد السوفياتي، ولا مساندة الشيوعيين العراقيين"الصفيقة والصريحة"للصهيونية. ويقول في هذا الصدد:"نعم لقد خدمنا الصهيونية وخنّا قضية أمتنا وقضية شعبنا...". ويذكر كيف كان الشيوعيون يشتمون العرب والقومية العربية في مجالس الشراب، مشيدين بما يسميه"كفاح الأخوة اليهود". ويكشف السياب عن ان سكرتيرية الحزب الشيوعي العراقي تولاها يهوديان مرتين، هما يهوذا صديق وساسون دلال.
ويحمل ايضاً على الأدب والشعر الشيوعيين واصفاً إياهما ب"التفاهة". ولا يسلم من حملته شعراء شيوعيون كبار من أمثال ناظم حكمت وبابلو نيرودا ولويس أراغون وماوتسي تونغ وسيمونوف. ويقول إنه وجد شعرهم الشيوعي سخيفاً ولا يستحق أن يسمى شعراً. وفي نظره ان"الشيوعية والشعر ضدان لا يمكن ان يجتمعا". لكن السياب الذي اغتاظ منه"الرفاق"عندما ترجم قصائد للشاعرين إليوت وستيفن سبندر كان ترجم سابقاً قصائد لناظم حكمت وأراغون. إلا انه كان يميل الى إليوت وسبندر وريلكه، الشاعر الألماني الميتافيزيقي، والمنشق بوريس باسترناك"أعظم شاعر روسي معاصر"... ويحمل ايضاً على الشاعر عبدالوهاب البياتي واصفاً إياه ب"المتشاعر التافه". وهذا القدح بشاعر"أباريق مهشمة"يعبّر عن حقيقة العداء الذي قام بين الشاعرين الرائدين.
كان بدر شاكر السياب قاسياً جداً في موقفه من الشيوعية والشيوعيين. فهو ربما شعر بعد سنواته الثماني انهم خدعوه وأوقعوه في فخهم، هو الفتى الرومنطيقي البريء الآتي من الريف البعيد. لكنه لم يلبث ان اكتشف الخديعة فراح يصفّي حسابه مع الحزب و"الرفاق". ولعله في هذا المعنى لم يكن شيوعياً حقيقياً ومؤدلجاً ما دام لم يقتنع يوماً بالإلحاد وبالمادية الجدلية ولا بالأصل المادي للعالم... وعلى رغم اللهجة القاسية التي تسم"الاعترافات"يظل هذا الكتاب مرجعاً مهماً لمقاربة الوجه الآخر للشاعر العراقي الرائد، وجه المناضل الذي اختبر معنى المأساة وسعى الى تغيير العالم ولو بالحلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.