بدأت شبكة "فوكس" الأميركية بث مسلسل "24" في 2001، وهو في موسمه السادس. وتعرض كل حلقة من حلقات السلسلة التلفزيونية يوماً كاملاً 24 ساعة، محفوفاً بالذعر، من مغامرات جاك باور، عضو "وحدة مكافحة الارهابيين". ويمضي باور نهاره في كشف مؤامرة تهدد بلده، ويسعى الى إفشالها. ودرج إرهابيو "24" على الإعداد لتفجير قنابل نووية أو أسلحة بيولوجية، والتخطيط لإبادة مدن بكاملها. وتحمل مسارات القصة الملتوية باور وزملاءه على اتخاذ قرارات أمنية تنتهك الحريات العامة. وغالباً ما يواجه باور صعوبات كبيرة. فالمشتبه فيه، أو المتّهم، لا يتجاوب مع المحققين معه. فيجد هؤلاء أنفسهم أمام الاختيار بين التزام أصول التحقيق، والعجز، تالياً، عن عرقلة الخطة الإرهابية، وبين تعذيب المتهم للحصول على معلومات وأسرار مهمة. ولا ريب في أن الخيار الثاني، أي التعذيب، هو خيار باور المفضل. ويتعرض المعتقلون للضرب أو للخنق أو لشحنات كهربائية، أو يجبرون على تعاطي المخدرات أو يطعنون بسكين أو خنجر. ويحمل المسلسل الاميركيين على مواجهة هلعهم بعد اعتداءات 11 أيلول سبتمبر 2001. فهو يدور على مخاوف الناس، وتوجسهم من الهجمات المحتملة. ويحاكي"24"حرب إدارة الرئيس بوش على المتطرفين الإسلاميين، ويعتبرها صراعاً مصيرياً من أجل بقاء أميركا. وغداة اعتداءات 11 أيلول، زعم ديك تشيني، نائب الرئيس الأميركي يومها، أن على الولايات المتّحدة مكافحة الارهاب، واستعمال وسائل العالم"السفلي والمظلم". وفي المسلسل، تظهر عمليات التعذيب ابرز وجوه هذا العالم"الاسود والقاتم". والحق أن مشاهد التعذيب راجت على شاشات التلفزة الأميركية بعد 11 ايلول سبتمبر. فقبل هذه الهجمات، لم يتعدَ عدد مشاهد التعذيب، الاربعة، في أوقات ذروة البث التفلزيونية بحسب منظمة"حقوق الإنسان أولاً". ثم ارتفع عددها إلى مئة مشهد، وأصبحت وسائل التعذيب أكثر قساوة. وتغيرت هوية المتوسلين بها. فبعدما كان الجلادون أشراراً قبل 11 أيلول، أصبحو أبطالاً. وفي حين يبدو التعذيب على يد جلاد شرير وحشياً، يظهر التعذيب على أنه خيار الابطال الصعب والقاسي. فالتعذيب يعذب ضمير البطل، وقد يصيبه بإحباط نفسي وكآبة. وبحسب"المجلس الأهلي للتلفزيون"، وهو مجموعة أهلية حيادية، عرض مسلسل"24"76 مشهد تعذيب في المواسم الخمسة الأولى من بثه، أي نحو مشهد تعذيب كل حلقتين أو أسبوعين. وفي عدد كبير من الحلقات، ظهر في صفوف الأبطال مسؤولون أميركيون يمارسون التعذيب، على رغم أن مجلس الشيوخ الاميركي صادق على"اتفاق الأممالمتحدة المناهض للتعذيب"في 1994. ويمنع هذا الاتفاق التعذيب منعاً تاماً، ولا يجيزه في الحروب أو في معالجة الاضطرابات الداخلية. ولا يستند معدو هذا البرنامج على وقائع حقيقة، فمشاهد التعذيب هي من بنات خيال المؤلفين. ويضفي انتماء هذه المشاهد الى السينما وصورها التشويق والإثارة عليها. ولكن عملاء"وحدة مكافحة الإرهابيين"التلفزيونية استخدموا وسائل تعذيب لجأ إليها الجيش الأميركي في استجواب المتّهمين من تنظيم"القاعدة". وتنتشر شرائط المسلسل بين الجنود الأميركيين في العراق. وبعد مشاهدة حلقاته، يتوجّه بعض الجنود إلى غرف الاستجواب، ويقلدون أبطال المسلسل، بحسب توني لاغورانيس، وهو محقق سابق في الجيش الاميركي. وفي تشرين الثاني نوفمبر المنصرم، أعرب العميد في الجيش الأميركي، باتريك فينيغن، عن قلقه من مضمون المسلسل السياسي. فهو في مثابة دعوة الى انتهاك القوانين الأميركية من أجل ضمان أمن البلاد. وترى قيادات الجيش الاميركي أن"24"يروج لانتهاك الأخلاق والقوانين. وتمنى العميد فينيغن على فريق عمل"24"التطرّق، في برنامجهم، إلى مترتبات التعذيب النفسية والقانونية. وردّ منتجو"24"بأنهم يتجنبون"تجميل"التعذيب وجعله مستحباً لدى المشاهدين. ولم يوافق الخبراء على مزاعم المنتجين. فبطل المسلسل شخص عاقل يبرر وحشية أساليبه، ومنها قطع رأس أحد المشتبه فيهم بمنشار. عن جاين ماير، "نيويوركر" الأميركية، 19 / 2 / 2007